عودة «داعش».. شبح يهدد الرقة بعد تفكك «قسد»
على ضفة نهر الفرات في شرقي سوريا، تقع مدينة الرقة السورية ذات الأغلبية العربية، والتي اتخذها تنظيم داعش معقلًا مكانيًّا، ووصفها بأنها عاصمة دولته الممزعومة.
وفي عام 2017، أبرم مسلحو تنظيم داعش الإرهابي اتفاقًا مع قوات سوريا الديمقراطية «قسد»؛ للخروج الآمن من مدينة الرقة تجاه معقل آخر كانوا يسيطرون عليه في محافظة دير السورية.
خرج الدواعش من الرقة، لكن بقيت الجروح التي خلفوها غائرة في جسد المدينة التي صارت تحت حكم الأكراد للمرة الأولى في تاريخها.
كانت «الرقة» قاعدة لخوض حرب الوكالة التي أطلقها تنظيم داعش ضد دول التحالف الغربي المعروف باسم تحالف العزم الصلب، وذلك بحسب دراسة حالة جديدة أصدرتها مؤسسة «New america» المعنية بشؤون الإرهاب والتطرف.
من مخالب الأسد لقبضة «داعش»
كانت الرقة من أواخر المدن التي شاركت في الثورة السورية، إذ بقيت المدينة على ولائها لنظام الأسد حتى بعد 8 أشهر من اندلاع أحداث الثورة في مارس من العام 2011.
زار الرئيس بشار الأسد في نوفمبر 2011 مدينة الرقة، وأدى صلاة عيد الأضحى في جامع النور بالمدينة، والتقى وجهاء العشائر العربية الرئيسية في المدينة، الذين تعهدوا وقتها بدعم نظامه حتى النهاية، لكن بعد أقل من عامين كان وجهاء العشائر يؤدون- مضطرين- يمين الولاء لزعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي ويتعهدون بالوقوف مع تنظيمه حتى الموت في مفارقة نادرة.
في مارس من العام 2013، سيطر مسلحو الفصائل السورية -النصرة وأحرار الشام ومجموعات أخرى- على المدينة بعد قتال مع قوات الجيش السوري الموجودة في المدينة، والتي لم تصمد طويلًا أمام المسلحين.
من مارس وحتى نوفمبر 2013، سيطرت الفصائل الإرهابية على المدينة، لكنهم فشلوا في تسيير الأمور بداخلها، وخاصةً عندما تولت حركة أحرار الشام زمام الأمور في المدينة، وبدأ «داعش» في عملياته الأمنية داخل المدينة التي ركزت على اختطاف مدنيين بارزين من المدينة.
كما عاشت المدينة في ظل أوضاع أمنية سيئة؛ بسبب كثرة الفصائل الموجودة في داخل المدينة، وتنازعها على الموارد وجباية الأموال من سكان الرقة.
إدارة والتوحش
وفقًا لمؤسسة «New america»: «فإن التنظيم الإرهابي استغل حالة الفوضى التي عاشتها الرقة خلال حكم الفصائل المسلحة، وسعى لما يعرف بـ(إدارة التوحش)، وتقديم نفسه كبديل قادر على حماية أهالي الرقة وإعادة الأمن لمدينتهم التي مزقتها الحرب».
لكن شهر العسل بين الأهالي والتنظيم الإرهابي لم يدم طويلًا، وبدأ الأمن والخدمات في المدينة بالتراجع، خلال السنوات الثلاث التي سيطر فيها داعش عليها.
خلال تلك السنوات، اتخذ تنظيم داعش من المدينة قاعدة؛ لتوجيه الهجمات الإرهابية في سائر أنحاء أوروبا، ومنها خرجت المجموعات الإرهابية التي نفذت هجمات باريس، وبلجيكا وغيرها من الدول.
كما بث المكتب الإعلامي الداعشي في المدينة فيديوهات لتعليم «الذئاب المنفردة» صناعة القنابل والعبوات الناسفة، وكيفية تنفيذ عمليات الاغتيال بالأسلحة البيضاء والنارية.
كما استغل التنظيم المدينة في إيواء عناصره الأجانب وأسرهم، وبث هؤلاء الإرهابيون دعاوى تحريضية؛ لتنفيذ الهجمات في داخل الولايات المتحدة وأوروبا.
