جبهة المزايدة لا الممانعة.. تاجروا بالقضية الفلسطينية وتربحوا من الدماء وجعلوا اللاجئين إرهابيين
بعكس الشعارات الحنجورية التي ما فتئت ما يسمى بدول الممانعة تطلقها فإن ما حدث على أرض الواقع، كان مغايرًا لتلك الشعارات، فقد شكل مشروع السلام برمته تهديدًا استراتيجيًّا لمصالح تلك الدول، التي اتخذت من القضية الفلسطينية منصة دعائية، وأداة تعبئة تخاطب بها الشعوب العربية، لتستنزف الأنظمة التي تخاصمها.
التمويل الإيراني
أدى التمويل الإيراني المسيس لفصائل فلسطينية محددة، إلى تعميق الانقسام الفلسطيني، ووضع القضية الفلسطينية في بؤرة استقطاب كانت في غنى عنها، بحيث صارت المواجهات بين الأشقاء بناء على اختلافهم على موضوع العلاقة مع إيران، بل ووصل الأمر إلى محاولة استخدام تلك الحركات كجسر لنشر التشيع بين الفلسطينيين، على غرار حركة الصابرين الشيعية التي ظهرت في قطاع غزة، وهي تتبع إيران، وتهدف لرهن القضية الفلسطينية كورقة تفاوضية لدى حكام طهران.
وقد ارتبط هذا الدعم بأهداف سياسية ضيقة، فقد انقطع التمويل أو تراجع في السنوات الأخيرة على خلفية الخلاف من الموقف من الأزمة السورية، لكنه عاد مرة أخرى عندما راجعت تلك الفصائل موقفها، فقد هدفت إيران لخلق بؤر توتر في غزة لتصرف الأنظار عن أوضاعها الداخلية، واستخدامها ورقة مساومة في إطار مفاوضاتها مع أمريكا وأوروبا.
وفي سوريا كان نظام حافظ الأسد يهاجم الدول العربية، وعلى رأسها مصر، لعقدها سلامًا مع إسرائيل، ودعم فصائل فلسطينية، ليتضح بعد ذلك أن هذا الدعم كان ثمنه تحويل بوصلة تلك الفصائل لتقاتل للدفاع عن نظامه لا عن فلسطين، وهو ما اتضح حين اندلعت الاحتجاجات في 2011 ضد نظام الأسد، فلجأ الأخير لتحويل المعركة إلى الخارج، فأوعز للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة- بإشعال الوضع في الجولان، وهو ما حدث بالفعل، فنظمت مسيرة في اتجاه السياج الحدودي في مرتفعات الجولان ضمن فعاليات إحياء ذكرى حرب عام 1967، قتل فيها 23 شخصًا، وأصيب 350 يوم الأحد 16 أغسطس 2020، عندما فتح الجيش الإسرائيلي النار على المحتجين الفلسطينيين؛ ما أشعل حالة من الإحباط الشديد وإحساسًا بأن الدم الفلسطيني رخيص، وأن النظام السوري يستخدم الفلسطينيين لصرف الانتباه عن أزمته الداخلية، فثارت الاضطرابات عندما تحولت جنازة ثمانية فلسطينيين قتلوا في الجولان إلى احتجاج ضد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة الموالية لسوريا، وتوجه مئات اللاجئين إلى مقر الجبهة، وحاولوا اقتحامه فقتل أعضاؤها 11 فلسطينيًّا على الأقل رميًا بالرصاص في مخيم اليرموك للاجئين قرب دمشق، وفي المقابل توعدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بملاحقة المسؤولين عن قتلهم.
احتكار القضية
وهكذا كان الدعم المقدم للفلسطينيين من دول ما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة ثمنه صرفهم عن قضيتهم، واحتكار تلك الدول للحديث باسم القضية، واستخدامها كورقة تفاوضية، والمساومة بها مع الغرب على حساب الدماء الفلسطينية.
وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية، كان العنصر الفلسطيني وقودًا أساسيًّا في تلك المعارك التي استمرت 15 عامًا، وتمت تصفية مخيمي تل الزعتر والضبية قرب بيروت- 1976، بأيدي عناصر فلسطينية، لكن كان الداعمون يفرضون أجنداتهم على متلقي الدعم، وانتهت الحرب بطرد منظمة التحرير من لبنان، ومحاولة فرض منظات أخرى مدعومة من دول ما يسمى بالممانعة لتمثل الفلسطينيين.
