بعد القبض على خلية الكويت.. نزوح جماعي لـ«الإخوان» خارج الخليج

على فترات متقاربة،
يُثار نبأ عن توقيف شاب أو مجموعة بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان، يتبعه إجراءات
رسمية بترحيل المقبوض عليهم إلى السلطات المصرية.
وفى يوم الجمعة
12 يوليو تجدّد الحديث عن مصير العناصر الموالية للجماعة في بقعة جديدة، وهي دولة الكويت،
إذ أعلنت وزارة الداخلية توقيف 8 عناصر شكلّوا خلية إرهابية بالبلاد.
لم يكترث البعض من
صقور الجماعة، بينما كعادتهم غضب شباب الإخوان الذين رأوا في القبض على رفاقهم نذير
شؤم، مبدين تخوفهم من المصير ذاته؛ مما عمّق الخلافات بين التيارين (الصقور والحمائم)،
وتبادلوا اتهامات ومطالب بتحمل المسؤولية أولًا، والبحث عن منافٍ أخرى تقيهم شر الترحيل.

ثمّة خريطة جديدة تتشكل، صحيح أن ملامحها لم تكتمل بعد؛ لكن ظهورها حتمي ومتوقع؛ إذ انكشفت حالة التخلي عن الشباب المُنتمين إلى جماعة الإخوان والمتورطين في عمليات إرهابية بالقاهرة والفيوم، من قبل القيادات والدول المستضيفة على حد سواء؛ ما يعني خروجهم من مناطق المطاردة والبحث عن مسارات وأوكار أخرى، يصبح من دورها رسم خريطة جديدة للبلاد المستضيفة للجماعة.
ربما مثّل ترحيل الإخواني محمد عبد الحفيظ من تركيًا، في فبراير الماضي، صدمة كبرى لشباب الجماعة، لاسيما أن تركيا هي ملاذهم الآمن، بدأوا على أثرها التفكير في مناطق آمنة تأويهم، ودارت نقاشات في هذا الصدد؛ لكنهم لم يتطرقوا إلى ماليزيا وتايلاند وكوريا الجنوبية؛ خاصة أن ثلاثة قاموا بترحيل حوالي 9 شباب منتمين للجماعة.
وبعد القبض على الخلية الإخوانية في الكويت، دشّن الإخوان حملات لحث الشباب الموجود في دول الخليج إلى المغادرة قبل القبض عليهم وتسليمهم إلى السلطات المصرية، مشددّين على أن هذه البلاد لم تعد آمنة لهم.
وبحسب نقاشات دارت على مواقع التواصل الاجتماعي، في المجموعات الخاصة بالإخوان على الفضاء الأزرق، انتهى شباب الإخوان إلى أن الخروج من دول الخليج والتوجه إلى قطر وتركيا وإنجلترا، هو الحل لتجنب الترحيل.

تفاعل سياسيون وكتاب كويتيون مع أنباء القبض على العناصر المنتمية إلى الجماعة، إذ أوضح أحمد نبيل الفضل، عضو مجلس الأمة الكويتي، أن توقيف خلية إخوانية نذير خير، مُشيرًا إلى أنها المرة الأولى التي تعلن فيه وزارة الداخلية الكويتية عن المرجعية السياسية التي تعود إليها انتماءات الموقوفين.
وقال: «لم نعتد أن تعلن وزارة الداخلية أن شخصًا ينتمي إلى الفكر الفلاني أو المنظمة الفلانية، هذا يحدث للمرة الأولى في الكويت، خاصة لمن يحاول أن يبين خطر الجماعة»؛ لافتًا إلى محاولاته السابقة للتنويه عن خطر الإخوان على الدولة، وخطر تغلغلهم في مفاصلها.
