الابتزاز والإنفاق.. سياسة «داعش» سوريا للتمويل وتهريب عناصره من الهول
في محاولة لإعادة نمو شبكاته من أجل إعادة تنفيذ عمليات إرهابية أكثر وحشية مما مضى ليؤكد وجوده داخل الأراضي السورية، بدأ تنظيم «داعش» وخلاياه الإرهابية في ممارسة نشاط الابتزاز المالي بالترويع لجمع الأموال لتمويل عملياته وإعادة نمو شبكاته، مهددًا باستخدام العنف لتفعيل خطته على نطاق واسع في محافظتي الرقة ودير الزور، بجانب استخدامه الخنادق والأنفاق المحفورة بأدوات بدائية لتهريب عناصره من مخيم الهول وتنفيذ عمليات قتل جماعية داخل المخيم.
الابتزاز المالي
على الرغم من الهزيمة
التي مُني بها تنظيم «داعش» الإرهابي، في سوريا منذ عامين، يستمر التنظيم في ترويع
الناس لاسيما في منطقة الشمال الشرقي، مستخدمًا الابتزاز المالي لأصحاب الأعمال
لتمويل عملياته وإعادة نمو شبكاته، مهددًا منذ فترة باستخدام العنف لتفعيل خطة
ابتزاز واسعة النطاق في محافظتي الرقة ودير الزور، ومن جراء فشل السلطات المحلية في
توفير الحماية الكافية من «داعش»، لم يكن أمام الكثير من الناس خيار سوى الدفع.
واستخدمت خلايا التنظيم
الإرهابي أساليب مختلفة لإيصال مطالبها بعد تحديد الهدف، حيث يقول الضحايا إن
المجموعة تعتمد بشكل أساسي على تطبيقات المراسلة، ولاسيما «واتساب»، الذي يستخدم
التشفير من طرف إلى طرف ويوفر خيار عدم الكشف عن هوية من يعمل مع «داعش»، لكنها
تسلم أيضًا إخطارات مكتوبة مختومة بشعار التنظيم إلى منازل أهدافها، وهو أسلوب
ترهيب يمكن القول إنه أكثر فعالية.
كما تتضمن طلبات الفدية
عادة اسم الهدف، والمبلغ المطلوب بفئات الدولار الأمريكي، والمكان الذي يجب أن يتم
فيه تسليم الدفعة، إضافة إلى احتواء الرسائل على تحذيرات واضحة وصريحة لتسليم
الأموال بسرعة وسرية لتجنب العقاب، وأدى عدم الامتثال لتلك الطلبات إلى هجمات
لـ«داعش» على الشركات وعمليات الخطف والقتل المستهدف، وورد أن «داعش» دمر العديد من
آبار النفط في شهر يناير عندما رفض المسؤولون الدفع.
ويعتمد «داعش» على معرفته
الواسعة بالمجتمعات المحلية لتحديد الأهداف وتحديد حجم الجزية، وعادة ما تستهدف
المجموعة المهنيين مثل الأطباء والصيادلة، وأصحاب الأعمال بما في ذلك المزارعون
البارزون والرعاة وأصحاب المتاجر والتجار والمستثمرون، الذين يعتبرون من الأثرياء،
مستخدمًا شبكة استخبارات بشرية لتتبع الأهداف وتقدير دخلهم.
ويختلف حجم وعدد مرات
الدفع لتلك المبالغ القسرية، حيث قال بعض ضحايا مجموعة «داعش» إنهم يدفعون ما بين
700 دولار و1500 دولار سنويًّا، بينما يدفع المستثمرون المشرفون على حقول النفط في
شرق دير الزور أكثر من 5000 دولار لكل بئر شهريًّا، أو ما بين 10 في المائة و20 في
المائة من أرباح البئر الشهرية.