جبهة المزايدة لا الممانعة
في حين تصور دول ما تسمى بـ«جبهة الممانعة» نفسها باعتبارها حامي القضية الفلسطينية، وتزايد على الأنظمة العربية كمصر ودول الخليج العربي، في هذا الملف، فإن دفاتر وسجلات التاريخ القريب تُثبت مدى استخفاف تلك الجبهة المزعومة وعلى رأسها إيران بالعقل العربي، وجرأتها على استغلال واستحلال الدم الفلسطيني ثمنًا لتصفية الحسابات، بل والدعاية الكاذبة.
فقد جندت إيران وأقطاب ما يُدعى بـ«جبهة الممانعة» فلسطينيي الشتات في معاركهم، وأجبروهم على الانضمام لميليشيات وفصائل قاتلت ضد العرب، بل وأحيانًا ضد مواطنيهم الفلسطينيين، كما وقع في مجزرة تل الزعتر في لبنان، على أيدي الجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، وغيرها من وقائع الحرب الأهلية اللبنانية التي اكتوى الفلسطينيون بنارها زهاء 15 عامًا، لاسيما خلال حرب المخيمات الأولى في بيروت 1985 – 1986، وبمشاركة حركة أمل المدعومة من إيران؛ حيث قتلوا المئات من الفلسطينيين في إطار محاولاتهم إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية وقياداتها الشرعية عن بيروت، وعادوا مجددًا وبمشاركة المنشقين عن حركة فتح في حرب المخيمات الثانية عام 1988؛ حيث قاموا بحصار مخيم شاتيلا وبرج البراجنة وغيرهما من صباح الثالث من أبريل حتى يوليو في مواجهات سقط فيها مئات من الفلسطينيين، وهجر الآلاف إلى مخيمات الجنوب اللبناني.
تجنيد اللاجئين
واليوم تقاتل في سوريا، عدة تنظيمات تم إكراه اللاجئين الفلسطينيين على الالتحاق بها، ومن يرفض يعتبر خائنًا وعميلًا لمجموعات المعارضة المسلحة، ويتم اعتقاله وتصفيته، فيما هاجر آلاف الشباب الفلسطينيين من سوريا هربًا من التجنيد الإجباري والملاحقة الأمنية.
ومن أبرز تلك التنظيمات حركة «فتح – الانتفاضة» وتنظيم «الصاعقة»، وحركة «فلسطين الحرة»، و«جبهة النضال الشعبي»، وتنظيم «قوات الجليل»، و«جيش التحرير الفلسطيني»؛ حيث انتشرت ميليشيات هذه القوات في مخيّم اليرموك، وفي مخيّم خان دنون، والسيدة زينب، والحسينية، وجرمانا، والغوطة الشرقية بدمشق وريفها، وفي درعا، والبادية، ودير الزور، إضافة إلى المخيّمات التي تخضع لسيطرة قوات النظام في سوريا، كمخيّم العائدين في حمص، ومخيّم حماة والنيرب في حلب، والرمل في اللاذقية.
وبحسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا فإنّ 728 فلسطينيًّا قتلوا أثناء قتالهم إلى جانب قوات النظام السوري، و276 منهم قُتلوا أثناء قتالهم في صفوف «جيش التحرير الفلسطيني»، والذي يجبر كلّ من أتم 18 عامًا من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، على الالتحاق به.
ومن بين القتلى 100 عنصر من عناصر «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» وقُتل 85 في أثناء قتالهم إلى جانب ما يُعرف بـ«لواء القدس الفلسطيني» وهي ميليشيا مسلحة تم تأسيسها في حلب شمال سوريا، وهي محسوبة على قوات النظام، وتختلف عن «لواء القدس» الإيراني، ويقاتل هذا اللواء الذي يتزعمه الفلسطيني السوري محمد السعيد من أبناء مخيّم النيرب بحلب، كما قتل 35 فلسطينيًّا بسبب مشاركتهم إلى جانب تنظيم «فتح – الانتفاضة»، و21 عنصرًا مما يعرف بـ«قوات الجليل»، و24 عنصرًا من حركة «فلسطين حرة» التي يتزعمها ياسر قشلق، في حين قضى 187 بسبب مشاركتهم القتال إلى جانب مجموعات ولجان شعبية محسوبة على أفرع الأمن السورية.