«قسد».. علامة استفهام كبيرة
في أكتوبر من العام 2017، انسحب عناصر «داعش» من المدينة إلى معاقل سيطرتهم في محافظة دير الزور السورية؛ لتتسلم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» المدينة بعد معارك امتدت لعدة أشهر.
لكن القوات ذات الغالبية الكردية لم تعامل الأهالي العرب بصورة جيدة، وبدأت «قسد» في فرض التجنيد الأهالي على الشباب في المدينة، وإرسالهم إلى خطوط المواجهة مع تنظيم داعش.
كما فشلت «قسد» في توفير الأمن والخدمات لأهالي المدينة، بجانب تعاملها السيئ معهم، وهو ما ينذر بخطر عودة داعش من جديد إلى المدينة؛ لتشابه الظروف الحالية مع الظروف التي عاشت فيها المدينة قبل سقوطها في قبضة التنظيم الإرهابي عام 2013، وذلك بحسب المؤسسة الأمريكية، وفي الأخير وضعت قوات سوريا الديموقراطية موضع تساؤل كبير، واستفهام غامض بعدما كانت محل ثقة أهالي الرقة .
صراع صفري على كعكة الرقة
منذ هزيمة تنظيم داعش الأخيرة في قرية الباغوز فوقاني السورية في أواخر مارس 2019، أطلقت خلايا التنظيم الإرهابي سلسلة من العمليات الإرهابية ضد القوات الكردية، وحلفائها في الرقة وغيرها من المدن السورية.
بدأت الحملة بما عُرف بغزوة الثأر للشام، ونفذت خلايا التنظيم خلالها أكثر من 100 عملية إرهابية في غضون 5 أيام؛ انتقامًا لهزيمة داعش وانهيار الخلافة المزعومة- مكانيًّا.
ووفقًا لمؤسسة «New america»: «فإن قوات سوريا الديمقراطية أطلقت حملة عسكرية ضد خلايا وفلول داعش؛ ردًًا على حملة التنظيم الانتقامية، لكن حملة القوات الكردية ما زالت دون المستوى، ولم تنجح في تحقيق أهدافها».
وتقدر المؤسسة، أن القوات الكردية ستنهار بصورة سريعة، إذا انسحبت الولايات المتحدة من سوريا، أو توقفت عن دعمها للأكراد الذين يسيطرون على عدد من المدن السورية.
ليس «داعش» وحده الذي يسعى للانتقام من القوات الكردية، بل إن بعض العشائر العربية الموجودة في المدينة على خلافات مع «قسد»، ومن بينها قبائل النعيم التي تتنافس مع القوات الكردية على السيطرة على مناطق داخل المدينة.
توضح المؤسسة، أن الوجود العسكري الكردي المكثف، ساهم في تأجيل موعد الصدام بين العشائر العربية وبين قوات قسد، لكن هذا الصراع قد ينفجر في أي لحظة، إذا انسحبت الولايات المتحدة، أو توقفت عن لعب دور الوساطة؛ لإنقاذ الأكراد من مستنقع الرقة.
إعادة الإعمار.. ضرورة لإنقاذ المدينة
تقول المؤسسة الأمريكية: إن الأمن صار هو الهاجس الرئيس لأهالي الرقة، خاصة مع استمرار العمليات التي تشنها خلايا التنظيم الإرهابي في داخل المدينة.
وتؤكد المؤسسة، أن أكثر من نصف المباني السكنية داخل المدينة تضررت نتيجة سنوات الحرب الطويلة، كما تحتاج حوالي 20% من البنى التحتية للمدينة للترميم.
وتوضح «New america»، أن حوالي نصف سكان المدينة صاروا تحت خط الفقر، وغير قادرين على تلبية احتياجتهم الأساسية من الطعام والشراب، مشيرةً إلى أن هذه الظاهرة غريبة على المدينة التي كانت توصف بسلة الغذاء السورية.
وتلفت المؤسسة، إلى أن خلايا داعش الأمنية لا تزال منتشرة في المدينة، وتشكل تهديدًا حقيقيًّا للأمن في داخلها، موضحةً أن أهالي المدينة يعتبرون الأوضاع الحالية أسوأ بكثير من أوضاعهم تحت حكم داعش.
وتحذر المؤسسة الأمريكية من عودة تنظيم داعش؛ للسيطرة على الرقة واتخاذها كقاعدة عمليات له، إذا استمرت الأوضاع الحالية على ما هي عليه.





