العائدون من الهول.. العراق يستقبل مواطنيه الدواعش ويعيد تأهيلهم

بإعادة العوائل العراقية من المخيمات السورية إلى العراق، تمكنت السلطات العراقية من إعادة ما يقرب من 603 عائلات، بحدود 2600 شخص، على دفعات، إذ تسعى بغداد إلى إعادة تأهيلهم من جديد لدمجهم في المجتمع العراقي مرة أخرى، إذ لم يكن الطريق سهلًا أمام عدد من العائلات التي غادرت العراق لتأمين مستقبل أفضل، ووقع بعضها ضحية تجار البشر، ليجدوا أنفسهم عالقين في مخيمات النزوح في شمال غرب سوريا، بانتظار فرصة للمغادرة.

عودة وتأهيل
وبالتعاون مع منظمات أممية، أطلقت العراق سلسلة برامج نفسية وتعليمية تستهدف الأسر التي أُعيدت، واستقرت في مخيم الجدعة الواقع في ضواحي مدينة الموصل، شمال العراق، حيث قال «علي عباس» مدير العام لدائرة شؤون الفروع في وزارة الهجرة العراقية، إن عدد العائلات التي تم نقلها من مركز الجدعة وإعادتها لمناطق سكناها يصل لقرابة 603 عائلات، بحدود 2600 شخص، وعادت بشكل دفعات إلى مناطقها، مؤكدًا أن قرابة 400 عائلة تم إخراجها من مركز التأهيل في الجدعة جنوبي الموصل بعد تلقيها برامج تأهيلية لمدة 4 أشهر داخل المركز؛ بحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
المدير العام لدائرة شؤون الفروع في وزارة الهجرة العراقية، أشار إلى حرص الوزارة على كبار السن والمرضى ممن يحتاجون إلى رعاية، مشيرًا إلى أن الوزارة جادّة بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية، ووزارة الصحة بتهيئة مستلزمات طبية حال وصول تلك العائلات إلى مركز الجدعة لتلقي العلاج، وعرضهم على مختصين، قائلًا: «من المؤمل أن يشهد العام الجاري عودة دفعة جديدة من العائلات النازحة، كما أن عودتهم لا ترتبط بالوزارة بشكل مباشر، بل إن جهات أمنية هي من تحدد توقيت نقلها».
ومنذ أغسطس2021، أعادت بغداد عدة دفعات ضمت مئات العائلات العراقية، أغلبهم نساء وأطفال، كانوا داخل مخيم الهول ومعسكرات نزوح أخرى في شمال شرق سوريا.
وعلى الرغم من التدقيق الحكومي الأمني لتلك العوائل، والتأكد من عدم وجود أي ارتباط لها بتنظيم «داعش» الإرهابي، قبل أن تتم إعادتها إلى العراق، إلا أن أطرافًا سياسية عراقية حليفة لإيران، ترفض إعادتها من مخيم الهول، ودأبت على توجيه الاتهامات لها بأنها متورطة بالإرهاب، وأجبرت الحكومة على وقف برنامج نقل العائلات لعدة شهور مضت، خوفًا من استهدافهم من قبل الفصائل المسلحة المرتبطة بتلك الأطراف، ما دفع الحكومة إلى السعي لإعادة تأهيل تلك العوائل من جديد.
وخلال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي جرت أعماله في مدينة مراكش المغربية، أعلن وزير الخارجية العراقي «فؤاد حسين»، عن اعتزام العراق إعادة العوائل العراقية من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة بنينوى، مبينًا أن العراق يبدي استعداده لاستقبال العوائل العراقية في مخيم الهول بعد إجراء التدقيق الأمني، والتأكد من جنسيتهم العراقية، داعيًا دول التحالف إلى المساعدة في عملية نقلهم، ووضع برامج إعادة الاندماج والتأهيل، مؤكدًا أهمية معالجة الوضع الإنساني للعائلات في الهول بسوريا، ومنع تنظيم «داعش» من اختراق مخيمات النازحين، ونشر فكره الإرهابي، وإعادة تنظيم صفوفه.
ويوجد نحو 30 ألف عراقي في مخيم الهول، أغلبهم نساء وأطفال وكبار في السن، قسم كبير منهم نزح إلى سوريا من المدن العراقية الحدودية بقصد الانتقال من هناك إلى تركيا، أو أجبرهم التنظيم على التحرك من المناطق التي خسرها إلى أخرى في المدن السورية، حيث أكدت السلطات العراقية أن العائلات التي أعيدت من مخيم الهول نزحت بفعل المعارك والعمليات العسكرية في المدن العراقية المجاورة لسوريا، وانتهى بها المطاف في المخيمات، ولا علاقة لها بما يعرف بعوائل داعش.

