الانتحار السياسي.. قراءة في تداعيات الهجوم الإيراني الأخير على المصالح الأمريكية
السبت 25/أبريل/2020 - 03:41 م

مرﭬت زكريا
استمرارًا لسياسة التصعيد المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، قامت مجموعة مكونة من 11 زورقًا تابعًا للحرس الثوري الإيراني في 17 أبريل 2020 بمناورات خطيرة قرب 6 بوارج حربية أمريكية كانت تشارك في مهام المراقبة البحرية للمياه الدولية في الخليج العربي قرب السواحل الكويتية.

تهديد إيراني
كما هدد قادة الحرس الثوري باستهداف حاملات طائرات وسفن عسكرية أمريكية تعمل بالوقود النووي في الخليج العربي إذا استمرت واشنطن في تهديدها وانتقاداتها المستمرة لسياسات نظام ولاية الفقيه في إيران فيما يتعلق بالوضع المتدهور داخليًّا، فضلًا عن سعى إيران لترسيخ نفوذها في دول المنطقة؛ ما يعمل على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة بشكل أساسي.
وسنحاول خلال هذا التحليل إلقاء الضوء على أبرز دلالات عودة هجمات الحرس الثوري الإيرانى على المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال عدة نقاط، يمكن توضيحها فيما يلي:-

أولا- تصاعد التوتر
تمر العلاقات الإيرانية – الأمريكية بحالة من التوتر غير مسبوقة في المنطقة، لاسيما في كل من العراق وسوريا؛ حيث يتنافس كلا الطرفين للانفراد بالسيطرة على حدود كل من بغداد ودمشق، في ظل الصراع المحتدم الذي تمر به الدولتان في الداخل.
وعلى الرغم من التوافق الواضح بين كل من واشنطن وطهران على تكليف رئيس جهاز الاستخبارات العراقي مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة الجديدة في بغداد، فإنه لا يمكن اعتبار ذلك نهاية المطاف؛ حيث تحرص طهران دائمًا على اتباع سياسة النفس الطويل، والشد والجذب في علاقتها مع منافسيها في المنطقة؛ خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية (1).
كما يأتي ذلك كله في ظل جملة من التهديدات الخطيرة التي بات يمثلها النفوذ الإيراني على المصالح الأمريكية، وهو الأمر الذي تمثل في الهجمات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وكتائب حزب الله في العراق المدعومة من قبل طهران منذ الربع الأخير من عام 2019؛ فعلى الرغم من التوافق الواضح بين كل من واشنطن وطهران فيما يتعلق بتكليف مصطفى الكاظمي في العراق ولكن مازالت إيران مصرة على إخراج القوات الأجنبية، لا سيما الأمريكية من بغداد، وبالتالي أدى ذلك لاتجاه الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر مارس 2020 نحو تقليص عدد قواتها الموجودة في بغداد إلى أن تم حصرها في 3 قواعد عسكرية فقط(2).

ثانيًا- تفاقم الأزمات
يأتي التصعيد الإيراني مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة في خضم حالة خطيرة من التردي والركود الاقتصادي الذي تعانيه طهران، على خلفية العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها من قبل واشنطن بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع دول (4+1) في مايو لعام 2018، وخاصًة مع فرض هذه العقوبات على أبرز القطاعات الحيوية داخل الاقتصاد الإيراني مثل الصرافة، والتضييق على الطرق التي تستطيع طهران من خلالها تصريف شؤونها بالاعتماد على سبل غير شرعية مثل التهريب وغسيل الأموال، وهو ما امتد حتى طالت العقوبات الأمريكية قادة الحرس الثوري، وبعض رجال الأعمال الكبار.
وعليه تعاني طهران كثيرًا من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في ظل تفشي وباء (كوفيد-19) المعروف بكورونا، لاسيما في ما يتعلق بآثاره السلبية المتمثلة في الركود الاقتصادي، وزيادة نسبة البطالة؛ ما أدى لشيوع حالة شديدة من التوتر ليس فقط الداخلي ولكن مع دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت المطالب الإيرانية، فيما يتعلق بتخفيف العقوبات الاقتصادية الشاملة المفروضة عليها منذ مايو 2018، فضلًا عن عدم السماح لصندوق النقد الدولي بمنح قرض طلبته إيران لمساعدتها في التغلب على أزمة تفشي فيروس كورونا.
وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى أن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها طهران في هكذا ظروف ليست مالية بالأساس؛ حيث يمكن لها الحصول على هذه الأموال من الصندوق المملوك للمرشد الأعلى علي خامنئي المعفى من الضرائب، فضلاً عن أن تخفيف العقوبات من شأنه حصول طهران على أموال كثيرة يمكن توجيهها لدعم الميليشيات الإيرانية التى تعمل بشكل أساسي على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة(3).

ثالثًا- تنفيذ التهديدات
على الرغم من نفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتورطها في حادث التحرش بالبوارج الأمريكية في الخليج، وهو الأمر الذي جاء على لسان وزير الدفاع الإيراني أمير خاتمي في تصريح له على وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في 18 أبريل الجاري في قوله: «إن ما يؤدي لانعدام الأمن في منطقة الخليج هو الوجود غير المشروع والعدواني للأمريكيين الذين جاءوا من الطرف الآخر للعالم إلى حدودنا، ووجّهوا مثل هذه المزاعم التي لا أساس لها»، إلا أنه من الواضح أن طهران ترغب في تنفيذ تهديداتها المتصلة بحادث اغتيال إدارة دونالد ترامب لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني برفقة قائد الحشد الشعبي في العراق أبومهدى المهندس قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير 2020.
كما أن ذلك من شأنه أن يضع الولايات المتحدة الأمريكية التي لطالما أكدت أنها القوة العظمى والدولة الأولى في العالم فيما يتعلق بالقدرات الشاملة محل مساءلة داخلية، وهو الأمر الذي بدت بوادره في بعض الاحتجاجات الأمريكية التي اندلعت إثر الاعتراض على قيود الحظر التي يفرضها حكام الولايات، مخالفين بذلك كل التعليمات المتبعة فيما يتعلق بالوقاية من الفيروس مثل ارتداء الكمامات، والحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعي(4).
الهوامش:
- الحدود السورية ـ العراقية في قبضة واشنطن وطهران، الشرق الأوسط، 18/4/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/VyyIsGX.
- حرب مفتوحة في العراق بين أمريكا ووكلاء إيران، البيان، 15/3/2020، متاح على الرابط التالى https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2020-03-15-1.3803946.
- واشنطن ترد على طهران: كافحوا كورونا بأموال خامنئي، جريدة اليوم، 1/4/2020، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/FyyITDI.
- «رويترز»: وفيات كورونا في أمريكا تقفز إلى 46 ألف وفاة، اليوم السابع، 22 /4/2020، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/ByyIKEH.