يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

إخوان أوروبا.. شبكة التنظيم الدولي في القارة العجوز

الأربعاء 27/يونيو/2018 - 07:40 م
المرجع
نهلة عبدالمنعم
طباعة
من الوجدان النوستالجي ترعرت فكرته التي امتزجت بأحلام إعادة خلافة واهية فتكت الصراعات وقتل المحارم أركانها، فانصهرت الخلافة العثمانية في بوتقة تطلعات حسن البنّا لخلافة جديدة يكون أميرها وتنحني له الجواري، فمنذ 1928 وبعد سقوط الدولة العثمانية ببضع سنوات أسس «البنّا» جماعة الإخوان.
 
وبعد سنوات من انطلاق الجماعة في العمل السياسي تكشف وجهها الحقيقي في الرضوخ لمجريات الأمور أيًّا كانت؛ وذلك للوصول لأهداف سلطوية، فما كان من السلطة الحاكمة، وعلى رأسها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، إلا مطاردة الجماعة وفضحها، ومنذ ذلك الوقت نزح قادتها وأعضاؤها إلى القارة العجوز، وبدأت في تأسيس مجرتها الخاصة المتشعبة في جذور القارة الليبرالية، مستغلة تقبلها للآخر.

المركز الإسلامي في
المركز الإسلامي في جنيف

 التوغل الفكري

فرض نزوح الإخوان إلى أوروبا ضرورة إنشاء روابط تجمع الرعيل الأول للإخوان مع المسلمين الموجودين هناك؛ لتشكيل مجتمع موازٍ يدور في فلك الأفكار الإخوانية، إضافة إلى مؤسسات تدمج أولادهم المهاجرين والشباب المسلم مع المجتمع المنفتح.

 

وهنا يتجلى دور سعيد رمضان، سكرتير حسن البنّا وزوج ابنته، في تأسيس أول وأقدم الكيانات الإخوانية في القارة العجوز، ومنها «المركز الإسلامي في جنيف» وذلك في عام 1961، أي بعد ثلاثة أعوام فقط من وصوله سويسرا، ليُمثل نواة للنشاط الأوروبي للجماعة، ويهدف إلى مساعدة المهاجرين على الاندماج وتكييف أوضاعهم في البلاد.

 

وبفضل العلاقات المتوترة بين نظام عبدالناصر وألمانيا آنذاك (على خلفية دعم الأخيرة لإسرائيل)، أسس «رمضان» «التجمع الإسلامي في ألمانيا» عام 1958، والذي يُمثل الآن أهم مؤسسة للتنظيم، ليس في ألمانيا وحدها، بل في القارة أجمع، ويرأسه سمير الفالح خلفًا لإبراهيم الزيات، العنصر الإخواني الذي ينشط في عدد من الكيانات المهمة للجماعة، مثل البرلمان والاتحاد الإسلامي للطلاب بألمانيا، والكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية، كما ينضوي التجمع تحت لواء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

 

ويُمثل «اتحاد المنظمات الإسلامية» في أوروبا المعروف بـ«FIOE» المظلة الأساسية التي ترعى الجمعيات والمؤسسات الإخوانية الناشطة في مجال الدعوة والبحوث الإسلامية والتكييف المجتمعي، ولقد بدأ نشاطه من المملكة المتحدة في 1989، ويرأسه حاليًّا شكيب بن مخلوف ذو الأصل المغربي، ويضم الاتحاد في كنفه العديد من الجمعيات والمؤسسات، ولعل من أهمها «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» والذي يديره عمار لصفر.


وأُسس الاتحاد الفرنسي المعروف بـ«UOIF» في يونيو 1983، بناءً على مبادرة قدمها طالبان من اللاجئين، هما «زهير محمود، وعبدالله بن منصور»، ويضم الاتحاد حاليًّا نحو 250 جمعية ومؤسسة تتنوع أنشطتها ما بين الخدمية والثقافية، ومن أهمهم المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، والذي بدأ في ممارسة نشاطه منذ 2001، إضافة إلى الجمعية الطبية ابن سينا والمشهورة بـ«AMAF» والتي أسسها الإخواني اللبناني عماد مدحت الحوت.


فيما تعتبر «الرابطة الفرنسية للنساء المسلمات» من أهم النشاطات النسوية للإخوان في أوروبا، والتابعة أيضًا لاتحاد المنظمات الإسلامية.

