ad a b
ad ad ad

الإرهاب واستدعاء التاريخ

الأربعاء 20/مارس/2019 - 10:37 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة

أثارت النقوش المكتوبة على بندقية الإرهابي الذي قام بقتل عشرات المسلمين المصلين داخل مسجد بنيوزيلندا، العديد من التساؤلات حول طبيعة الإرث التاريخي وما يمكن أن يشكله في تعبئة النزعة العنيفة داخل نفوس بعض الأفراد، فالقاتل قبل دخوله إلى المسجد كان مشحونًا بعبارات عنصرية ورغبة في الانتقام غذّاها الخطاب التصاعدي لليمين المتطرف في عدد من بلدان العالم، للدرجة التي دفعت القاتل ليقول: إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو قدوته وأمله في استعادة هيمنة الجنس الأبيض مرة أخرى.

الإرهاب واستدعاء

قام القاتل بكتابة عدد من المسميات التاريخية ذات الدلالات الكبيرة بالنسبة للمسلمين العرب والغربيين على حد سواء، على سلاحه، ومن ضمن هذه التسميات «شارل مارتيل»، الذي انتصر على المسلمين في معركة بلاط شهداء في عام 732 ميلادية؛ ما أوقف تقدم المسلمين في غرب أوروبا.


كما قام ضمن «إسكندر بك»، وهو القائد الألباني الذي تمرد ضد الدولة العثمانية في القرن الـ15 واسم «ماركو أنطونيو براجادينو»، وهو قائد إيطالي خالف اتفاقية «فاماجوستا» التي تم توقيعها بين الدولة العثمانية وعدد من الدول الأوروبية.


تضمين هذه الأسماء يكشف أن الإرهاب المعاصر يعتمد على التاريخ القديم كوسيلة لتعبئة نفوس أتباعه، ودفعهم نحو الأفعال العنيفة، كما يؤكد أن الإرهاب الإسلاموي الذي يهدف إلى إعادة أمجاد الماضي بالقوة وترويع الآمنين يقابله إرهاب آخر، يستهدف المسلمين الأبرياء، محاولًا استعادة عصر استعمار الجنس الأبيض لما دونهم من الأجناس الأخرى.


ولأن تلك الحروب التاريخية كان تحتوى العديد من المآسي، خاصة أن الجانب الديني كان غالبًا عليها، نجد أن مجرد فكرة استدعائها والتطرق إلى النتائج التي ترتبت عليها يُساهم في توليد حالة احتقان داخلية، كما يزرع الرغبة في الانتقام.


ويكمن الحل في طي صفحة التاريخ تمامًا، وترسيخ محاولة التعايش بين الأطراف المختلفة، وهنا يتعين أن نشير لتجربة فرنسا وألمانيا، فرغم أن البلدتين كانتا عدوتين في كل من الحرب العالمية الأولي والثانية، ورغم أن كل طرف قد ساهم في تدمير الطرف الآخر، فإن الطرفين نجحا في تجاوز الماضي، وشكّلا المنطلق الرئيسي لتشكيل الاتحاد الأوروبي.

الإرهاب واستدعاء

اللافت للنظر أن زعيمي كلتا الدولتين اجتمعا العام الماضي للاحتفال بمرور مائة عام على نهاية الحرب العالمية، وكأن الدولتين أرادتا من ذلك التأكيد أن صفحة العداوة قد تم طيها، وأنهما تعيشان الآن في صفحة أخرى مبنية على التعاون والثقة المتبادلة، ومواجهة التحديات الأمنية بالتنسيق المتبادل.


تجاوز الماضي ليس في حاجة لقرارت حكومية بقدر ما يحتاج رغبة شعبية من الأطراف كافة، فالإعلام الذي يُعَدّ بمثابة ذاكرة العالم بمقدوره استدعاء هذه الأحداث؛ من أجل تحريض الشعوب على بعضها، كما بإمكانه استدعاءها من أجل إقناع العامة بمخاطر الحروب والعداوات.


التاريخ ممتلئ بالمآسي، وكل طرف لديه منه ما يزعجه ويعكر عليه صفوه، كما أن استدعاءه من أجل الشحن لا يصب في مصلحة أحد، وقد ساهمت فكره العولمة في زيادة ارتباط الشعوب ببعضها؛ ما أدي إلى تقليل نسب العداوة بين الشعوب. في الوقت ذاته لاتزال التكنولوجيا تحمل بعدًا سلبيًّا من خلال مساعدتها للخطاب المتطرف على التمدد والانتشار بسرعة.

الكلمات المفتاحية

"