ونبه «الفضل» إلى أن الإخوان جماعة إرهابية، ويجب على الدول العربية أن تتوقف عن تأمين الحماية لهم واستضافتهم، خاصة الكويت؛ لأنه لا يرقى لمكانتها العالمية والإنسانية والخيرية، مضيفًا أن الخطوة القادمة يجب أن تكون إدراجها تحت قوائم الإرهاب.
وشدد على الخطورة التي يمثلها وضع الإخوان في الكويت، مُعتبرًا الوقت مناسب للتخلص من خطرهم؛ إذ إن الضغط الدولي موجود، إضافة إلى أن الدول العربية على استعداد تام للتخلص من خطر الجماعة؛ لما لها من نفوذ، فهم موجودون منذ عقود، ولهم جمعياتهم، فضلًا عن منهجهم الذي يتأثر به الكثيرون.
فيما أشاد المحلل السياسي الكويتي، أحمد جار الله، بالإجراء الذي اتبعته بلاده مع الخلية المتورطة في عمليات إرهابية بمصر، قائلًا: «قضاء الكويت وبلا تردد قال لنا من وراء شبكة العبدلي الإرهابية، قال لنا إن إيران وحزب الله هم الذين كادوا أن يدمروا بلدنا والآن الأمن كشف عن شبكة إرهابية إخوانية هاربة من أحكام إجرامية في مصر».
وأضاف في سلسلة تغريدات عبر موقع «تويتر» أن الشعب الكويتي أدرك شر حزب الله وإيران والإخوان، مُطالبًا الحكومة بالتوقف عن المجاملات»، وتابع: «قلنا لكم الإخوان تجمع إرهابي وكانوا يردون علينا أنهم جماعة خير وصلوات خير وصلوات نشاهده بماذا فعلوا في مصر والسعودية والكويت عندما كان الحراك والهاربين منهم في تركيا ماذا كانوا سيفعلون بنا لو تهيأت لهم الظروف الشعب الكويتي يقول توقفوا عن المجاملة في قضايا الأمن الوطني».
فيما طالبت جماعة الإخوان، في بيان صادر (اليوم 13 يوليو) عن مُتحدثها الإعلامي، طلعت فهمي، بعدم تسليم الخلية الإرهابية التي تضم 8 من عناصر الجماعة إلى السلطات المصرية، أو ترحيلهم من البلاد.

أحد الخطوط الرئيسية التي ركز عليها الإخوان في مناقشاتهم، لمحاولة فهم أسباب توقيف عناصر الجماعة، كان الاتصال الهاتفي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والشيخ الصباح أحمد جابر الصباح، أمير الكويت، الذي تم الأسبوع الماضي، واتفق الطرفان خلاله على مواجهة التحديات التي تواجه البلدان العربية، لاسيما تلك التي تهدد الأمن القومي.
وفي هذا الصدد أشار اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق، إلى وجود اتفاقيات بتسليم الأشخاص الصادر بحقهم أحكام قضائية، بين دول الخليج حتى قطر، التي بينها ومصر اتفاقيتان وهما الاتفاقية العربية لتنفيذ الأحكام في 1952 واتفاقية الرياض للتعاون القضائي 1983، لكن الدوحة تخلفهما برفض تسليم المطلوبين.
وأشاد بالجهود الدبلوماسية والأمنية بين مصر ودولة الكويت الشقيقة، التي أسفرت عن ضبط الخلية الإرهابية، موضحًا أن الكويت رأت في وجود هؤلاء الإرهابيين الذين ارتكبوا حوادث إرهابية في بلدهم، من السهل أن يقوموا بمثلها في البلاد وتنظيم جماعات مماثلة، الأمر الذي يشكل خطورة على الأمن القومي الكويتي، فاتفقت مصالح الكويت ومصر في ضبطهم وتسليمهم للسلطات القضائية.
