إيران داخل الاتفاق النووي.. حسابات المكاسب والخسائر
تعهد المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي بعد فترة وجيزة من انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، بأن طهران لن تتسامح مع التقييد المتزامن لاقتصادها وبرنامجها النووي، وفي السياق ذاته، واصلت إيران الامتثال للقيود المفروضة على برنامجها النووي في إطار خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، التي تم تنفيذها قبل ثلاث سنوات.
وأعاد «ترامب» فرض عقوبات من جانب واحد في أغسطس ونوفمبر لعام 2018، وهو ما يعني تحمل طهران تكاليف اقتصادية شديدة؛ تمثلت في مزيج من العقوبات الاقتصادية والقيود النووية التي لم تشهدها من قبل.
وفي الوقت الذي يناقش فيه صانعو السياسات والمحللون كيفية تحسين أجواء العلاقة بين واشنطن وطهران، من المهم أن نفهم لماذا بقيت إيران في المقام الأول داخل الصفقة النووية بعد الانسحاب الأمريكي؟
يقول الكاتب هنري روم فى تحليل بمجلة «فورين افيرز» إنه لا يجب ألا نتخيل أن إيران ستظل داخل الصفقة بغض النظر عن التكلفة، أو أن قادتها يعتمدون على مجرد انتظار انتهاء فترة «ترامب» الرئاسية، كما أن الانسحاب من الاتفاق أو اتخاذ بعض الإجراءات الصغيرة لانتهاكه، يمكن أن يساعد طهران في بناء نفوذ ضد الولايات المتحدة في المحادثات المستقبلية، حتى وإن كان يشتت انتباه المواطنين من خلال تعزيز شعار الحكومة للمقاومة.
ويرى «روم» أنه يجب على طهران ألا تنزعج خشية أن يؤدي الانسحاب بالضرورة إلى الحرب، إذ يمكن لإيران أن تتخذ خطوات صغيرة لانتهاك الاتفاقية بما يمكنها من استغلال الوقت اللازم للتهديد بالعودة للتخصيب عند مستوى 20%، ثم تحاول اللعب على الوتر الآخر الذي يتمثل في أن كل ذلك يمكن أن يعود إلى وضع الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، إذا عادت الولايات المتحدة إلى المفاوضات.
ويشير الكاتب إلى أن العامل الاقتصادي، هو الأكثر بروزًا في الحسابات الإيرانية؛ فمنذ إعادة فرض العقوبات الأمريكية في نوفمبر لعام 2018، أصبحت هناك ملاحظتان لا مفر منهما؛ أولهما: أنه على الرغم من قوة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها ليست فعالة، والثانى: أن الأثر السلبي الذي خلفه الخروج الإيراني من الصفقة يعد أكبر من أي أثر إيجابي من الممكن أن تحصل عليه في ظل هذا الوضع.
كما إن مبيعات إيران من النفط وجهود أوروبا لتجاوز العقوبات الأمريكية تدعم هذه الاستنتاجات؛ حيث أدى التهديد بفرض عقوبات أمريكية إلى انخفاض حاد في صادرات النفط الإيرانية من 2.4 مليون برميل في اليوم في مايو 2018 إلى حوالي 1.25 مليون برميل يوميا في نوفمبر للعام ذاته، وبدافع من المخاوف بشأن أسعار البنزين المحلية، أظهرت واشنطن درجة مذهلة من المرونة؛ حيث أصدرت إعفاءات تسمح لثماني دول بمواصلة شراء الخام الإيراني ومشتقاته.
ويرى الكاتب أنه من مصلحة طهران البقاء داخل الصفقة النووية؛ حيث تعمل فرنسا، وألمانيا والمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي لإنشاء آلية لتجاوز العقوبات الأمريكية، وعلى الرغم من القصور الذي يعتري هذه الأداة ويتمثل أبرزها في عدم استخدامها في التجارة على نطاق واسع؛ لكنها يمكن أن توفر للشركات والمصارف قناة للتجارة القانونية والإنسانية مع إيران، مشيرًا إلى أن البقاء في الاتفاقية النووية يعزز من سياسة إيران الإقليمية؛ إذ إن انشغال قادة العالم بإنقاذ الصفقة النووية والحذر من استعداء إيران، جعلهم يتجاهلون الأنشطة الإيرانية غير النووية، ومن هنا يظهر تناقض الوضع؛ لأن إدارة «ترامب» بررت الانسحاب من خطة العمل المشتركة جزئيا، في إطار السماح للعالم بمعالجة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط بشكل أفضل.
ونتيجة لما سبق، يشير الكاتب إلي أن انسحاب طهران من خطة العمل المشتركة (JCPOA) من المرجح أن يعمل على تصاعد القلق الدولي بشأن أنشطتها الإقليمية، وسيحد من قدرتها على المناورة، ومن ثم تعد فكرة البقاء داخل الصفقة النووية هي البديل الأنسب.
ويرى هنري روم، أن عقد الاتفاق النووي ذاته في أبريل لعام 2015 ساعد إيران على توسيع علاقاتها التجارية والدبلوماسية، كما أدى امتثالها الذي أكده المفتشون الدوليون إلى تقويض محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للتعمق أكثر في أنشطة إيران النووية السابقة، والحفاظ على سمعة إيران دوليًّا، مختتمًا بأنه من المرجح أن يشهد عام 2019 انكماشًا اقتصاديًّا حادًّا، ولكن ستبقي إيران في إطار الصفقة النووية، وستبدأ حسابات إيران في التغيير إذا توقفت الصفقة عن تحقيق فوائد اقتصادية أو اتجه المجتمع الدولي لقمع نشاطها الإقليمي.





