يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

مطالب بتضافر دولي للمساعدة.. مسار «كورونا» يهدد الدول الهشة بكوارث مرتقبة

الجمعة 15/مايو/2020 - 10:17 ص
المرجع
وفاء الريحان
طباعة
"إن ترك أفقر دول العالم وأضعفها لمصيرها سيكون قاسيًا، وإذا تركنا الفيروس التاجي كورونا ينتشر بحرية في هذه الأماكن، فسوف نضع الملايين في خطر كبير، وسوف تتحول مناطق بأكملها إلى حالة من الفوضى وسيُتاح للفيروس الفرصة للدوران حول العالم". 


مطالب بتضافر دولي
بتلك الكلمات حاول وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارك لوكوك، وصف حجم الكارثة البشرية المحتملة إذا انتشر فيروس كورونا المستجد في الدول الهشة، داعيًا إلى ضرورة التضامن العالمي لمساعدة تلك البلدان التي يعيش بها أكثر من 100 مليون شخص.

وتكافح النظم الصحية الضعيفة للحفاظ على الرعاية الروتينية الدورية، مع الأولويات لتخصيص الميزانية لقطاعات أخرى كالدفاع والتنمية، بما يُشكل ضغطًا على خدماتها الصحية المحدودة بالفعل، والعاملين بالقطاع الصحي.

ونظرًا لاعتماد تلك البلدان بشكل كبير على التمويل الخارجي، ففي حالات الأوبئة العالمية، يمكن أن تتأرجح المساعدات بسبب أولويات الجهات المانحة ذاتها.

ويعرف مسؤولو الصحة في جميع أنحاء أفريقيا مثلاً أن المستشفيات لا يمكنها التعامل سوى مع جزء صغير من أولئك الذين يحتاجون إلى الرعاية إذا انتشر الفيروس عبر المدن المكتظة والقرى النائية، وبين الجماعات الهشة مثل اللاجئين أو الذين يعانون من سوء التغذية أو الذين يعانون من فيروس نقص المناعة البشرية وغيرها من الحالات المزمنة.

وتواجه العديد من البلدان في أفريقيا بالفعل تحديات كبيرة منها؛ الحرب أو الكوارث الطبيعية أو كليهما، إذ يقول باتريك يوسف، نائب مدير أفريقيا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "إن الأسوأ لم يأت بعد في القارة... أخشى أنه سيكون من المستحيل وقف انتشار الفيروس في مخيمات اللاجئين".

ويعني هذا تزايد احتمالات أن يجتاح فيروس كورونا الدول الهشة؛ فقد تسببت الحرب في هروب الأطباء الأجانب من ليبيا، تاركين وراءهم نظامًا صحيًا منهارًا، وفي فنزويلا، تفتقر أكثر من 30% من المستشفيات إلى الكهرباء والمياه، وتفتقر80% إلى الإمدادات الأساسية أو الطاقم الطبي المؤهل، أما السودان، الذي يمر حاليًا في منتصف عملية انتقال سياسي، فلديه 80 جهاز تنفس صناعي فقط و200 سرير للعناية المركزة لسكانه البالغ عددهم 44 مليون نسمة. 


مطالب بتضافر دولي
المخاوف والفرص

انتشار فيروس كورونا في عدد من تلك الدول الهشة خلق العديد من الأزمات؛ شملت تصاعد أشكال التمييز ضد الأقليات الإثنية أو الدينية في بعضها، نتيجة وجود اعتقاد بأنهم ينشرون الفيروس، ففي باكستان، تم إلقاء اللوم على الأقلية الشيعية المسلمة لاستيراد الفيروس من إيران.
 
وفي السياق ذاته، منحت أزمة كورونا الفرصة لمزيد من الجهود الدولية بشأن تعطيل النزاعات المسلحة في عدد من الدول، على غرار ما فعلته كارثة تسونامي عام 2004 من تمهيد طريق السلام في آتشيه بإندونيسيا, لكن ما حدث لم يأت بالنتائج المرجوة في كثيرة منها، فنجد اليمن، الذي دمرت الحرب نظام الصحة العامة به، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية به وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين، الأمر الذي اعتبره الممثلون الدوليون خطوة نحو إيجاد بيئة مواتية لوقف دائم لإطلاق النار، ومع ذلك، لم يعتبر الحوثيون أنه وقف إطلاق نار، وقالوا إنهم "سيواصلون القتال".

