«التبليغ والدعوة».. «الممر الآمن» إلى العنف
الخميس 29/مارس/2018 - 01:39 ص
عبد الهادي ربيع
تُصنَّف جماعة «التبليغ والدَّعوة»، على أنَّها جماعة وعظ وإرشاد، فهي توجه رسالتها ودعوتها للمسلمين، وغير المسلمين، بطريقة مبسطة وميسورة، بعيدًا عن الخلافات الفكرية والفقهية، وأيضًا الخلافات السياسيَّة -حسبما يشيعون عن أنفسهم دائمًا- وتهدف -كما تُعلِن- بشكل رئيسي لدعوة الناس للإسلام الصحيح، أكثر من تركيزها على تغيير الأنظمة السياسيَّة وإقامة ما يطلق عليه نظام «الدولة الإسلاميَّة».
وتعتبر الجماعة، ذات انتشار واسع عالميًّا، حيث بلغ عدد أعضائها ما يقارب 85 مليون شخص حول العالم، وتعقدُ الجماعةُ، تجمُّعًا سنويًّا لها بدولة بنجلاديش، يُقدر بأكثر من ثلاثة ملايين شخص، وهو التجمع الذي يُعد الأكبر لمسلمي العالم بعد موسم الحج.
تتوجه الاتهامات للجماعة، باعتبارها حضَّانةً للتكفير، أو لتفريخ المنتسبين إليها فيما بعد إلى الجماعات الإسلاميَّة الأخرى، كجماعة الإخوان، والسَّلفيَّة العلميَّة، التي تتخذ المنهج التعليمي وسيلة لتغيير المجتمعات، أو السَّلفيَّة الجِهاديَّة، التي نشأت مطلع التسعينيات وتبنت الجهاد كمنهج للتغيير.
يعود تأسيس جماعة «التبليغ والدَّعوة» في عام 1920 إلى محمد إلياس الكاندهلوي، (1885 – 1944)، المولود بقرية كاندهلة الهندية، وتُعد بذلك أقدم الجماعات الإسلامية في العالم، حيث سبقت تأسيس جماعة الإخوان التي تأسست عام 1928، ويُعتبر مركز «التبليغ والدعوة» في مدينة دلهي الهندية، هو المركز الرئيسي لها حول العالم، إلا أن مقر قيادة الجماعة انتقل إلى باكستان في وقت لاحق، وتولى مؤسسها إمارة الجماعة حتى وفاته، ثم تولى الإمارة ابنه محمد يوسف.
وانتشرت الجماعة سريعًا في الهند، وذلك لاعتمادها على مبدأين أساسيين، الأول: تبليغ من لم تبلغه الدعوة الإسلاميَّة من غير المسلمين حول العالم، ومحاولة إدخالهم للإسلام، والمبدأ الثاني: وعظ المسلمين وحثهم على الصلاة باعتبارها عِمَاد الدين الإسلاميّ.
ثم أعقب هذا دخول الجماعة إلى باكستان وبنجلاديش والعديد من الدول المجاورة في شبه القارة الهندية.
توجهت هذه الجماعة فيما بعد إلى العالم الإسلامي، فاستقبلها ملك المملكة العربية السعودية، ومؤسسها عبدالعزيز آل سعود (1876م – 1953م)، وأجاز وجودها، ودعا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1893م - 1969م)، رئيس شؤون الإفتاء في السعودية حينها، لدعمها.
كما توجهت كوادرها إلى مِصْر والشمال الأفريقي بداية من عام 1951، وانتشرت داخل المجتمع المصري، حتى أصبحت في المرتبة الثانية بعد السلفية، من حيث أعداد المنتسبين لها، حيث يُقدر عدد المنتسبين إليها في مصر وحدها بما يزيد على 250 ألف شخص.
وكان المُتَبنِّي لوجودها في مصر، إبراهيم عِزَّت، وهو داعيَّة مصري بصعيد مصر (1938 -1983)، واتخذت مركزًا لها بمنطقة «طموه» التابعة لمركز أبو النمرس، التابع لمحافظة الجيزة المصرية.
وقد كان «عزت» ذا توجه سلفي فاصطبغت جماعة «التبليغ والدعوة» في مصر بطبيعة إبراهيم عِزَّت السلفية.
بوابة «عِزَّت» إلى التشدد
غالبية المنتسبين للجماعات الجِهَادِيَّة تأثروا كثيرًا بفكر «عزت»، وانتسبوا إلى الجماعات الإسلاميَّة عبر المرور ببوابته، ويَظهَر ذلك واضحًا من خلال أشعاره، التي أنشدتها الجماعات الجِهَادِيَّة، ومن أبرزها ما غنَّاه المنشدان السوريَّان «أبومازن»، و«أبوراتب» مثل أناشيد، ملحمة الدعوة، نشيد الله أكبر، الرعب يسبق الخُطى، وغيرها من أغاني الجهاديين.
