تنظيم الإخوان.. استراتيجيات التمدد وآليات التعبئة
جاء نقل مقر تنظيم جماعة الإخوان
من الإسماعيلية إلى القاهرة؛ ليكون إيذانًا بشروع مؤسسه حسن البنا في تنفيذ أجندته
للتمدد والانتشار والتوسع في استقطاب عناصر أخرى للتنظيم، والتي أدرك أهمية
ارتباطها بالمكوث في القاهرة.
وفي دراسة أعدها «زياد مونسون» أستاذ علم الاجتماع بجامعة «هارفارد»، تحت عنوان «التعبئة الإسلامية.. نظرية الحركة الاجتماعية وجماعة الإخوان المسلمين»، أكدت أن أعداد المنضمين للتنظيم بدأت في التزايد تدريجيًّا، رغم أن الأرقام حول هذا الشأن ليست دقيقة؛ ففي عام 1930 امتلك التنظيم 5 أفرع، كما امتلك 15 في عام 1932، وامتلك 300 في عام 1938.
ويقول «مونسون»: إن التظاهرات الشعبية في مصر ازدادت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكان تنظيم الإخوان محوريًّا في هذا الأمر، وفي عام 1947 قامت قوات الأمن بمصادرة سيارة تابعة للتنظيم تحوي متفجرات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ قامت قوات الأمن أيضًا بضبط كميات كبيرة من المتفجرات في العديد من أحياء القاهرة، ونسب هذا إلى التنظيم، وكان رد فعل الحكومة المصرية واضحًا؛ إذ قامت بحل التنظيم، والقبض على عدد كبير من أعضائه، وردّ التنظيم باغتيال النقراشي باشا الذي كان له الدور الأكبر في هذا الحل للتنظيم.
وعن استراتيجيات تمدد الإخوان ودوافع النشأة، يقول الباحث: إن التنظيم اتخذ من حالة التغريب المجتمعي وسيلة لاستقطاب الشباب، كما كانت مهاجمة النظام الملكي وعلاقته بالاحتلال الإنجليزي وسيلة لكسب المزيد من التأييد الشعبي؛ ما يعني أن الإطاحة بالملك بعد ثورة 1952 أدت إلى تقليص الحاضنة الشعبية للتنظيم.
وذكرت الدراسة أن أفراد التنظيم تمتعوا بنوعين من الولاء، أحدهما للفرع بينما الآخر للتنظيم ككل، كما لعب رئيس كل فرع حلقة الوصل بين الفرع ومقر التنظيم في القاهرة.
وشبهت الدراسة التركيبة الهيراركية للتنظيم بالفيدرالية السياسية التي تترابط فيها الأفرع مع المقر المركزي، وقام الكاتب بتقسيم هيراركية التنظيم إلى ثلاثة مستويات، أطلق على المستوى الأول اسم «مساعدين»، وهم الأفراد الذين يوقعون طلبات العضوية، ويقومون بدفع مصاريف إدارية.
ويتضمن المستوى الثاني نوعًا آخر من الأعضاء، وهم المطالبون بإثبات انتمائهم الديني للتنظيم، من خلال حضور الندوات والاجتماعات الأسبوعية.
أما المستوى الثالث من الأعضاء، فيتضمن أولئك المطالبين بالدمج في التنظيم؛ بحيث يصبح التنظيم كل حياتهم، ومصدرًا لاستثمار أموالهم.
وتقول الدراسة: إن أيديولوجية التنظيم لعبت دورًا مهمًّا للغاية في زيادة تمدد التنظيم، خاصة أنه استغل حالة الفقر التي يعاني منها المصريون في الأقاليم، وقام بتكوين شبكة اجتماعية بهدف تقديم الخدمات للمصريين؛ ما ساهم في زيادة شعبية التنظيم. ولعبت المساجد أيضًا دورًا محوريًّا في أيديولوجية التنظيم؛ إذ قدم التنظيم المسجد كوسيلة لم تكن نظرية فقط، بل لعب دورًا حركيًّا بارزًا من خلال تجنيد عناصر جديدة تحت ستار استخدام الدين.
وفي النهاية، اختتم «زياد
مونسون» الدراسة بالحديث عن الاستراتيجية الدعائية للتنظيم، وكيف اتسمت
بالديناميكية وعدم الجمود، وبعبارة أخرى، كان خطاب التنظيم الدعائي يحمل ميولًا
دينيةً واضحةً، لكنه رغم ذلك كان متلونًا فخاطب الفقراء بلهجة اقتصادية، كما خاطب
القوميين بلهجة قومية مضادة للملك والاحتلال الإنجليزي، وخاطب المحافظين بلهجة
دينية، ويؤكد هذا الأمر أن تنظيم الإخوان لديه القدرة على المناورة واللعب على
محاور عدة في آنٍ واحدٍ.





