انسحاب روسي من أطراف كييف.. قراءة في الأسباب والدلالات
الأحد 17/أبريل/2022 - 04:43 م
محمود البتاكوشي
أثار سحب الجيش الروسي قواته من محيط العاصمة الأوكرانية، كييف والتركيز على إحكام السيطرة على الأقاليم الشرقية، وخصوصًا إقليم دونباس والشريط البري الرابط بينه وبين شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014، العديد من الاستفسارات، إذ تحاول الاستخباراتية الأمريكية، تصويره على أنه هزيمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو على الأقل فشل لخطته الأصلية، في حين يعتبر الكرملين ما يحدث على أرض الواقع انتصارًا على التحالف الغربي، وذلك لعدة أسباب، أولها أنها ألحقت أضرار جسيمة بأوكرانيا، وجعلتها تتحدث علانية عن التفاوض بشأن وضع محايد لأوكرانيا كجزء من اتفاق سلام محتمل.
وأكد الكرملين روسيا تسير وفق خططها العسكرية الموضوعة منذ بدء هذه الحرب، والتي ترتكز أساسًا على السيطرة علي المناطق التي فيها نسبة شعبية كبيرة مؤيدة لها في شرق أوكرانيا، ولهذا لم نر أي تقدم عسكري روسي جدي نحو العاصمة كييف وأوديسا وغيرهما من مدن، كونه ليس من مصلحة روسيا التمدد نحو المناطق البعيدة نسبيًّا عن حدودها مع أوكرانيا، خاصة أن القوات الأوكرانية منتشرة فيها بكثافة، وغالبية السكان في تلك المناطق ضد التدخل الروسي على عكس معظم سكان شرق البلاد، لذا من المتوقع أن يعلن الرئيس الروسي في الأيام القليلة المقبلة إيقاف الحرب، وتثبيت الوضع القائم في الشرق، وتغيير الخارطة الأوكرانية، وتخفيف الضغوط الغربية، إذ كان هدف موسكو من قصف وحصار كييف الضغط على أوكرانيا في عملية التفاوض.
كما تمكنت قوات جمهوريتي الدونباس دونيتسك ولوغانسك من السيطرة على مساحات واسعة من أراضي الإقليم لضمّها الى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومتين اللتين أعلنتا استقلالهما والانفصال عن أوكرانيا، وفي هذا تنفيذ ميداني لأحد أهداف العملية المتصل بحماية السكان من أصل روسي من بطش القوات الأوكرانية، فهما الهدف الحقيقي للحرب، فضلًا عن تدمير القدرات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية، بحيث تمّ إخراج نحو 75% من هذه القدرات من الخدمة خاصة أسلحة الطيران والدفاع الجوي والمدرعات والبحرية، وتدمير البنية العسكرية التحتية للجيش الأوكراني، وقطع طرق إمداده من الغرب بشكل واسع وبنسب عالية.
كما نجحت روسيا في توجيه ضربة قاصمة للبرنامج البحثي الجرثومي والبيولوجي بالمنطقة الشرقية من أوكرانيا، والذي تموله وتديره أمريكا، وهو كما يبدو مخصص للنيل من روسيا ومصالحها الأمنية والدفاعية.
على الجانب الآخر من النهر، اعتبرت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، الانسحاب الروسي بمثابة هزيمة، مؤكدين أن ذلك يرجع لفشل خطوط الإمداد والتحديات اللوجستية، وسوء التخطيط إلى حجم القوات غير الكافية، وأكبر دليل على ذلك لجوء النظام الروسي للمرتزقة.
ولكن حذرت تقارير أمريكية، من احتمالية إعادة تجميع القوات الروسية شرقي أوكرانيا ليكون بداية فصل جديد من الحرب ونقطة انعطاف، قد ينذر بقتال أبشع مستقبلاً، وذلك بحسب لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، الذي أكد خلال جلسة استماع بالكونجرس في 8 أبريل 2022 إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تخلى عن مساعي السيطرة على كييف للتركيز على إقليم دونباس، مشيرا إلى أن نتيجة الحرب في أوكرانيا لم تتضح بعد.
يذكر أن الجيش الروسي دخل حربًا مفتوحة في الأراضي الأوكرانية، في أكبر هجوم عسكري تشهده القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، منذ 24 فبراير 2022، لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، ونزع السلاح واجتثاث النازية في الدولة المجاورة.