تأثر «التبليغيون» حول العالم بالطرق الصُّوفيَّة ذائعة الصيت، مثل الطريقة الجشتية، وهي إحدى أشهر الطرق الصُّوفيَّة في شبه القارة الهندية (بنجلاديش، بوتان، الهند، نيبال وباكستان)، ومؤسسها المُلقب بـ«شمس مملكة الهند»، الشيخ أحمد إبدال الجشتي، وُلد عام 537هـ في بلدة جشت في خراسان أحد الأقاليم الإيرانية (وتوفي عام 633هـ)، ويقيمون اعتبارًا خاصًّا لأعلام المتصوفة في التربية والتوجيه، وتشير بعض الدراسات إلى أنهم أخذوا أفكارهم عن جماعة النور (النورسية)، في تركيا، وأسسها (بديع الزمان سعيد النورسي) عام (1896م).
تعتمد جماعة «التبليغ والدَّعوة» في الأساس على الأسلوب السَّلِس والسَّهل، لجلب الأشخاص الباعدين عن الدين- من وجهة نظرهم- من رواد المقاهي والنوادي والسينمات والشوارع، لوضعهم في بيئة دينية بالدرجة الأولى، من خلال المُدد التي تحددها الجماعة لهم، وهي الاعتكاف في المساجد كل شهر ثلاثة أيَّام، وكل عام 40 يومًا، وفي العمر كله أربعة أشهر.
لجماعة التبليغ والدَّعوة، أصول للعمل وأدبيات، تعارفوا عليها، وتوافقوا على تطبيقها، في مجال الدَّعوة، ولم يكتبوها في كُتب، لكنهم توارثوها، وتقوم على ما يلي:
• إذا خرجوا للدعوة، أمَّروا عليهم أحدهم، فليس لديهم مناصب محددة، ولا وظائف دائمة، وتنتدب مجموعة منهم نفسها لدعوة أهل البلد الذي دخلوه.
• لا يسكنون المساجد، ولا ينزلون ضيوفًا على أحد، بل يأخذ كل واحدٍ منهم فراشًا بسيطًا، وما يكفيه من الزَّاد، والقليل من المال لينفق على نفسه، على أن يكون التقشف هو السَّمة الغالبة عليه، ثم يخرجون داعين الناس لسماع الخُطبة، أو البيان كما يسمونه.
وجهان لعُمْلَة واحدة
ورغم تكرار «التبليغ والدَّعوة» الدائم لعدم انتهاج العنف، أو المطالبة بتغييرات سياسيَّة، فإنه ثبتت علاقات كثير منهم؛ خاصة داخل مصر بكثير من الحركيين الجهاديين، وبهذا أصبحت الجماعة هي «الممر الآمن» لانتقال الشباب تحديدًا إلى التيار الإسلامي وتنظيمات العُنف، فأثناء التحقيقات الموسعة، التي شملت معظم قادة جميع فصائل الحركة الإسلاميَّة، إثر اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، فيما عُرف إعلاميًّا بـ«حادث المنصة»، خلال عرض عسكري أقيم بمدينة نصر بالقاهرة في 6 أكتوبر 1981، تبين أن الكثير من أعضاء وقادة الفصائل، خاصة «تنظيم الجهاد»، قد بدأ التزامهم الديني، عبر دعاة جماعة التبليغ والدَّعوة، ومن أشهر هؤلاء عبود الزمر أحد أشهر قادة تنظيم الجهاد.
ثَبُتَ أيضًا أن إبراهيم عزت، قد ألمح لــمحمد عبدالسلام فرج، مُنَظِّر جماعة الجهاد المصرية، ومؤلف كتاب «الفريضة الغائبة»، والمتهم الأول باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، بأنه مؤمن بمنهج تنظيم الجهاد، ولكنه لأسباب عديدة لا يُمكنه الانضمام للتنظيم، ولكنه في الوقت نفسه، ألمح لـ«فرج»، بأنه يمكن لتنظيم الجهاد، أن يُجَنِّد أعضاء التبليغ والدَّعوة سرًّا وفرادى، للعمل في صفوف تنظيم الجهاد، وكان نص كلامه حسب هذه الرواية «أنا أحضر لكم الناس من الشارع للمسجد وأنتم تولوا الباقي».
اختفت جماعة «التبليغ والدَّعوة» فترة طويلة من المشهد المصري خاصة، وكذلك العالمي، إلا أنها تُحارب من أجل البقاء، وعادت للظهور العلني، وممارسة أنشطتها في الشارع المصري مرة أخرى، أمام سينمات وسط البلد بالقاهرة في أواخر عام 2017، فقامت السلطات المصرية، ممثلة في قطاع الأمن الوطني، باستدعاء عدد من قيادات الجماعة، للتحقيق في حالة الانتشار التي تتم من قبل عناصرها.





