مخيمات للموت.. التعليم تحت القصف (2-2)
أطفال حُرموا من التعليم، جراء موجة النزوح الأخيرة في إدلب وصلت لـ 900 ألف نازح، وأطفال عانوا من النزوح المتكرر، ومئات آخرون التحقوا بمدارس داعش، تدربوا على العنف والقتل، تلاعبوا بعقول البراءة وأجسادهم الضعيفة، بعد أن حرمت «داعش» 670 ألف تلميذ في 2015 من التعليم في المناطق التي سيطروا عليها في الرقة وريف دير الزور وريف حلب لتغيير المناهج ليتطابق مع فكرهم الداعشي وفقًًا لموقع اليونيسيف.
نحو مليوني
طفل في سوريا محرومون من التعليم، والدولة لا تعترف بنظام التعليم ولا الطلاب
الذين التحقوا بمدراس في مناطق لا تخضع لسيطرتها، كما أن بعض الأسر لا ترسل بناتها
للتعليم خوفًا عليهن، فضلًا عن تدمير العديد من المدارس سواء عن عمد أو لاستهداف
البنية التحتية للمدن، ففي عام 2019 وقع 145 اعتداءً على المدارس، وأيضًا عدم وجود
عدد كافٍ من المعلمين بسبب نزوحهم، مما أرغم العديد من الأطفال على ترك التعليم، ومن
تجاوز عمره العشرة أعوام، يصعُب دمجه بالتعليم الآن، هذا ما أكده هاني مجلي، عضو لجنة
التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا منذ 2011 في حوار بموقع الأمم المتحدة في فبراير الماضي.
ووفقًا لليونيسيف يضطر نحو أربعة آلاف ونصف طفل يوميًّا إلى الفرار من بيوتهم، والعديد منهم قد سبق وهُجروا عدة مرات قبل ذلك، ففي آخر ثلاثة أسابيع من السنة الماضية هُجر ما لا يقل عن 140 ألف طفل بسبب العنف الشديد في إدلب ومحيطها في شمالي غرب البلد.
في مخيمات إدلب الرسمية، يتلقى بعض التلاميذ تعليمًا ربما يكون دون المستوى- ساعتين يوميًّا- والذي تأثر بموجة النزوح الجديدة إذ يلجأ النازحون للسكن بهذه الفصول بسبب التكدس، بينما يُحرم التلاميذ في المخيمات العشوائية من هذا القدر القليل من التعليم، تحدث «المرجع» مع التلاميذ وأمهاتهم والمعلمين النازحين إلى إدلب والمهجرين من العراق، يحكون عن معاناتهم وأحلامهم، إذ باتت المدراس عبارة عن خيام بيضاء صغيرة بها القليل من المقاعد و«سابورة» بيضاء، أحيانًا يُوفر للأطفال الصغار بعض الأنشطة الثقافية من رسم وتلوين، يدرس بعض الأطفال فيها من الساعة السابعة حتى الظهر، والبعض الآخر لا يحصل إلا على ساعتين فقط.
تحكي «عائشة محمد» سيدة تبلغ من العمر خمسين عامًا، إحدى النازحات على الحدود التركية منذ خمس سنوات جراء القصف الجوي الذي قتل زوجها، تقول إن زوجي تركني للعيش وحدي وأطفالي على الحدود التركية في بيوت وصفتها «بالهياكل» لا شبابيك ولا أبواب لها، لديها طفلان؛ الأول يبلغ 12 عامًا والثاني 14 عامًا، وتكمل: الآن لا توجد مدارس يذهب إليها أطفالها بعد أن سكنها النازحون في الآونة الأخيرة، لكن يذهب أطفالها لفصول تعليمية وصفتها بالضعيفة، ساعتان فقط ويومان في الأسبوع.
بينما تقول «فاضلة» إحدى الأمهات المهاجرات من العراق لمخيمات سوريا، أن لديها بنتًا عمرها نحو عشر سنوات، تعاني أيضًا من ضعف التعليم الذي تتلقاه ابنتها، يومان فقط، فالطالب لا يستوعب الدروس بسبب كثرة عدد المُهَجرين والنازحين الآن.