 

ويمتد نفوذ اتحاد المنظمات الإسلامية إلى «المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث»، والذي تأسس في مارس 1997 في دبلن بجمهورية أيرلندا، ويهتم المجلس الأوروبي بإصدار الفتاوى للمسلمين في أوروبا، كذلك إصدار الكتب والدوريات المتخصصة، إضافة إلى المؤتمرات والندوات السنوية التي تعقد كل عام في بلد مختلف، وتأتي خطورته من كونه المرجعية الأساسية للفتوى هناك، وذلك بالارتباط مع قيادة الإخواني يوسف القرضاوي.

 

أما عن الفرع الإيطالي للجماعة فيتمثل في «اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا» الذي يعمل أيضًا تحت مظلة اتحاد المنظمات الإسلامية منذ تأسيسه في عام 1990، ويُعرف اختصارًا بـ«Ucoii» ويرأسه عزالدين الزير، كما تكمن خطورته في السيطرة على حوالي 130 مسجدًا بالدولة، إضافة إلى التحكم في تعيين الأئمة وإدارة العديد من الجمعيات العامة.

 

بينما أسس الاتحاد في إسبانيا أهم كيان إخواني بها، وهو «الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش»، وذلك إضافة إلى العلاقة القوية بين التنظيم الدولي والجمعية الإسلامية في بداخوس، فضلًا عن سيطرة الجماعة على مساجد برشلونة.

 

كما يرأس «القرضاوي» أيضًا ما يُسمى بـ«الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، والذي تأسس في عام 2004 ومقره الرئيسي في العاصمة الأيرلندية دبلن، ويعمل الاتحاد في أكثر من 70 دولة في العالم في مجالات العمل الدعوي والفقهي، وتعتبره «السعودية، والإمارات، والبحرين ومصر» منظمة إرهابية، تنشر الفكر المتطرف، وتُعنى بأجندتها الخاصة، وليس بنشر الدعوة الإسلامية الصحيحة.

 

وكان من أهم أعضائه الإرهابي المصري صفوت حجازي، الذي عرفه المجتمع المصري كداعية، ولكن سرعان ما انكشفت حقيقته بعد تهديده بإسالة دماء الشعب المصري عقب عزل محمد مرسي، كما أنه يضم في عضويته نفس وجوه المجلس الأوروبي للإفتاء مثل التونسي راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة التونسية وعضو التنظيم الدولي للإخوان، والذي عاش حياته طريدًا بلندن قبل أن يستطيع العودة لتونس بعد الثورة التونسية في 2011)، والسعودي سلمان العودة.

 

ومن أهم المؤسسات التي يعتمد عليها التنظيم الدولي للاندماج والتوغل في المجتمع الأوروبي هي «الرابطة الإسلامية في بريطانيا» والمعروفة إنجليزيًّا بـ«MAB» وأسسها كمال الهلباوي الذي انشق عن التنظيم مؤخرًا، بعد أن كان متحدثًا رسميًّا باسمه في الغرب، ومنذ تأسيس الرابطة في 1997 ولم تكتفِ بفرعها في لندن، بل افتتحت بعد ذلك 11 فرعًا ينتشرون في أرجاء المملكة، ما بين مدن مانشستر وليفربول وويلز وأسكتلندا وبرمنجهام، وغيرها من المقاطعات المهمة.

 

وكعادة الإخوان في استخدام الدعوة الإسلامية كستار لأهدافها السياسية، يستغل التنظيم أنشطة الرابطة الدعوية والثقافية في حشد مسلمي بريطانيا (البالغ عددهم حوالي 2.7 مليون وفقًا لآخر تعداد سكاني، ويتركز أغلبهم في لندن)؛ للتدخل في سياستها، واعتماد وجهة نظر معينة، فسبق للرابطة أن شحذت همم مريديها في انتخابات المجالس المحلية ببريطانيا، والتي أجريت في شهر مايو الماضي بمقال نشرته على موقعها الرسمي تدعي فيه أن ظاهرة كراهية الإسلام مرتفعة في الدولة (التي احتوتهم)، ما يُحتم عليهم انتخاب الأشخاص المناسبين في السلطة وأولوياتهم الخفية.

