العثمانية الجديدة والاستهداف التركي للتكتلات السنية في لبنان
الخميس 02/أبريل/2020 - 12:58 م
لطالما عملت تركيا على تحسين علاقتها مع النخبة الحاكمة في لبنان، ولاسيما مع الجماعات السنية على خلفية رغبتها الدائمة في استهداف مناطق الشمال اللبناني التي يقطنها السنة مثل طرابلس، عكار، المنية والضنية، فضلاً عن بعض المناطق التي توجد بها المخيمات الفلسطينية مثل مدينة صيدا وذلك عن طريق القيام بالعديد من المشاريع الإنمائية والتعليمية بهدف السيطرة على المناطق السنية في محاولة منها لطمس الهوية العربية واستبدالها بالعثمانية.
وتحاول أنقرة فرض نفوذها على الداخل اللبناني من خلال دعم بعض الجماعات السياسية، الأمر الذي اتضح في علاقتها بجمعية "حراس المدينة" التى يرأسها السياسي البارز محمد شوك "أبو محمود" والتي تضم الأطياف السياسية اللبنانية كافة قبيل فترة التظاهرات التي اندلعت في لبنان خلال عام 2019 اعتراضًا على الوضع الاقتصادى المتدهور، وعدم قدرة النخبة السياسية، في ذلك الوقت، على إدارة الأزمة، بل والعملية السياسية برمتها بما يعمل على حل هذه الأزمة.
النفوذ التركي في شمال لبنان
قامت
تركيا بتأسيس بعض المشروعات التعليمية والإنمائية في الشمال اللبنانى؛ حيث
المدن التي يقطنها السنة باعتبارهم الفصيل السياسي الأقرب لها من الناحية
الأيديولوجية والمذهب الديني.
وعلى
الرغم من التوافق الظاهر بين كل من طهران وأنقرة فيما يتعلق بمصالحهما في
الشرق الأوسط، لكن تسعى كل منهما على خلفية امتلاكها لمشروع أيديولوجى
مذهبي إلى أن يكون لها نصيب الأسد من ثروات المنطقة، وتحاول تركيا فرض
نفوذها على مناطق الشمال السني في لبنان في مقابل سيطرة طهران على المناطق
الشيعية في الجنوب.
في السياق
ذاته، تسعى تركيا للسيطرة على مناطق النفط في لبنان، الأمر الذي تمثل في عقدهاعدة اتفاقات تجارية مع الحكومات اللبنانية المتعاقبة في هذا الشأن ولكن تم
نقضها فيما بعد.
ويبدو أن تركيا
باتت الدولة الأكثر نشاطًا من الناحية الدبلوماسية، التنموية والثقافية، وهو
الأمر الذي يستمر منذ قرابة الـ 15 عامًا؛ حيث أصبحت الأقلية التركمانية
اللبنانية أكثر تنظيمًا وارتباطًا بتركيا مما كانت عليه قبل مجيء حزب
"العدالة والتنمية" إلى سدة الحكم في أنقرة.
كما
تنشط "وكالة التنمية التركية"، والمراكز الثقافية التركية على الأراضي
اللبنانية، فضلًا عن ما يعرف بالغزو الثقافي التركي من خلال المسلسلات
التركية المُدبلجة.
ويمثل الدور
التركي في لبنان إشكالية كبيرة، نظرًا لإرث الدولة العثمانية فيه، ووجود
أقلية أرمنية ذات ثقل سياسي وتاريخي، وتتمثل العلامات البارزة على هذا
الدور في أن كل تظاهرة أو احتجاج لجماعة الأرمن ضد تركيا، يستدعي حشدًا مواليًا لـ"العدالة والتنمية" من قبل اللبنانيين.