«لا أنسى صوت طائرات القصف أبدًا ولا موت أبي» يحكي مصطفى أحد التلاميذ بالصف التاسع، ويبلغ 14 عامًا لـ«المرجع» قصة نزوحه وأحلامه، بعد أن أغلقت المدارس، لم يتبق سوى مدرسة واحدة يقطن نصفها النازحون، والنصف الآخر يذهبون إليها يومين في الأسبوع؛ الخميس والجمعة لمدة ساعتين فقط، يتكون الفصل من 21 تلميذًا ولا يوجد اهتمام بالتعليم ولا الطلبة، ويكمل: أنه يتلقى اللغة العربية والإنجليزي والرياضيات، ومن الصعوبات التي تواجهه هو عدم وجود مدرسين لبعض المواد التي يحب دراستها مثل الفيزياء والكيمياء.
ويكمل أن أكثر معلم يحبه، هو مدرس اللغة العربية لأنه ودود يعطي ما بجعبته وعلمه بحب، يبسط لهم المعلومات، ويهدي إليهم العلم والمحبة، فهو ليس كباقي المعلمين كما يصف، يحلم «مصطفى» بانتهاء الحرب، أن يصبح طبيب قلب معروفًا.
«سامر حسن» أحد معلمي الرياضيات النازح من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم على الحدود التركية منذ أربع سنوات، لديه طفلتان أكبرهما تبلغ من العمر سنتين ونصف السنة، يقول إنه يُعلم الأطفال جميع المواد، فهم يواجهون مصاعب كثيرة على رأسها أعداد النزوح الكبيرة جدًا، فلا طاقة للمخيمات لسعة موجة النزوح الحالية، فالمدارس عطلت بسبب سكنهم بها، فقبل ذلك بقليل كانت المدرسة آخر حامي لهذه الفئة الصغيرة من الأطفال يفرغون فيها طاقتهم ونشاطهم، كما تتحسن نفسياتهم باللعب مع أقرانهم ومدرسيهم بعد أن مروا بعمرهم الصغير بمشاهد قصف ومتفجرات.
ويكمل أن الوضع الآن من أسوأ الأوضاع التي مرت عليهم بسبب الكثافة البشرية وضيق الأماكن، فحلمه أن يصل لجميع الأطفال بالمخيمات لينالوا التعليم جميعهم، إذ يوجد العديد منهم محرومون، فضلاً عن وجود مدارس بها جميع الصفوف وتستوعبهم، ووسائل تعليمية مقبولة بها الحد الأدنى من الأدوات، فهم الآن في نقص جميع المستلزمات الدراسية من «الكراسات» واللوجيستيات التعليمية، وعدم توفر غرفة مناسبة للتدريس.
بينما يقول «علي» معلم آخر نازح من المحافظات الشرقية في سوريا يعمل في التعليم بالمخيمات منذ ثلاث سنوات، رغم أن الوسائل التعليمية قليلة لكن أهم شيء أن الأطفال يتعلمون في هذا الزمن الصعب «زمن الحروب» كما وصف، فالخوف يسيطر على قلوب الجميع المعلم والطالب جراء القصف وعدم الارتياح النفسي، وأحيانًا ننقطع عن الدراسة بسبب التوترات الأمنية، ويكمل ليست كل المخيمات تحظي بالدعم التعليمي، فهم مثلا يُدرسون جميع المواد بدوام كامل خمس حصص في اليوم منذ الصباح وحتى الظهر.
لكن الآن استبدلوا الفصل الدراسي «بالخيمة»، بالإضافة لنقص المقاعد، ويضطر التلاميذ الجلوس على الأرض، وأحيانًا لا توجد «سابورة» أو كتب فيتشارك عدد من التلاميذ في الكتاب الواحد، كما أن أرض الخيمة أو الملعب أمامها مغطاة «بالطين» جراء الأمطار والمياه، فلا توجد أراضٍ إسمنتية مثلًا .
ويختتم: «الإمكانيات محدودة، ولكننا نفعل قصارى جهودنا لنعلم الأطفال تحت القَصْف».





