الرابحون والخاسرون جراء انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان
الجمعة 13/أغسطس/2021 - 07:11 م
محمود البتاكوشي
أصبحت حركة «طالبان» الأفغانية على رأس الرابحين من قرار الولايات المتحدة الأمريكية، الانسحاب الكامل من أفغانستان بعد وجود دام 20 عامًا، بالإضافة إلى أطراف أخرى منها الهند وتركيا، كما سيخلف خاسرين في المنطقة أبرزهم الصين وروسيا.
تعد «طالبان» أكبر الرابحين من خروج الولايات المتحدة من المشهد في أفغانستان، إذ باتت تسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي الأفغانية مستغلة حالة الفراغ الأمني، بعد أن كثفت هجماتها في شتى أنحاء الأراضي الأفغانية، لا سيما الحدودية منها، حتى باتت تسيطر على ما يقرب من 85% من الأراضي في أفغانستان حسبما أعلنت مؤخرًا، الأمر الذي دفع القوات الأفغانية إلى الاستعانة بفصيل مسلح خاص لمساعدتها في قتالها مع الحركة، لاستعادة السيطرة على أجزاء من غرب البلاد منها معبر حدودي مع إيران.
كما استفادت تركيا من موقف الاولايات المتحدة تجاه أفغانستان، التي أصبحت ورقة ضغط تركية تخلصت بها من العديد من مشكلاتها مع حلف الناتو وواشنطن، لا سيما مع إصرار الجانب التركي على تشغيل منظومة الدفاع الروسية اس 400، وأزمات الطاقة والتمدد التركي في الأراضي الليبية، ومحاولة القرصنة على حقول الغاز في البحر المتوسط.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عرض تحمل قوات بلاده مسؤولية حماية مطار كابول، مقابل الحصول على الدعم اللوجيستي والتمويل اللازم من الولايات المتحدة، الأمر الذي رفضه الجانب الروسي جملة وتفصيلًا، إذ قال زامير كابولوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، إن خطط تركيا لضمان أمن المطار بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تنتهك الاتفاقات المبرمة مع حركة طالبان.
اللعب على وتر التاريخ المشترك
النظام التركي يلعب على وتر التاريخ المشترك بين تركيا وأفغانستان إذ يربطهما الدين الإسلامي، ما جعل أنقرة تتمتع بنفوذ سياسي واجتماعي بين الأفغان، إذ تتحدث الأقليات الأوزبكية والتركمان اللغات التركية، وتشترك في الهوية العرقية مع تركيا.
وتعد الصين أكبر الخاسرين من القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان، إذ تتشارك حدودها بطول 47 ميلًا مع أفغانستان، ويزيد الفراغ الأمني قلقها من احتمالية عبور الإرهابيين للحدود، وحذر وزير الخارجية الصيني وانج يي، من أن الولايات المتحدة، التي خلقت المشكلة الأفغانية من الأساس، ينبغي أن تتصرف بمسؤولية لضمان الانتقال السلس في أفغانستان، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تنقل العبء ببساطة إلى الآخرين وتنسحب من البلاد تاركة الفوضى دون معالجة، ما يعكس أن الصين كانت مستفيدة من حرب الولايات المتحدة الطويلة في أفغانستان.
كما اعترف الحزب الشيوعي الصيني، مؤخرًا بأن بكين لا تستطيع وحدها ملء الفراغ الأمني الاستراتيجي الأفغاني، الذي تركه انسحاب الناتو، وتعتبر حديقة خلفية لشن الأنشطة الانفصالية ضد الصين، وللتسلل إلى شينجيانج – المنطقة الواقعة في أقصى غرب الصين والتي كانت خاضعة تاريخيًّا لهيمنة جماعات عرقية مسلمة – وخط الجبهة لتقسيم الصين.
ضربة موجعة لروسيا
يعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ضربة موجعة لروسيا حيث يدرك «الكرملين» أن الرابط الوحيد بين إدارات "أوباما" و"ترامب" و"بايدن" هو نقل مسرح العمليات من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، إذ أنه محاولة أمريكية لتفجير أفغانستان في وجه روسيا والصين على وجه التحديد، تمامًا كما فعلت واشنطن في سنوات الحرب الباردة حينما كانت أفغانستان منصة الإسلام السياسي للعمل داخل الجمهوريات السوفيتية المسلمة أو الجنوب السوفيتي المسلم، ولاحقًا في سنوات ما بعد الحرب الباردة في دول الجوار الروسي أو أسيا الوسطى، وكذا متاخمة حدود أفغانستان الشرقية لإقليم شينج يانج الصيني الذى يعرفه المسلمون بالاسم الفارسي تركستان الشرقية، حيث تقوم الاستخبارات الغربية بتمويل وإدارة تمرد عرقي لقومية الإيجور وتسويقه للعالم باعتباره اضطهادًا صينيًّا لمسلمي الايجور، رغم أن التمرد عرقي وليس دينيًّا ويتضمن تنظيمات إرهابية عملت في سوريا تحت رعاية تركيا.
