جماعة الحوثي بين مطرقة غارات التحالف وسندان التفكك الداخلي
الثلاثاء 08/مايو/2018 - 10:12 م

طه علي أحمد
تشهد جماعة الحوثيين صراعًا داخليًّا بين جناحين أساسيين، يعرف الأول باسم «جناح صنعاء»، والآخر «جناح صعدة»، وهو الصراع الذي يتأثر بما يتوفر لدى كليهما من مساحات يُسيطر عليها على أرض الواقع.
يأتي ذلك في وقت تتزايد فيه حدة الهجمات التي تشنها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، في محاولة للحفاظ على تماسك الدولة اليمنيَّة، ومساندة الحكومة الشرعيَّة بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، رغم الدعم الإيراني المفرط للحوثيين كجزءٍ من سياسة نشر النفوذ الإيراني التي تتبعها طهران.
تأثر الأداء السياسي والعسكري لجماعة الحوثي بتضييق الخناق الذي يمارسه الجيش اليمني وقوات التحالف خلال الآونة الأخيرة، لاسيما بعد اغتيال صالح الصماد رئيس ما يُسمى بـ«المجلس السياسي الأعلى» في غارة لقوات التحالف في 19 أبريل الماضي بمحافظة الحديدة، ما مَثَّل ضربة موجعة لميليشيا الحوثي، إذ فتح ذلك الباب أمام الانقسامات بشأن التعامل مع التطورات القائمة، والخيارات المطروحة ما بين التصعيد العسكري وحشد مقاتلين للجبهات، أو التجاوب مع مساعي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، والعودة لطاولة المفاوضات مع الحكومة الشرعيَّة.
ففي الوقت الذي تحذر فيه قيادات بارزة بـ«المجلس السياسي الأعلى» من تداعيات الانهيارات المتصاعدة بعد نجاح قوات الشرعية في فتح جبهات جديدة للقتال عن طريق استهداف قادة الحركة، ترفض قيادات ما يُسمى بـ«اللجنة الثورية العليا» التي يقودها محمد علي الحوثي (ابن عم زعيم الجماعة) ذلك التوجه، معتقدة أن الدعم التسليحي الإيراني سيمكن الجماعة من فرض شروطها والحصول على مكاسب مضاعفة، وذلك رغم موقف سابق أعلن فيه محمد علي الحوثي، نيته الحوار من خلال تغريدة بتاريخ 30 يناير الماضي، ما يؤكد غياب رؤية واضحة بين قيادات الحوثي، خاصة في ظل تزايد حدة الضربات الجويَّة التي تشنها قوات التحالف ضد الحركة مؤخرًا.
وتزامن الخلاف في الرؤي بين أجنحة الحوثيين مع انتقال قيادة «المجلس السياسي الأعلى» لمهدي المشاط (صهر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي ومدير مكتبه)، الذي لم يَحظَ بالإجماع بين قادة الجماعة، ووصل الأمر إلى الاختلاف حول قيادة «المشاط» لحداثة سنه، فتَغَيَّبَ عن فعاليَّات أداء اليمين لمنصبه الجديد عدد من القيادات الحوثيَّة البارزة.
لم تكن خلافة المشاط للصماد من فراغ، بل لمكانته في الصفوف القياديَّة للجماعة، إذ لمع نجمه خلال الآونة الأخيرة، فلم يتوقف الأمر عند حد مصاهرته لزعيم الجماعة، وإدارة مكتبه، بل إنه يعتبر بمثابة «الصندوق الأسود» وحلقة الوصل التي تربط زعيم التنظيم بقياداته.
وشارك «المشاط» بقوة في اقتحام صنعاء، بجانب كونه من صقور ميليشيات الحوثي، وارتباطاته القوية بإيران، ما جعله صاحب السلطة الفعليَّة داخل «المجلس السياسي»، كما أن شخصيته تدفع في اتجاه الصدام مع معارضيه داخل صفوف قادة الجماعة، فقد عرفت عنه المواقف المتطرفة، خاصة في حسم الأمور سابقًا مع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.
كما يقف «المشاط» في إطار التكتل اليمني الذي يجمعه مع محمد علي الحوثي، وأبوعلي الحاكم، مقابل جناح يغلب العمل السياسي على العسكري كان يقوده الصماد سابقًا، ويتصدره عم زعيم الحوثيين عبدالكريم الحوثي، ما يرشح السيناريوهات التصادميَّة بين صفوف قيادات الحوثيين في المستقبل القريب.
الأمر الذي نتج عنه أزمة في الولاء بدأت تضرب صفوف الجماعة، في ظل عدم رضا جناح من قياداتها عن تولي مهدي المشاط خلافة الصماد، ما أدى لحدوث أزمة في الثقة بين قيادات الحركة التي ترى أن ذلك يدل على عدم ثقة عبدالملك الحوثي في بقية قيادات الصف الأول.
ولم يأتِ قرار تعيين مهدي المشاط رئيسًا للمجلس السياسي الأعلى، إلا ليُمثل اتجاهًا عامًّا داخل جماعة الحوثي لتبني منهج متشدد في إدارة الأزمة الراهنة باليمن، ما أسهم بدوره في تعميق الانقسامات داخل الصفوف القياديَّة للجماعة، إذ تم رفض أول قراراته، القاضي بتعيين 32 عضوًا في مجلس الشورى، بينهم قيادات بارزة من أجنحة الصراع الداخليَّة الحوثيَّة.
كما أن وجود «المشاط» على رأس أعلى هيئة تنفيذية منذ تشكيله في 28 يوليو 2016 بالمشاركة مع «حزب المؤتمر الشعبي العام» قبل انقلاب الحوثيين على الأخير وقتل علي عبدالله صالح، في 4 ديسمبر 2017، يُعدُّ مؤشرًا على دخول الجماعة معترك الانقسامات، وتبني الخيارات التصادميَّة مع الدولة اليمنيَّة وقوات التحالف، ففي أعقاب اغتيال الصماد، توعد المشاط الرياض بحرب مفتوحة، مستبعدًا أي توجهات سلمية لحل الأزمة اليمنيَّة، في الوقت الذي تتباين فيه الآراء بهذا الخصوص.
وفي هذا المناخ المضطرب تعيش جماعة الحوثي ارتباكًا واضحًا بين صفوفها سياسيًّا وعسكريًّا، خاصة مع تعرضها للعديد من الضربات، التي كان آخرها عملية قصف مباني الرئاسة التي تُسيطر عليها الجماعة في صنعاء، من قِبَل قوات التحالف، ما يُثير العديد من التساؤلات حول مصير الجماعة الذي بات مهددًا بين مطرقة ضربات الحكومة والتحالف، وسندان التصدعات الداخليَّة.