المفارز الأمنية.. الرمق الأخير لـ«داعش» في وجه القوات النظامية
الجمعة 07/يونيو/2019 - 05:01 م
أحمد سلطان
في إحدى ليالي الصيف الحارة، جلس النقيب محمد الذهيباوي، وعدد من أصدقائه داخل منزله في قرية الكرمة الواقعة شمال شرقي الفلوجة بمحافظة الأنبار العراقية، وبينما هم في جلسة السمر اليومية، قطع صوت مفزع حديثهم، ليكتشفوا بعد لحظات قليلة أن عناصر تنظيم «داعش» قد تسللت إلى المنزل.
وخلال ثوانٍ بسيطة مرت كأنها ساعات، طلب مسلحو «داعش» من النقيب وضيوفه الاستلقاء على وجوههم، ومن ام إقتادوهم واحدًا تلو الآخر إلى خارج الغرفة، واغتال «الداوعش» الأصدقاء الستة، عبر إطلاق النار عليهم من سلاحٍ مزودٍ بكاتم للصوت، بينما كان أحد الإرهابيين يصور مشهد المذبحة، دون توقف.
وبعد نحو 10 أشهر، وتحديدًا الأحد 2 يونيو الجاري، بَثّ ما يُعرف بالمكتب الإعلامي للفلوجة التابع لديوان الإعلام المركزي الداعشي، مقطع فيديو لعملية الاغتيال بعنوان «ثم يغلبون»، موضحًا أنها إحدى العمليات التي تنفذها المفارز الأمنية المنتشرة في داخل الفلوجة العراقية.
«الفلوجة».. من هنا بدأت الحكاية
مدينة المساجد، هكذا يلقبها العراقيون؛ لكثرة عدد المساجد بها، لكن مساجد المدينة التي تتجاوز الـ220، لم تكن سوى علامة على ميل أهلها للتدين، وفي بعض الأحيان لارتباط بعضهم بالجماعات المسلحة.
وقبيل سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، خرج الشاب «عمر حديد» أحد أبناء قبيلة الدليم، ليدعو للثورة المسلحة ضد الرئيس، وانتقل إلى «الكرمة»، يدعو فيها إلى تغيير ما كان يراه «منكرًا»، لكن نظام البعث وقتها حكم عليه بالإعدام، ليفر الشاب من مدينته إلى مناطق أخرى، قبل أن يعودَ إليها مجددًا بعد إصدار عفو رئاسي عنه.
وفي أبريل 2003، سقطت المدن العراقية مع الغزو الأمريكي، لكن الفلوجة بقيت هادئة عكس بقية المدن، حتى قدمت طلائع الجيش الأمريكي، واحتلت عددًا من المقار في نطاق المدينة، ليبدأ مسلسل القتال.
في الوقت نفسه الذي كانت القوات الأمريكية تصل فيه إلى مدينة المساجد، كانت عناصر تنظيم «القاعدة» الذين دخلوا إلى العراق يتجمعون في المدينة المعروفة بأنها «سنية»، ويجمعون السلاح استعدادًا للقتال.
واجتمع «عمر حديد» بعناصر القاعدة، وتشكلت نواة تنظيم «داعش» خلال تلك الأحداث، ودخلت المدينة معركتين شهيرتين هما «الفلوجة الأولى والثانية»، وفي كل مرة يتسلل من تبقي من العناصر إلى خارج الفلوجة ثم يعودون من جديد.
وبعد ذلك بأكثر من 10 سنوات وتحديدًا في عام 2014 سيطر تنظيم «داعش» على المدينة، بعد معارك ضد قوات الجيش العراقي، لكن الجيش الذي انهزم وقتها، عاد ليسترد المدينة في يونيو 2016.
خرجت عشرات المركبات التي تقل مقاتلي التنظيم إلى الصحراء القريبة، كما يظهر الفيديو الجديد لداعش- لكن التنظيم أعاد تشكيل الخلايا التابعة له، وانتهاج تكتيك المفارز الأمنية في العمل.
المفارز الأمنية.. قوة داعش الضاربة
في حين كان عناصر التنظيم ينسحبون من المدينة، كانت ما تعرف بإدارة المفارز الأمنية، تنشر توجيهاتها للعناصر الإرهابية للعمل، بعد خسارة المدن، باعتبار أن تلك وسيلة ناجحة للاستمرار في العمليات الإرهابية.
ويعتبر «داعش» أن عمل الخلايا الأمنية «المفارز» يفوق في بعض الأحيان عمل جيوش من المقاتلين؛ لأنها تعمل في مناطق حيوية للقوات المحاربة، فتدفعها لإنفاق كم كبير من الإمكانات البشرية والمادية؛ لإعادة تأمين تلك المناطق، بحسب تقرير سابق لصحيفة «النبأ» الداعشية، نُشر تزامنًا مع معارك الفلوجة في 2016.
وتعمل المفارز على الاستنزاف الطويل لقدرات المحاربين للتنظيم الإرهابي، عبر استهداف مقرات القيادات، والعناصر الفاعلة، وتخريب طرق الإمداد والتموين، وتنفيذ الهجمات باستخدام العبوات الناسفة والأسلحة الكاتمة للصوت؛ لمضاعفة الخسائر دون عناء كبير.
وتعتمد على التنظيم العنقودي للخلايا، بمعنى أن كل خلية غير مرتبطة بالأخرى؛ إذ تعمل كل مجموعة بمفردها، وتتكون تلك المجموعات من صناع المتفجرات، ومنفذي عمليات الاغتيال، إضافة للعناصر المسؤولة عن الرصد، وتوفير الاحتياجات اللوجستية، ومقرات الإقامة الآمنة، وغيرها، وتوجه تلك الخلايا عبر إدارة المفارز الأمنية التابعة لديوان الأمن العام الذي يشرف عليه أمير داعشي يعين من قبل زعيم التنظيم «أبوبكر البغدادي».
وتطبق تلك المفارز، وصفة «البغدادي» للحرب الاستنزافية، عبر محاولة خلخة صفوف قوات الجيش والشرطة النظامية في المناطق التي تعمل فيها؛ لتنهار معنويات المقاتلين ضد التنظيم الإرهابي، ويبدأ «داعش» إحكام سيطرته على المنطقة، تمامًا كما حدث في الفلوجة، والموصل 2014؛ إذ دخلها التنظيم بعدد لا يتجاوز 300 مقاتل فقط في مقابل بضع وعشرين ألفًا من القوات الحكومية.
وفي أوقات أخرى تقوم المفارز الأمنية الداعشية، بعمليات جمع المعلومات عن التحركات العسكرية وغيرها، ونشر الشائعات ضمن الحرب النفسية، وتوجيه مفارز القصف بالصواريخ والهاونات أو ما يعرف بـ«رصد القصف»، والقيام بعمليات التخريب لخطوط الإمداد والاتصالات الخاصة بالجيوش، وغيرها من العمليات الإرهابية الأخرى، ويعتبر التنظيم الإرهابي أن دور المفارز الأمنية يشكل نصف المعارك الهجومية في أوقات عدة.