وفيما يتعلق بإجراءات تسليم العناصر الإرهابية المطلوبة في أحكام قضائية بمصر قال لـ«المرجع»: إن كل هارب يكون له كارت في الإنتربول المصري يخاطب به الإنتربول الدولي، ويخاطب الإنتربول التابع للدولة التي تشير التحريات لهروب المتهم فيها، خاصةً من بينهم ومصر اتفاقية تسليم المجرمين، فإن الدولة تسلم على الفور، ولكن هناك ظروف سياسية تحول كـ قطر وتركيا اللتان يرفضا التسليم.
وتابع أن تسليم الخلية يكون نتيجة جهود دبلوماسية وأمنية وتعاون مستمر بين الأشقاء؛ خاصة أن هناك علاقات جيدة تربط البلدين ببعضهما، مُضيفًا أن السلطات الكويتية نسقت مع مصر قبل إعلان تفاصيل القبض على الخلية الإرهابية التابعة لجماعة الإخوان.
وأوضح أن أفراد الخلية المضبوطة مدرجين على قوائم الإنتربول، وجار التنسيق مع السلطات الكويتية لتسليمهم إلى مصر؛ لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم، مرجحًا أنهم دخلوا إلى الكويت بجوازات سفر مزورة، قبيل إدراجهم على قوائم الإنتربول.
كما أشار إلى وجود مزيد من التنسيق بين مصر وعدد من الدول العربية في الفترة القادمة؛ لملاحقة عناصر الجماعات الإرهابية الهاربين من أحكام قضائية.

وجه الكاتب الكويتي «الجار الله» سؤالًا للسلطات المختصة:«ثمانية إرهابيين يهربون من مصر وعليهم أحكام قتل وذبح ويدخلون الكويت ويعيشون بردًا وسلامًا كيف دخلوا ومن فيز لهم ويمكن عندهم إقامة كيف دخلوا؟».
ورجّح أن دخول تلك العناصر إلى البلاد لا يتم إلا بمساعدة كفيل، سواء أشخاص أو كيانات تابعة للإخوان، وهي تتمتع بنفوذ في بعض المجالات بالكويت، نظرًا لغياب القوانين المنظمة للأحزاب؛ إذ تتخذ التيارات السياسية من جمعيات النفع العام واجهة للعمل السياسي، من أبرزها جميعة الإصلاح الاجتماعي التي تأسست في ستينيات القرن الماضي، الذراع الإخوانية بالكويت.
وبحسب الكاتب الصحفي الكويتي فؤاد الهاشمي، هرب نحو 100 إلى 150 من عناصر الإخوان المصريين إلى الكويت خلال الـ18 شهرًا الماضية، ومن بينهم خبراء في تفخيخ السيارات وإطلاق قذائف آر بي جي وغيرها من الصواريخ، مضيفًا أنهم دخلوا البلاد تحت كفالة شركات ومؤسسات كويتية تملكها عناصر إخوانية كويتية.

توغل الفكر الإخواني في الكويت من خلال أحد المصريين الوافدين للعمل بالعراق في الأربعينيات، الذي التقى التاجر عبدالعزيز المطوع (عُين مراقبًا عامًّا للإخوان فيما بعد)، وأقنعه بالعمل الدعوي، فحضر «المطوع» إلى مصر، عام 1945، وقابل «حسن البنّا» للمرة الأولى، ثم التقاه ثانية في العام نفسه بالمملكة العربية السعودية.
تأسست شُعبة «الإخوان» في الكويت، عام 1947، بواسطة «المطوع» دون أن تحمل اسم الجماعة الأم؛ إذ وافق «البنّا» على أن تصبح التسمية «جمعية الإرشاد الإسلامية».
وبحسب «عبدالله»، الشقيق الأصغر لـ«المطوع»، فإن أخاه جعل من المعهد الديني مركزًا لاستقطاب عناصر جدد للجماعة، وما سَهَّل مهمتهم أن معظم أعضاء هيئة التدريس، التي تشرف على إدارة شؤون المعهد، كانوا ينتمون للجماعة في مصر.