 

كما استغلت المؤسسة التي تتظاهر بالأيديولوجية الثقافية نفوذها وانتشارها في أوساط المجتمع لحشد أصواتهم لرئيسها أنس التكريتي (ابن أسامة التكريتي الإخواني العراقي المعروف الذي هرب إلى بريطانيا لمعارضته نظام الحكم العراقي)، وذلك أثناء محاولته التي باءت بالفشل في خوض غمار الحياة السياسية كمرشح لانتخابات البرلمان الأوروبي عام 2004؛ حيث إنه مولع بالسياسة، محاولًا استغلال الشعبية الدينية للمنظمة في تحقيق تطلعاته.

 

فيما تُمثل «مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات» في بريطانيا، والتي يرأسها أنس، المولود ببغداد في 9 سبتمبر 1968، ذراعًا ثقافية خطيرة تمتد في أوصال المجتمع، ملوثة إياه بأفكار الإخوان وأيديولوجيتها البراجماتية.

 

ويستكمل أحفاد الفوج الأول للمهاجرين الإخوان منظومة التمدد التي أسسها آباؤهم؛ حيث أقام طارق رمضان (المفكر الإخواني المتهم في قضايا اغتصاب تنظر الآن أمام المحاكم الفرنسية)، ابن سعيد رمضان، الشبكة الأوروبية الإسلامية في بلجيكا والمعروفة اختصارًا بـ«EMN»، وتهتم الشبكة بتنظيم الندوات والمؤتمرات الثقافية في الدولة التي شهدت أوساطها السياسية كثيرًا من النقد والتخوفات من انتشار الكيانات الإخوانية على أرضها، فيما ناقش برلمانها في العام الماضي تدفق المال القطري إلى تلك الكيانات عن طريق المؤسسة القطرية «Qatar charity».

 

كما تشكل رابطة مسلمي بلجيكا المعروفة بـ«LMB» مع المركز الإسلامي في بروكسل والمشهور بـ«المسجد الكبير» أخطر لوبي إخواني، وسبق للسلطات أن أنهت إقامة إمام المركز الإسلامي على خلفية خطورته على الأمن القومي للبلاد.

 ناصر حاج حامد
ناصر حاج حامد
المنظومة المالية

وتعتمد جميع المؤسسات والروابط سالفة في تمويل أنشطتها بشكل رئيسي على التبرعات، فطبقًا لدراسة أعدتها الهيئة الفرنسية للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال والمعروفة بـ«FATF» عن «مخاطر التمويل الإرهابي» استنتجت أن الجماعات الإرهابية تعتمد في تمويلها الأساسي على إنشاء منظمات غير ربحية تعرف عالميًّا بـ«NPO»  تروج لأنشطة عامة بغية جمع التبرعات التي تذهب بالأساس للجماعات المتطرفة، وذلك من خلال معاملات مالية زائفة.

وعملًا بالدراسة، تنتشر المؤسسات الخيرية الهادفة لجمع التبرعات، والتي تتخذ من العمل الإنساني مصدرًا لتمويل الإخوان، ومن المؤسسات الرائدة في هذا المجال منظمة الإغاثة الإسلامية والمشهورة بـ«Islamic relief»  وتأسست عام 1984 على يد الطبيب المصري الإخواني هاني البنا، ويديرها حاليًّا ناصر حاج حامد ذو الأصول الإريترية، وتنشط المنظمة على أراضي المملكة المتحدة، ودفع الانتشار الإخواني في لندن السلطات الفرنسية إلى منحها لقب لندنستان  «Londonistan».

ومن المنظمات الفاعلة في مجال التمويل الإخواني عن طريق جمع التبرعات مؤسسة «الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية» والمعروفة بـ«interpal»، وتأسست في عام 1994 في بريطانيا، وتعتبرها الولايات المتحدة جمعية ممولة للأنشطة الإرهابية منذ عام 2003.

ويرأس «القرضاوي» ائتلاف الخير «UG» والذي يعتمد في تمويله أيضًا على التبرعات بشكل أساسي، ويتهم الائتلاف من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى بدعم التطرف، وأُسس في مايو 2001، ويضم أكثر من 50 مؤسسة وصندوقًا تنتشر في أوروبا لتجمع الأموال للجماعة.