المشروعات الانمائية والتعليمية التركية
لطالما
كانت لبنان على خلفية نظامها السياسي القائم على المحاصصة والطائفية من
أكثر دول المنطقة عرضة للتدخلات الخارجية، ولاسيما من جانب طرفي الصراع في
المنطقة المتمثل في تركيا وإيران، وعليه، ساهمت تركيا في استقطاب بعض
الجماعات السنية ولاسيما الفلسطينيين الموجودين داخل الأراضي اللبنانبة
لرغبتها في إيجاد موطئ قدم لها في هذه المناطق؛ حيث تم الإعلان في عام 2010
عن تأسيس جمعية الصداقة اللبنانية التركية في مدينة صيدا التى يقطنها عدد
كبير من التكتلات السنية في لبنان.
وعلى
الرغم من أن هدفها المعلن تمثل في تعزيز وتفعيل العلاقات التي تربط بين
الشعبين اللبناني والتركي من الناحية الثقافية، لكن الواضح أن أنقرة ترغب
في المساهمة في تباعد العلاقات بين كل من الجماعة السنية في لبنان ودول
الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة
للاستفراد بالسيطرة على مثل هذه المناطق، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز دورها وتقوية نفوذها في الشمال اللبناني.
يتوازى
ذلك، مع سعى الحكومة التركية لإنشاء مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية
وبالتالي، الترويج للثقافة التركية في شمال لبنان، مع تقديم تسهيلات كبيرة
في هذا الإطار؛ ومن الأمثلة البارزة على ذلك إنه على الرغم من مرور 4.5 قرن
على مغادرة أهالي بلدة الكواشرة الواقعة في قضاء عكار شمالي لبنان موطنهم
الأصلي تركيا، لكنهم لايزالون محافظين على استخدام اللغة التركية فيما
بينهم، من خلال دعم تركيا لهم في ذلك، فضلاً عن العلاقات السياسية
والثقافية الوثيقة بين سكان هذه المدينة والدولة التركية.
كما
قدمت أنقرة عددًا من المشروعات الاستثمارية لخدمة أهالى هذه المدينة، الأمر
الذي تمثل في مشروع شبكة مياه، ومولد كهرباء، وحواسيب للمدارس،
إضافة إلى منح دراسية للطلاب لمتابعة تحصيلهم الجامعي سنويًّا بما لا يقل عن
خمس منح دراسية.
التدخل التركي في الشأن اللبناني
كانت
تركيا طرفًا رئيسيًّا غير مباشر في الصراع السياسي الللبناني، إبان
التظاهرات التي اندلعت في عام 2019 على خلفية الوضع الاقتصادى المتدهور
وعجز النخبة السياسة، في ذلك الوقت، عن تقديم حلول فعالة تحد من المخاطر
الناجمة عن هذه الأزمة المتصاعدة؛ حيث قامت تركيا بدعم جمعية حراس المدينة
التى تضم جمعيات وحركات من الطوائف السياسية اللبنانية كافة، وهى التي قامت
بتأجيج الصراع السياسي الداخلي في لبنان وإثارة الرأي العام ضد القيادة
السياسية؛ إذ قامت القيادات التابعة لهذه الجمعية التي توجد في طربلس
بالتنسيق بين المدن الأخري كافة لتنظيم الحراك اللبناني في ذلك الوقت.
ومن
اللافت للانتباه، قيام السفارة التركية لدى لبنان بتقديم مبالغ مالية، قبيل
التظاهرات اللبنانية التي اندلعت في عام 2019، والتي كان آخرها تقديم مبلغ
"60" ألف دولار لصالح جمعية "حراس المدينة" لمساعدتها على الاستمرار في
تأجيج صراعات النخبة السياسية داخل لبنان، في ذلك الوقت.
في
السياق ذاته، أكد محللون أن مطالب جمعية حراس المدينة كانت غير منطقية بعض
الشيء، الأمر الذي تمثل في المطالبة بإسقاط الحكومة فورًا وتشكيل حكومة
إنقاذ وطني من خارج المنظومة الحاكمة.





