بعثة أممية جديدة في ليبيا.. ماض سيئ وواقع مشتعل وأمل منشود
سارعت الأمم المتحدة منذ اندلاع الأزمة الليبية في العام 2011، للتدخل لحل النزاع الدائر في البلاد، ففي سبتمبر من نفس العام، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الذي حمل رقم 2009، والذي نص على إنشاء بعثة للدعم في ليبيا، وإقرار أن تفويض تلك اللجنة هو مساعدة الليبيين في استعادة الأمن العام والنظام، وتحسين دور القانون، وتشجيع المصالحة الوطنية، وتعاقب منذ ذلك الحين المبعوثون الأمميون على ليبيا، وغادروها دون نتائج، وباءت مهامهم بالفشل، وهو ما أثبته الواقع المعاش والفوضى العارمة، والانعدام الكلي للأمن، وغياب كل معالم الدولة في ليبيا، والذي دفع ضريبته الشعب الليبي بكل شرائحه، وفي مختلف المناطق، من موت ودمار وهجرة وتهجير ونزوح متواصل ومتضاعف.
مبعوث مرتقب
منذ استقالة غسان سلامة، المبعوث السابق للأمم المتحدة في ليبيا، في مارس الماضي، كان من الصعب إيجاد توافق دبلوماسي لتعيين بديل له، وبعد أكثر من ثمانية أشهر من الانقسامات داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تم التوافق على البلغاري نيكولاي ملادينوف، مبعوث الأمم المتحدة الحالي للشرق الأوسط، ليخلف سلامة في ليبيا.
ورغم حضور ممثلة الأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، إلا أن الوضع العام المتأزم بالبلاد كان يتطلب حلا دبلوماسيًّا عاجلا لتعيين مبعوث جديد خلفا لسلامة الذي ترك الوضع معلقًا بين الضبابية وبداية اللجوء إلى طاولات الحوار، ما طرح تساؤلات كثيرة حول توقيت الاستقالة و«التراخي» في التعيين الجديد.
ويبدو أن المبعوث الأممي المرتقب البلغاري نيكولاي ملادينوف، القادم من تجارب دبلوماسية في مناطق مختلفة من العالم، وأغلبها مناطق توتر، دخل غمار العمل الدبلوماسي في سن مبكرة نحو تمثيله الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، كما كان مبعوثًا أوروبيًّا إلى العراق وأفغانستان والأراضي المحتلة، حيث حاول تحريك ما يسمى بعملية السلام، ويعتبر من رافضي سياسة الاستيطان الصهيوني رغم الانتقادات حول تعاطفه مع الموقف الصهيوني في الصراع، وبداية من 2013 دخل غمار التجارب الأممية، حيث أعيد تعيينه مبعوثًا أمميًّا إلى العراق في فترة الأمين العام السابق بان كي مون، ثم مبعوثًا مرة أخرى إلى الأراضي المحتلة في 2015، ثم كانت له زيارات إلى غزة التي وجه منها خطابًا إلى العالم بصعوبة الأوضاع فيها.
المبعوث الجديد إلى ليبيا يأتي من تخصص جامعي في دراسة الحرب والأزمات من لندن، وعلى هذا الأساس يحظى بأفضلية في مناطق الأزمات، ومن هنا أيضًا كان اختياره من طرف غوتيريش ليكون خلفًا لستيفاني ويليامز، أو إجرائيًّا سيكون خلفًا للبناني غسان سلامة، باعتبار أن الأولى كانت تعمل بالإنابة بعد استقالة الدبلوماسي اللبناني الذي غادر بنوع من الاستسلام، رغم أنه صاحب الفترة الأطول على رأس الملف، وصاحب الدراية الأكبر بالواقع الليبي، باعتباره يأتي من بيئة عربية غير بعيدة عن الحالة الليبية في خلافاتها وصراعاتها.
ومن خلال التحركات الأخيرة في كل من برلين وجنيف
والمغرب وتونس، يبدو أن المبعوث الجديد سيكون في وضعية أفضل مقارنة بكل سابقيه، فهو
يبدأ مهمته وقطار الحوارات يسير في أكثر من مكان، والتفاهمات في الكثير من النقاط بلغت
أشواطًا مهمة، وحتى الحرب أصبحت مستبعدة، في ظل قناعة لدى كل الأطراف أنها لم تؤت أي
نتيجة سوى مزيد من إراقة دماء الليبيين، بما يعني استسلام الجميع حتى دون رغبتهم،
في التخلي عن فكرة الحسم العسكري، الذي كان في الجزء الأكبر منه خاضعًا لتدخلات خارجية
لا مصلحة للشعب الليبي فيها، وكانت البعثات الأممية السابقة مقصّرة في إيقافها.
تجارب سابقة
وأمام تزايد الصعوبات والعجز، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في 02 مارس الماضي، أنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعفاءه من مهمته لأسباب صحية.
وقال سلامة: «سعيت لعامين ونيف للم شمل الليبيين، وكبح تدخل
الخارج، وصون وحدة البلاد، وعلي اليوم، وقد عقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت
المسارات الثلاثة رغم تردد البعض، أن أقر بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد،
لذا طلبتُ من الأمين العام إعفائي من مهمتي آملا لليبيا السلم والاستقرار، حيث أعلن
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعيين ستيفاني توركو ويليامز ممثلة الولايات
المتحدة بالنيابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وهو التعيين الذي اعتبر
محاولة لتوسيع مجال التأثير الأمريكي في الملف الليبي، نظرًا لاطلاع ويليامز على مختلف
تفاصيله، سواء من خلال دورها كقائمة بالأعمال في البعثة الدبلوماسية لبلادها أو كنائبة
لرئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا.
وتتولى حاليًّا ستيفاني وليامز الإشراف على مفاوضات سياسية وأخرى عسكرية بين طرفي الصراع الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، تمهيدًا لتسوية الأزمة سياسيًّا، وإنهاء الصراع المسلح، وتوصلت اللجنة العسكرية المشتركة المعروفة بلجنة 5+5، والتي تضم ممثلين عن قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وممثلين عن قوات حكومة الوفاق، لاتفاق لوقف إطلاق النار، بينما تتواصل مباحثات اللجنة حول عدة مسائل عالقة.
وخرج مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي المبعوث الأممي إلى ليبيا، مؤكدًا بأن البعثة فشلت، وأضاف أن مشكلة سلامة ومن سبقه من الممثلين الخاصين للأمين العام، أنهم لم يصلوا إلى ممثلين حقيقيين للشعب الليبي، واكتفوا بالتعامل مع متصدري المشهد السياسي؛ فيما اعتبر العضو السابق في لجنة الحوار السياسي في اتفاق الصخيرات فضيل الأمين، في تصريحات إعلامية، أن إهانة المبعوث الأممي سلامة، من البعض، يُعد سلوكًا مخجلا، مضيفًا مشكلتنا ليست سلامة، مشكلتنا نحن.
للمزيد: تعقيدات المشهد الليبي تتواصل.. فشل الحوار التونسي في اتفاق شاغلي المناصب التنفيذية





