ad a b
ad ad ad

فيروس «كورونا» وحتمية تجنب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين

الأربعاء 29/أبريل/2020 - 09:29 م
المرجع
روبن نيبليت، ترجمة: ريم عبدالمجيد
طباعة

بدلًا من توحيد الصفوف للتعامل مع فيروس كورونا المستجد، تخوض كلٌ من الولايات المتحدة والصين معركة خطابية يتم فيها تبادل الاتهامات حول منشأ الفيروس. 


في واشنطن يصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ "الفيروس الصيني" منذ بدء ظهوره في خطاباته الصحفية وتصريحاته المنشورة عبر موقع التواصل "تويتر"، وفي بكين تروج وسائل الإعلام الرسمية وعدد من الدبلوماسيين لرواية مفادها أن الفيروس وصل إلى الصين عن طريق الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية التي عُقدت في أكتوبر2019 في مدينة ووهان، وهي البؤرة الأصلية للوباء، كما تتهم "ترامب" بالعنصرية.


هذا الجدل حول أصل الفيروس وكيفية مكافحته يسلط الضوء على تصاعد توتر العلاقات بين القوتين إلى حد وصفه بالحرب الباردة بينهما، ويحاول كل طرف فيها استخدام الأزمة لكسب مزيد من النقاط من أجل تعزيز نفوذه. 


ومن هذا المنطلق رأى روبن نيبليت، مدير مركز "تشام هاوس"، أن إدارة العلاقات مع الصين فور انتهاء أزمة فيروس كورونا ستكون واحدة من أكبر التحديات التي تواجه القادة السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك في ظل تفاقم التدهور في العلاقات؛ خاصة بعد وقف "ترامب" للتمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية لاتهامه لها بالسماح بتدخل الصين في عملياتها.


تعميق الشكوك:


يرى مدير مركز "تشام هاوس" أن الرئيس الأمريكي ورؤساء الدول الأوروبية يرون في "كورونا" فرصة لتشديد السياسات ضد الصين بدءًا من عرقلة جميع استثماراتها في البنية التحتية بدول مجموعة الخمس، ووقف الاعتماد الدولي على سلاسل التوريد الصينية. 


كما يعتبرون أن الأزمة أثبتت صحة اعتقادهم فى الصين بأنها دولة لا تستحق أن تعامل كشريك عالمي، ومن هذا المنطلق يمكنهم الترويج لحقيقة أن مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني في ووهان هم من فضلوا الحفاظ على النمو الاقتصادي على حساب مواجهة فيروس كورونا، فقاموا بإخفاء التقارير التي تثبت إمكانية انتقاله من إنسان إلى آخر، كما أساءوا إلى الطبيب "لي وين ليانج" الذي حذر من هذا الفيروس واتهموه بنشر الشائعات. 


كما يمكنهم تسليط الضوء على حرص الصين على حرمان تايوان من التصويت في منظمة الصحة العالمية والذي حال دون مساهمة الأخيرة في التحليل المبكر للأزمة، وكذلك طرق استغلال الصين دعمها الطبي للدول المصابة بالفيروس لتحقيق مكاسب دبلوماسية. 


ويمكنهم عرض الرد الصيني على العبارات الاتهامية لها مثل: "الفيروس الصيني، سلاح بيولوجي مسرب، تشيرنوبل الصيني"، حيث قام ذلك الرد على معلومات مضللة وسعى الدبلوماسيون الصينيون لنشر هذه المعلومات على نطاق واسع وإخفاء المعلومات والإحصائيات الحقيقية حول الفيروس بدلًا من تحري الدقة والشفافية.


ورغم أن تصعيد الاتهامات قد يحقق بعض المكاسب للدول الأوروبية والولايات المتحدة، فإنه محفوف بالمخاطر؛ خاصة للأخيرة، والتي تقبل على انتخابات رئاسية، لعدة أسباب: 


أولًا، أن فك الارتباط الوثيق بين الولايات المتحدة والصين اقتصاديًّا من شأنه أن يجعل عملية التعافي بعد فيروس كورونا أكثر صعوبة، وذلك لأن الصين تمثل ما يقرب من 20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبرغم الأزمة المالية العالمية في عام 2008 التي أدت لكساد اقتصادي كبير في أغلب دول العالم، لكنها أصبحت بسرعة أكبر سوق استهلاكي في العالم بما جعل اقتصادات الدول شديدة الارتباط  والتأثر بها، فلكي تتخذ الدول الأعضاء في مجموعة السبع، أو مجموعة العشرين تدابير التحفيز المالي، يجب عليها بدايةً التنسيق مع الإجراءات الصينية.