مخاوف من المستقبل
صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أكدت في تقرير لها، أن مخيم الهول لا يزال أحد أكثر المشكلات استعصاءً على الحل في سوريا، فهو أشبه بسجن مفتوح يضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال من جميع أنحاء العالم، يمتلك العديد منهم روابط عائلية بمسلحي داعش، ما دفع العديد من الحكومات حول العالم إلى رفض عودتهم إلى أوطانهم، حيث تمكنت الحكومة العراقية من إعادة ما يقرب من 2500 عراقي من المخيم، الذي يضم نحو 30 ألف عراقي من بين إجمالي 55 ألف نسمة، منذ مايو 2021، ويقول المسؤولون إنه من المتوقع أن يتبع ذلك المزيد من عمليات العودة، إذ يعيش العائدون من مخيم الهول إلى وطنهم العراق في حالة من الخوف والفزع التي تسبب بها تنظيم مسلحي التنظيم الإرهابي إبان سيطرته على محافظة الحسكة بشمال سوريا، بجانب مخاوفهم بشأن مستقبلهم في العراق.
مراسلو «الواشنطن بوست» لدى زيارتهم إلى مخيم «جدة» بالعراق الذي يستضيف العائدين من الهول، أوضحوا أنه على الرغم من أن المخيمات المتبقية للنازحين داخليًّا في العراق غالبًا ما أصبحت متداعية بسبب نقص التمويل والإهمال، ما دفع الحكومة إلى إغلاق معظمها في العام الماضي، إلا أن مخيم «جدة» لا يزال منظمًا وجيد الإدارة حتى أنه في بعض الحالات، رسم السكان جداريات زاهية على الأسطح الخارجية لخيامهم، مع وجود أطباء نفسيين يقدمون جلسات لمن تظهر عليهم علامات الصدمة.
وخلال المقابلات، قالت نساء إنه في بعض الحالات، اضطر الزوج أو الأب إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة في سوريا والعمل كمقاتلين، وفي حالات أخرى، صدرت أوامر لبعض الرجال بمواصلة العمل في وظائف البلدية، وأكدن أن الوضع في المخيم السوري كان جهنميًّا؛ حيث عمليات القتل والعنف لا تتوقف والفقر وانعدام الغذاء والدواء هما السائدان.
وعلى عكس معظم البلدان، أشادت الصحيفة بمساعي العراق لإعادة أبنائه من الهول، قائلةً: «إن العديد من الدبلوماسيين في الدول الغربية رفضوا استعادة مواطنيهم من الهول ووصفوه بأنه ألم شديد في الضمير العالمي».
وحول أسباب بطء وتيرة إعادة العراقيين من الهول، أبرزت الصحيفة تصريحات العديد من المسؤولين بأن هذا البطء يُعزى جزئيًّا إلى عملية الفحص المطولة؛ حيث غالبًا ما يتم فحص العائدين من قبل وكالات أمنية متعددة لتورطهم في جرائم مزعومة.
للمزيد: «داعش» يستهدف مخازن الأسلحة وترقب للعملية التركية في الشمال السوري