الرئيس الصومالي في مصر.. دلالات الزيارة والمباحاثات الخاصة بين القاهرة ومقديشيو
الأربعاء 27/يوليو/2022 - 02:39 م
أحمد عادل
تُمثل زيارة الرئيس الصومالي «حسن الشيخ محمود» إلى مصر، محطة حيوية في خضم التعاطي المصري مع العمق الأفريقي والتعاون الاستراتيجي لمعالجة التحديات المشتركة، وتأتي الزيارة السابعة منذ انتخاب «الشيخ» رئيسًا للصومال في الخامس عشر من مايو للعام الجاري، في إطار جولة إقليمية شملت كلًا من الإمارات وتركيا وإريتريا وكينيا وجيبوتي وتنزانيا، سعيًا لإعادة تنشيط الدبلوماسية الصومالية من ناحية، والحصول على الدعم الاقتصادي في خضم الوضع المتأزم عالميًا، وكذلك تأتي الزيارة في إطار ترسيخ مبادئ التعاون والتعاطي الإيجابي مع التحديات المشتركة لكلا البلدين؛ خاصة في منطقة القرن الأفريقي في ضوء الاستقطابات الإقليمية داخل هذه المنطقة.
العلاقات المصرية الصومالية
تمتاز العلاقات المصرية الصومالية بوضعية خاصة منذ حصول الصومال على استقلاله، حيث كانت مصر من بين أولى الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، وهو الأمر الذي أوضحه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال المؤتمر المشترك الذي جمعه بنظيره الصومالي، ولعل العلاقات بين الجانبين تتضمن أبعادًا سياسية من بينها الوساطة المصرية لإنهاء الأزمة الصومالية التي اندلعت عام 1991، حيث استضافت القاهرة حينها مؤتمرًا للمصالحة الوطنية الصومالية عام 1997 لمعالجة مواطن الاضطراب والتصدع الداخلي، علاوة على الدعم الذي تقدمه مصر في المؤتمرات المعنية بحل الأزمة الصومالية، كما هو الحال بالنسبة لمؤتمر الخرطوم المنعقد عام 2006، ومؤتمر جيبوتي عام 2008.
تقدم وتطور بين القاهرة ومقديشيو
وفي إطار التفاعل والتعاون الاقتصادي، نجد أن العلاقات التجارية والاقتصادية تشهد حالة من التقدم والتطور بين الجانبين، وانعكست في ارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى الصومال لتصل إلى نحو 66.3 مليون دولار خلال عام 2021 مقابل 60.1 مليون دولار خلال عام 2020 بارتفاع نحو 10.2%، بينما بلغت الواردات المصرية من الصومال نحو 1.3 مليون دولار خلال عام 2021.
وعلى الصعيد الأمني، فإن كلا البلدين مرتبطتان بقضايا الأمن في تلك المنطقة نظرًا للأهمية الجغرافية والموقع الاستراتيجي المهم لمقديشيو على الطرق المؤدية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، علاوة على حيوية الدولتين وأهمية التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي وفي منطقة الساحل والصحراء، خاصة أن مصر تقوم بدور فعال في بناء المؤسسات الأمنية بالصومال، من خلال الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيًا، الذي تم إنشاؤه عام 1980 للمشاركة في الدورات التدريبية، في ظل الاستراتيجية المصرية لدعم المؤسسات الأمنية الصومالية.
سياسة فك الارتباط
تحمل زيارة الرئيس ”حسن الشيخ” إلى مصر جملة من الأهداف يأتي في مقدمتها، فك الارتباط بسياسة المحاور التي رسخها الرئيس الصومالي السابق «محمد عبدالله فرماجو»، والتي برزت بصورة كبيرة في انحيازه للجانب الإثيوبي فيما يتعلق بقضية المياه «سد النهضة»، كما برز في تحفظ الصومال على قرار جامعة الدول العربية، الذي طالب إثيوبيا بالامتناع عن البدء في ملء خزان سد النهضة دون التوصل لاتفاق عادل ومنصف مع كل من مصر والسودان، وكذلك فيما يتعلق بالملفين الليبي والسوري وتأييد التدخلات العسكرية فيهما، وهو الأمر الذي بات مختلفًا في ظل تولي «الشيخ» رئاسة الصومال رغبةً في تعدد الشراكات الإقليمية وتصفير المشكلات العالقة، خاصة أن مصر هي النافذة الداعمة للصومال حيال استعادة دورها وموقعها الاستراتيجي في القرن الأفريقي وخليج عدن.
الأمر الآخر، يتمثل في ملف لطالما تعاني منه الصومال وهو الإرهاب المحلي والعابر للحدود، في ضوء البيئة الجغرافية الصومالية الواقعة في منطقة مضطربة ومليئة بالجماعات المسلحة من ناحية، واستفادةً من الخبرة المصرية في مجال مكافحة الإرهاب من ناحية أخرى، وقد برز ذلك في أجندة الرئيس الصومالي خلال الزيارة، والتي تطلع خلالها إلى أهمية مشاركة مصر في تدريب وبناء المؤسسة العسكرية الصومالية، وتدريب العسكريين الصوماليين، وفتح المجال أمام الدورات التدريبية، وتبادل الخبرات والتجارب في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية، لا سيما أن الصومال يعاني من تزايد وتيرة العمليات الإرهابية التي تضطلع بها حركة الشباب الصومالية.
الأمر الآخر، يتجلى في تعزيز الاستثمارات المتبادلة؛ خصوصًا في ضوء ما تتمتع به مصر من استقرار اقتصادي، وقدرة استثمارية في البيئة الصومالية، خاصة فيما يتعلق بالربط التجاري عبر استغلال الموانئ البحرية، وكذلك التعاون في مجال الثروة الحيوانية، وهو ما يبرهن الرغبة المصرية في تعزيز وجودها بالصومال، وتجلى ذلك في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء «د. مصطفى مدبولي» إلى الصومال لحضور حفل تنصيب الرئيس «الحسن الشيخ».
وفي التقدير؛ فإن زيارة الرئيس الصومالي تبرهن بشكل كبير على الرغبة الصومالية لإعادة ترتيبات الأولويات في سياستها الخارجية، وتغيير النهج القديم وسياسة المحاور المتبعة في عهد الرئيس السابق، مع توسيع دائرة العلاقات العربية والأفريقية، والتنسيق المصري الصومالي من شأنه أن يُعزز من المصالح المصرية في العمق الأفريقي، ويحقق مصالح القاهرة الاستراتيجية في البحر الأحمر من ناحية، واكتساب الدعم الصومالي فيما يتعلق بملف سد النهضة من ناحية أخرى.
وعلى المستوى الصومالي، تُمثل الزيارة مرتكزًا حيويًّا لإعادة بناء الدولة الصومالية، وتعزيز مجالات التبادل التجاري والشراكة الاقتصادية والأمنية بما يحقق قدرًا من الاستقرار النسبي في الداخل الصومالي، خاصة في ظل غياب الدور العربي هناك، وما تبعه من تغلغل لقوى إقليمية غير عربية لملء هذا الفراغ، وهو الأمر الذي يؤثر على مصالح مقديشيو.