ثانيًا، أن العلماء الصينيين هم أول من كشف الشفرة الوراثية للفيروس وشاركوا هذا الاكتشاف مع منظمة الصحة العالمية في 12 يناير 2020 بما مكن من بدء الاختبارات الفعالة في جميع دول العالم لإيجاد لقاح له. 


كما أنهم يشاركون بالفعل في عمليات البحث العالمية عن اللقاح إلى جانب العلماء الأمريكيين والأوروبيين، وفي الوقت الذي يتم فيه اتهام الحكومة الصينية وانتقادها، فإن المواطنين والشركات الصينية يساهمون في  التقدم التقني. 


وثالثًا، أنه إذا تسبب فيروس كورونا في خلق انقسام طويل الأمد بين الصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية فإن هذا من شأنه أن يلحق ضررًا بالغًا بالنظام العالمي، فقد تصبح الصين –على إثر هذا الانشقاق- أقل استعدادًا في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة على الصعيد العالمي، أو مشاركة تكنولوجيا الطاقة المتجددة، أو مساعدة الدول الأفريقية وغيرها من البلدان النامية على النمو المستدام، أو المساعدة على بناء بنية تحتية صحية عالمية أكثر فعالية من الموجودة حاليًا.


تصحيح التوازن


يرى روبن نيبليت، مدير مركز "تشام هاوس"، أن أزمة فيروس كورونا يمكن أن تصبح نقطة تحول نحو إتباع نهج أكثر تماسكًا وتعاونًا تجاه الصين، يكون شعار هذا النهج "إحذر ولكن شارك"، فينبغي أن تكون هناك بالفعل قيود على الاستثمار الصيني المدعوم من الدولة في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية، تماماً كما تحد الصين من وصول الغرب إلى سوقها. 


والهدف لابد وأن يكون خفض الحواجز أمام التجارة والاستثمار مع مرور الوقت على أساس المنفعة المتبادلة والشفافية، وليس إعادة خلق حرب باردة اقتصادية. 


كما ينبغي الدعوة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، في الداخل والخارج ونشر عيوب النظم الصينية التي تنتهك حقوق المواطنين، وتقوم بمراقبتهم لتوضيح طبيعة الدولة التي تريد أن تكون أكثر شعبية في عالم ما بعد فيروس كورونا، ويجب عليهم انتقادها مع إبراز أهمية البدائل الأمريكية والأوروبية، بحسب "نيبليت"


ورأى أن وصول الصادرات الصينية إلى الأسواق الدولية يجب أن يكون مشروطًا بتحسين الصين لمعايير الصحة النباتية التي تحمي البشر والحيوانات من الأمراض أو الآفات،  وأنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الأخذ في الاعتبار أن محاولة الانفصال عن الصين سيؤدي ليس فقط إلى انقسام أوروبا وأمريكا بل سيمكن الصين من تحقيق الهيمنة عبر المحيط الأطلسي مع انحسار فيروس كورونا، والنمو بعيدًا عنهم في وقت سيتعين عليهم العمل على تلافي الأضرار.


وفي الختام رأى مدير مركز "تشام هاوس"، أنه بالنظر إلى أن الصين من المرجح أن تكون أكبر اقتصاد في العالم في عام 2030، فإن الكيفية التي تدير بها الولايات المتحدة والدول الأوروبية علاقاتهما مع الصين بعد أزمة كورونا هي موضع تساؤل. 


وبالنظر إلى ما واجهوه بعد عام 1945 مع الاتحاد السوفييتي عندما أصبح قوى عسكرية عظمى ومنافسًا للولايات المتحدة، كان الاحتواء استراتيجية قابلة للتطبيق وناجحة في نهاية الأمر، حيث أدت إلى انهيار الاتحاد وانتصار الولايات المتحدة في الحرب البادرة التي دامت لعقود عدة، نظرًا لأنه لم يكن قوة اقتصادية. 


لكن هذه الخيارات غير موجودة في الحرب مع الصين، وهذه المرة لن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من الانتصار، بل ولن يكون هناك فائزون من حرب باردة جديدة، وهو ما يجب أن يدركه جميع الأطراف وبالتبعية يجب عليهم إدراك أن تجنب الحرب ضرورة لا مفر منها، وأن التعاون بين المعسكرين هو السبيل الوحيد لتفادي الخسائر الفادحة.

للمزيد: رئاسة البرلمان القادم.. صراع الأصوليين الإيرانيين في ظل أزمة «كورونا»

"