ويرى مراقبون، أن الخوف
من الانتقام من التنظيم الإرهابي وقوات سوريا الديمقراطية سمح لأنشطة الابتزاز تلك
أن تبقى في الخفاء، مما صعّب من مهمة مواجهتها، وما لم تتم معالجة الظروف التي
تمكن المجموعة من تمويل نفسها، مؤكدين أنه من الصعب تقدير أرباح التنظيم من عمليات
الابتزاز غير المشروعة، لكن التقارير الإعلامية تشير إلى أن التنظيم يجني عدة
ملايين من الدولارات سنويًّا بهذه الطريقة، مقارنة بـ80 مليون دولار شهريًّا كانت
المجموعة تحققها في عام 2015، إلا أن هذا المبلغ
قادر على جعل المجموعة بالغة
الخطورة، لقد قللت الهزيمة الإقليمية لـ«داعش» في عام 2019 من مسؤولياته المالية،
وتدفقه النقدي الحالي أكثر من كافٍ لتمويل عمليات الكر والفر وضمان بقائه في الساحة.
أنفاق الدواعش
في الجهة المقابلة، عثرت القوات الأمنية التابعة لـ«الإدارة الذاتية لشمال
وشرق» سوريا، داخل مخيم الهول، على خندق وشبكة أنفاق محفورة تحت الأرض، تستخدم من
قبل خلايا التنظيم الإرهابي بغرض عمليات تهريب البشر وتنفيذ جرائم قتل ومحاولات
اغتيال، حفرت بطريقة بدائية وجرت تغطيته بألواح معدنية وخشبية للتمويه عليه، وسط
مجموعة خيام يقطنها نازحون سوريون ولاجئون عراقيون؛ بجانب العثور على نفق سري كان
يستعمله عدد من الأطفال الذين كانوا ينتمون سابقًا لما يُعرَف بتنظيم «أشبال
الخلافة»، للتدريب والاختباء ومهارات استخدام الأسلحة والفرار من الحملات الأمنية.
مديرة مخيم الهول «همرين حسن»، تقول: إن «الخلايا النائمة داخل وخارج المخيم
على صلة بشبكات لتهريب البشر موالية للتنظيم، يتم التواصل معها عبر برامج
للاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي، على أن تكون محافظة إدلب أو مناطق أخرى تقع
شمال سوريا خاضعة للنفوذ التركي أول محطة بعد نجاح عملية التهريب من المخيم»،
مضيفة: «تتولى ذات الشبكات نقل مَن يتم تهريبهم من الهول إلى داخل الأراضي
التركية، ومنها إلى مواطنهم الأصلية، وهو أمر يتم غالبًا لقاء دفع مبالغ مالية
طائلة»، مؤكدةً أن مشكلة مخيم الهول دولية بامتياز، ولا بد من اتخاذ الدول المعنية
قرارات وإجراءات جذرية سريعة، والعمل على تقديم الحلول المناسبة، محذرةً من بقاء
هذا الملف مفتوحًا دون حلول، وأن بقاء تلك العائلات في هذا المكان سوف يؤدي إلى
انتشار وتزايد خطر «داعش» داخل المخيم وخارجه.
وشنت قوات أمن المخيم حملات أمنية وعمليات، بالتنسيق من قوات التحالف
الدولي، على مدار الأعوام الماضية، وألقت القبض على عناصر شبكات تهريب البشر،
بينهم نساء «داعشيات»، بتهم تشكيل «خلايا إرهابية لتهريب عوائل التنظيم»، كما نفذت
حملات مداهمة بشكل متكرر شملت معظم أقسام المخيم، وتشتبه في تورط نساء مؤيدات
للتنظيم يلعبنّ أدوار الوسيط مع خلايا نائمة للتنظيم تكون خارج المخيم، في عمليات
التهريب وتقديم الأموال لتغطي نفقات المهربين، ومد يد العون لعائلات مسلحي التنظيم
المتشدّد.
للمزيد: بين الهزيمة والتشبث
بالبقاء.. تراجع نفوذ وتهديدات «داعش» في العراق وسوريا