وبجانب التبرعات واشتراكات الأعضاء التي تُمثل الجانب المهم من تمويل التنظيم، ترتكز المنظومة المالية للجماعة على عدة شركات يُديرها طواغيت التنظيم لصالح العمل الخفي، ومن أبرز تلك الشركات «Europe trust»، والتي كشفت صحيفة التايمز خبايا علاقاتها وتمويلها السري للإخوان، ومن أهم مؤسسيها أحمد كاظم الراوي، بينما يرأس إدارتها حاليًّا فؤاد علوي البوراركي.

وتأسست تلك الشركة أيضًا برعاية اتحاد المنظمات الإسلامية  «FIOE»، ومقرها في ماركفيلد، وتم تسجيلها كشركة في المملكة المتحدة في عام 1996 تحت اسم «European trust» ثم تم تغيير اسمها إلى «Europe trust» عام 2003، فيما يتجه نشاطها الاقتصادي وفق التقرير المالي لعام 2005 إلى تكوين حزمة من الأصول لتوليد استثمارات وأموال تستخدم في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للجماعة.

كما سبق واتُهمت المؤسسة بتمويل معهد تدريب ديني في ويلز، تخرج فيه شخص يدعى «مايكل أديبولاجو» متهم بتنفيذ عملية قتل جندي من الجيش البريطاني، وهو فوسلير لي ريجبي، وكان ذلك في 22 مايو 2013، بالقرب من ثكنات المدفعية الملكية في وولويتش، جنوب شرق لندن.

فيما يعد «بنك التقوى» من أبرز ماكينات التدفق المالي للجماعة، وتأسس عام 1988 على يد رجل الأعمال المصري الإيطالي يوسف ندا، في جزيرة ناسو في جزر البهاما، وهي مجموعة جزر تتيح نظام الـ«أوف شور» المالي، الذي يمكنهم من العمل بدون مراقبة الحكومات، وبعد أحداث 11 سبتمبر اتهمت الولايات المتحدة البنك بدعم الأنشطة والجماعات المتطرفة، وقامت بتجميد أرصدته.

أخطبوط الإعلام
وبعد المؤسسات الدعوية والخيرية يأتي اكتمال المنظومة عند وسائل الإعلام اللازم اقتناؤها؛ لخلق صورة ذهنية تخدم مصلحة الجماعة، فالسعي الحثيث للجماعة تجاه إطلاق القنوات الإعلامية في الغرب يأتي من إدراك واضح لسطوة تأثيرها وشغف الجمهور بها، استنادًا إلى نظريات بناء الواقع الاجتماعي الاتصالية، ومفادها أن وسائل الاتصال بأشكالها المتعددة تسهم بشكل جوهري في طريقة فهم الجمهور للموضوعات المطروحة، فالمفاهيم المقدمة من الوسائل الاتصالية تُشكل معرفة الأفراد، ما يؤثر على تبنيهم لوجهة نظر معينة.

وتُعد شبكة التلفزيون العربي من أهم الحلقات الدائرة في فلك الهيمنة الإعلامية على الغرب، متخذة من المملكة المتحدة موقعًا لإطلاق إشارة بثها، وذلك منذ 25 يناير 2015، ويديرها عباس ناصر صاحب التاريخ الطويل في العمل كمراسل لقناة الجزيرة، كما يرسم خطها التحريري عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي السابق.

أما عن «قناة الحوار الفضائية» ومقرها لندن، فهي أداة إعلامية للتنظيم، يتلاعب بها عزام التميمي لتحقيق أهداف التنظيم، وتعتمد في تحريرها على استضافة المطرودين من الشرق الأوسط، مثل أيمن نور وغيره، كما تعتمد في صياغتها للمحتوى الذي تقدمه على أساليب إقناعية محددة، وهي أسلوب التكرار وتراكم التعرض، ويتجلى ذلك في تواتر هجومها على مصر واستضافة خائن أيديولوجيتها.

ولم ينتهِ الدور الإعلامي عند المؤسسات الإخوانية الناطقة بالعربي، بل يوجد أيضًا عدة مؤسسات بالإنجليزية ومنها موقع «ميدل إيست مونيتور» الناطق بالإنجليزية، تم إنشاؤه في 1 يوليو 2009 في بريطانيا العاصمة الأوروبية للتنظيم الدولي، ويرأسه داوود عبدالله، ويهتم الموقع بالأبحاث المتعلقة بالصحافة والإعلام، ولكنه يعني في الشأن الأول بانتقاد الدولة المصرية.
"