وفي عام 1952، بعثت جماعة الإخوان مجموعة إلى الكويت للإسهام في العمل التنظيمي للجماعة، وفي العام نفسه تم إشهار جمعية الإرشاد رسميًّا.
وفي منتصف الخمسينيات، اشتد الصدام بين قيادات في مصر والرئيس المصري الراحل، جمال عبدالناصر (1956-1970)، فهاجر بعض المنتمين للإخوان إلى الخليج؛ هربًا من الملاحقات الأمنية، إذ انتسب إلى الجماعة في الكويت كل من زهدي أبو العز والشيخ عبدالعزيز السيسي، وكان لهم دور كبير في نشر الأيديولوجية الإخوانية بالخليج، إلى أن تم حل «الإرشاد الإسلامي»، لتتأسس جمعية «الإصلاح الاجتماعي» عام 1961، التي حملت نفس الفكر والأهداف.
أدت السياسة الناصرية تجاه الجماعة في مصر إلى انقسام «إخوان الكويت» إلى معسكرين: أحدهما كان محايدًا، وقرر عدم التدخل فيما يحدث بين الرئيس المصري والجماعة، وتزعم هذا التيار عبدالعزيز المطوع، أما الثاني فمَثَّل التيار الطلابي المتشدد، بقيادة «محمد العدناني، أحمد الدعيج وعبدالرحمن العتيقي»، الذي كان ينادي بأهمية اتخاذ موقف موحد تجاه «عبدالناصر».
تغيير الاسم لم يكن تبديلًا للمنهج أو التبعية لـ«الإخوان»، فقد كانت المادة التثقيفية لأعضاء التنظيم تعتمد على تدريس كتب حسن البنا وسيد قطب (منظّر جماعة الإخوان)، واعتمدت الجمعية في هيكلها التنظيمي على نفس مبادئ اللائحة المعمول بها في مصر، فكان المرشد هو الحاكم، والطاعة له بمفهومها العسكري واجبة.
ومرت الجماعة بتغيرات عدة انتهت بتعهد الإخوان في الكويت بعدم توجيه أي خطاب خارج السياسة الكويتية، كما سعوا إلى التقرب من الحكومة الكويتية، بنهاية عام 2017، من خلال لقاءات سرية عقدت بين الجانبين؛ لضمان عدم المساس بالجماعة بعد الأزمة الأخيرة مع الدوحة (مقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين لقطر- 2017) على خلفية دعمها للجماعات الإرهابية خاصة «الإخوان».
وكشف ثروت الخرباوي، الباحث في شؤون الحركات الإسلاموية، والقيادي الإخواني السابق، في كتابه «سر المعبد»، عن تنظيم مصري لـ«الإخوان» في الكويت، له وجود ونشاط كبير، وله أفراده وله مسؤولون، مبينّا أن ارتباط «إخوان الكويت» بـ«حسن البنّا» (مؤسس جماعة الإخوان) يرجع لأربعينيات القرن الماضي، مشيرًا إلى أن سفر قيادات إخوانية إلى الكويت، إضافة إلى العمالة المصرية بالخليج، سهّل على الجماعة تكوين شعبة مصرية مستقلة لا تتبع قيادات الإخوان هناك.
ولفت الخرباوي إلى أن حجم الحضور الإخواني المصري الكبير في الكويت، أدى إلى قيامهم بالتخطيط والتثقيف والتنظيم، ودعم النشاط الإعلامي والدعوي داخل الكويت، إضافة إلى توظيفهم في المجالات القانونية والتربوية والدينية.
وتابع الإخواني المنشق: «زاد من تأثير المصريين على عناصر الإخوان الكويتيين وجود قيادات معروفة، مثل الشيخ حسن أيوب، الذي تتلمذ الداعية أحمد القطان على يديه، والمرشد الخامس -أحد صقورهم- مصطفى مشهور».