طالبان أم «طالبانات».. توقعات بحدوث انشقاقات كبيرة في صفوف الحركة
قد يبدو ظاهريًا أن حركة طالبان، جميعها على قلب رجل واحد، بينها اتفاق على كل التحركات والمراجعات الفكرية، إلا أن واقع وتاريخ الحركة، يعكس خلاف ذلك تمامًا؛ الأمر الذي ينذر بوقوع انشقاقات كبيرة في صفوف الحركة مستقبلًا، إذ بدأت الخلافات مبكرًا حتى في عهد الملا عمر.
وقد تصل هذه الانشقاقات إلى تشظي الحركة وتفتتها إلى فصائل متشرذمة؛ مثلما حدث مع تنظيم القاعدة من قبل، والذي انشقت عنه فصائل متعددة تتفق مع التنظيم الأم في أوجه وتختلف معه في أوجه أخرى؛ فمنها ما ابتعد عنه تمامًا بأيديولوجيات جديدة، ومنها ما يحاول التنصل والتراجع عن فكر القاعدة والظهور في صورة حركة تحرر وطني كهيئة تحرير الشام في سوريا.
الهيكل التنظيمي للحركة
ما زال الهيكل التنظيمي لحركة طالبان يحتفظ ببنيته الأساسية منذ تأسيسيه والتي تضم:
أمير الحركة:
ويمثله حاليًا الملا هيبة الله أخوند زاده؛ الذي تمكن من رأب الصدع الذي نتج عن الخلاف الكبير داخل الحركة بعد اختيار سلفه الملا أختر منصور.
مجلس شورى العلماء:
ويتمثل في المرجعيات الفكرية العليا للحركة، ويلعب العلماء في الحركة دورًا محوريًا، وتحظى أقوالهم باحترام كبير داخل التنظيم، ظهر هذا الدور في الأوقات العصيبة التي مرت بها الحركة كأزمة إعلان وفاة الملا عمر، وتعيين قيادات جديدة بعده، حسم اسم زعيم الحركة، ومن علمائه المشهورين المولوي عبد العلي الديوبندي، والعالم الباكستاني شير علي شاه والمولوي نظام الدين شامزي.
مجلسا الشورى المركزي والعالي:
ولا يوجد لعضوية المجلس المركزي عدد محدد، وقد بدأ تشكيله بعضوية 70 عضوًا برئاسة الملا محمد حسن رحماني والي قندهار، أما المجلس العالي فيضم كل القيادات المعروفين في الحركة.
المكتب السياسي :
ويترأسه حاليًا الملا عبدالغني برادر أحد اللاعبين الأساسيين في ملف المفاوضات.
ثم يأتي بعد ذلك القادة الميدانيون واللجان العليا والمحلية.
الانشقاقات قبل وفاة الملا عمر:
تعرضت حركة طالبان لعدد من الأزمات الكبيرة، كان أعمقها ما حدث بعد سقوطها عام 2001م، وتعرض قياداتها للاعتقال والتصفية الجسدية إضافة إلى التحولات التي لحقت ببعض القيادات الذين تعرضوا تارة للمضايقات وتارة للإغراءات، غير أن اللافت للانتباه هو ظهور هذه الانشقاقات مبكرًا حتى في عهد الملا عمر نفسه، وكانت إحدى الرسائل المسربة لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في وثائق أبوت أباد، كشفت عن وجود تصدع عميق داخل حركة طالبان بين من وصفهم بالتيار الجهادي الصادق والتيار المداهن.
طلب أسامة بن لادن في رسالته التي وجهها إلى أيمن الظواهري عام 2008، "أن يولي اهتمامًا خاصًا لما وصفه بـ«مؤامرة اغتيال الملا داد الله»، أحد أبرز القادة العسكريين لحركة طالبان الأفغانية، لأن مقتله سيؤدي إلى تراجع ما يصفه بـ«التيار الجهادي الصادق في طالبان»، وسيبقى «التيار المداهن» الذي لا يتورع عن سفك الدماء، ويُمكن أن يقضي على أتباع القاعدة في «خراسان» بتوجيه من الاستخبارات العسكرية الباكستانية ".
ومن الأجنحة التي انشقت عن الحركة:
مجموعة الملا معتصم أغاخان:
وهو صهر الملا عمر، ومن الشخصيات المؤثرة في الحركة خاصة بعد سقوط كابل، وقد وقع خلاف بينه وبين قيادات الحركة حول محادثات السلام.
جبهة فدائي محاذ أو الجبهة الفدائية
وقد انشقت عن جبهة جلال الدين حقاني، ويرأسها الملا نجيب وردك، وهي مجموعة صغيرة، لكنّ لها حضورًا لافتًا.
مجموعة حركة الانقلاب الإسلامي
وكان من بينها شخصيات كبيرة في طالبان، انضمت لحامد كرزاي نتيجة استجابتهم لإغراءات المناصب.
الانشقاقت بعد إعلان وفاة الملا عمر
كان الإعلان عن وفاة الملا عمر، الذي تأخر عامين عن وقت وفاته الحقيقي، أثر كبير لدى الكثير من قيادات الحركة الذين اعتبروا ذلك خطأ لا يغتفر وأنهم تعرضوا لخداع دام سنتين يمثلون شخصًا لا وجود له. إضافة إلى اختيار الملا أختر منصور زعيمًا للحركة الذي لم يكن على هوى عدد من القيادات الكبرى، وكان من أبرز الانشقاقات في هذه المرحلة:
استقالة طيب أغا
وكان أغا يشغل منصب رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان، وقد اتهم الحركة بالفشل.
المجلس الأعلى للإمارة
ومثل انشقاق المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية ضربة قوية لحركة طالبان نظرًا للقيادت الكبيرة التي كان يضمها، وتمثلت أهم أسباب الانشقاق أيضًا في رفض اختيار أختر منصور أميرًا للحركة والاعتراض على إخفاء مقتل الملا عمر لمدة عامين واعتبار أن ذلك خيانة.
توقعات بمزيد من الانشقاقات
ورغم نجاح الملا هيبة الله أخوند زاده، زعيم حركة طالبان، في رأب الصدع الذي خلفه اختيار سلفه الملا أختر منصور زعيمًا للحركة الذي اغتيل في غارة أمريكية عام 2016م، فإن الوصول السريع للسلطة والسيطرة على كابول في وقت قصير للغاية لا يروق لكثير من قيادات الحركة الذين لهم تحفظات من البداية على مخرجات مفاوضات الدوحة، كما قد لا يروق لكثير منهم تلك التنازلات التي تقدمها الحركة في سبيل الحصول على الاعتراف الدولي.
وقد أشارت صحيفة «تايمز» البريطانية، إلى أن هناك بوادر حقيقية لحدوث انشقاقات بارزة داخل الحركة مع استمرار مفاوضاتها مع واشنطن، وأن هناك آلافًا من أعضاء الحركة يمكنهم الانشقاق والانضمام إلى «داعش» لأن المفاوضات وفقًا للصحيفة، بمثابة «تنازل عن المبادئ»؛ بل إن هذه الخلافات قد تؤدي إلى اندلاع مواجهات دموية داخل الحركة، خاصة بعد أن حاولت إحدى المجموعات التابعة لها اغتيال قائدها مولوي هيبة الله اخوندزاده.