مخاوف من تقسيم أفغانستان
يتخوف الجانب الروسي من وجود خطة لتقسيم أفغانستان، وبالتالي طرح خارطة جديدة لأسيا الوسطي، إذ لم تمانع الولايات المتحدة مرارًا من فكرة تسليم جنوب أفغانستان لطالبان وإعلان جمهورية أفغانستان الجنوبية، ورأت بعض الدوائر في طالبان أن تصبح الدولة الجديدة هي جمهورية پشتونستان (باللغة العربية: باشتونستان) او أرض الباشتون العرقية المنتشرة بين أفغانستان وباكستان وهي العرقية المؤسسة لتنظيم طالبان.
ولعل التهديد الواضح لباكستان هو الذي جعل الهند تسارع الى دعم الجهود الأمريكية، على ضوء العداء الصريح بين الهند وباكستان ورغبة الهند في إضعاف الجار الباكستاني، الذي أمد المتمردين في الهند طيلة العقود الماضية بكل الدعم الممكن، كما أن الهند لديها ثأر تاريخي مع الصين وبالتالي فإن تفجير أفغانستان بوجه الصين وباكستان أمر يأتي على هوى نيودلهي.
أحلام جمهورية الباشتون
وإذا ما أقامت حركة طالبان جمهورية الباشتون؛ فهذا يعني خطرًا داهمًا حيال باكستان، وتسارع وتيرة استقلال باشتون باكستان وانضمامهم للجمهورية الجديدة، كما أن تمدد «طالبان» في أفغانستان يعرض المقاطعات الحدودية الهشة في باكستان للخطر، ويعزز تدفق اللاجئين، ويدمر أي احتمالات للاستثمار الأجنبي.
في الوقت نفسه تخشى دول الشرق الأوسط أن تستغل إيران حالة الفراغ الذي ستشهدها أفغانستان بعد انسحاب واشنطن وتحاول بسط نفوذها عليها وتصبح كابول عاصمة إقليمية خامسة تقع تحت نفوذ طهران، وتصبح مخلب قط في المنطقة، خاصة أن إيران تجيد هذا الأمر جيدًا كما فعلتها في العراق، إذ استخدمت الشيعة لبسط نفوذها على البلاد، وفي النموذج الأفغاني من الممكن أن تستخدم المقاتلين الأفغان للقتال بجانبها في سوريا وعلى رأسهم ميليشيات ما يسمى الفاطميون والزينبيون.
أما فيما يتعلق بإيران فهي تبدو قلقة من تصاعد أعمال العنف في أفغانستان، وخاصة أنها تشترك معها في الحدود لمسافة 578 ميلًا، فهي تربط بين هذا القرار وانسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، ما أدى إلى ظهور تنظيم «داعش»، حيث كانت قوات الأمن العراقية غير مستعدة وغير قادرة على تحمل مسؤولية أمن البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن إيران كادت أن تخوض حربًا مع طالبان في 1998 بعد هجوم على قنصليتها في مدينة مزار الشريف الأفغانية أدى إلى مقتل تسعة دبلوماسيين إيرانيين وصحفي، ولطالما دعمت طهران أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان التي اختلفت مع طالبان خلال حكم الحركة.
مخاوف المرأة الأفغانية
وفي السياق ذاته يبدو أن المرأة الأفغانية باتت على مقربة من أيام صعبة، وسط مخاوف من عودتها إلى الخلف بعد أن خطت خطوات واسعة نحو المستقبل على مدار السنوات القليلة الماضية، فرغم مساوئ الاحتلال الأمريكي فإنه حافظ على حرية الأفغانيات، فقبل ذلك لم تكن تأمن على نفسها السير في الشارع لأنها كان من الممكن أن تتعرض للجلد أو الضرب.
ومن أبرز المخاوف التي تسيطر على المرأة الأفغانية إغلاق مدارس البنات، وتقليص الخيارات الوظيفية للنساء، وكما سيتزايد العنف القائم على التمييز على أساس الجنس.
يشار إلى أن حركة طالبان عندما تولت السلطة في أفغانستان قبل الغزو الأمريكي عام 2001، ذاقت المرأة خلالها الويلات إذ حولت النساء إلى سجينات بموجب تفسير خاطئ للشريعة الإسلامية، ومع سقوط حكم طالبان، تغيرت حياتهن في البلاد خصوصًا في المناطق الحضرية مثل كابول أكثر منها في المناطق الريفية المحافظة.