ولم ينته الأمر عند ذلك الحد، كما يذكر أحمد ناجي الباحث في الشأن اليمني أن بعض نشطاء الحوثي، بدأوا يستغلون انتشار الوباء في ​​خطابهم الإعلامي، كذريعة لتجنيد المقاتلين، وذهب بعضهم إلى أنه من الأفضل أن يموت الشخص شهيدًا في المعارك البطولية بدلاً من الموت في المنزل بسبب الفيروس. 

وعلى صعيد آخر، استغل البعض انشغال العالم في جائحة كورونا لخلق مزيد من التوترات، ففي فبراير 2020، كثفت حكومة ميانمار الهجمات الجوية والبرية على جماعة "جيش أراكان" المسلحة.

وعلى الجانب الاقتصادي، تتأثر دول النزاعات بالتداعيات الكارثية للركود الاقتصادي العالمي الناتج عن "كورونا"، ويُقدِّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن خسائر الدخل ستصل إلى 220 مليار دولار في البلدان النامية، وأن ما يقرب من نصف القوى العاملة في أفريقيا ستفقد وظائفها، وذلك مع عجز الحكومات عن توفير شبكات أمان اجتماعي كافية للتخفيف من تلك الآثار.


مطالب بتضافر دولي
التضامن الدولي

دعا البعض إلى ضرورة أن تعطي الدول المتقدمة اهتمامًا كبيرًا بالصحة العامة والاقتصاد في الدول الهشة ومناطق الصراعات؛ حيث تتزايد التوقعات بأن تكون الإصابة بالفيروس أكثر تدميرًا وزعزعة للاستقرار، ولهذا السبب، قام عدد من المؤسسات الدولية بدعم جهود الإغاثة في تلك الدول، فقد حثَّ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الدائنين للدول الفقيرة على تخفيض الديون بل وتعليق المدفوعات.

كما أطلقت الأمم المتحدة خطة استجابة إنسانية عالمية بقيمة 2 مليار دولار لمحاربة الوباء، وتستهدف الخطة بالأساس البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية، لكونها أكثر الدول في حاجة للدعم. 

التنسيق والتعاون عنصران أساسيان في مكافحة الوباء، لكن يصعب تحقيقهما في مناطق النزاعات؛ حيث تحتاج الاستجابات إلى دعم جميع العناصر المسلحة، لذا فإن إشراك الجماعات المسلحة أمر بالغ الأهمية إذا كانت تسيطر على الأراضي أو تمارس نفوذًا قويًا على المدنيين المحليين.

وبما أن النازحين واللاجئين هم الجماعات الأكثر عُرْضة للخطر؛ تُعاني الأسر في مخيمات اللاجئين والمستوطنات من سوء خدمات المياه والصرف الصحي ورداءة المساكن وعدم القدرة على الوصول للمعلومات، ففي بنجلاديش، قيَّدت الحكومة الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف النقَّال لما يقرب من 900 ألف من الروهينجا المحاصرين في مخيمات اللاجئين، ووفر نقص المعلومات بيئة خصبة لانتشار الشائعات حول الفيروس، كما يتم وصم الأشخاص المشتبه في أنهم يحملون الفيروس، مما يؤدي إلى امتناع الأشخاص عن الإبلاغ في حالة ظهور الأعراض.

وفي سوريا، يشكو النازحون في محافظة إدلب من نقص المطهرات اليدوية والأقنعة والمستلزمات الطبية، فضلاً عن كون المخيمات أماكن غير ملائمة للالتزام بالتباعد الاجتماعي، بما يعني حدوث كارثة إنسانية إذا انتشر الفيروس بالمنطقة.

ويمكن القول إنه لا يمكن إصدار حكم عام على مسار انتشار فيروس كورونا في الدولة الهشة، خاصة ذات الصراعات النشطة، فالأمر يختلف من دولة لأخرى، ويتوقف على العديد من المتغيرات منها حجم المجتمع وطبيعة الوعي الداخلي، ومدى حرص الجماعات المحلية المسيطرة على تقديم الرعاية، وجودة البنية التحتية، وحجم الوجود الحكومي، ومدى فاعلية المؤسسات الدولية في الوصول للجماعات الأكثر عرضة للخطر إلى غيرها من العوامل، لكن الأكيد أن تلك البلدان تمتلك العديد من نقاط الضعف التي تجعلها عُرضة لأزمة إنسانية واقتصادية كارثية، في حالة تفشي الوباء بها، وهو ما يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لمساعدتها.
"