دلالات ورسائل زيارة «ترامب» الغامضة للعراق

أثارت الزيارة المفاجئة، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برفقة زوجته إلى العراق، للقوات الأمريكية في العراق، أمس الأربعاء، جدلًا كبيرًا في الأوساط السياسية والشعبية العراقية، إذ وصف زعماء سياسيون وزعماء فصائل مسلحة، الزيارة بأنها انتهاك لسيادة العراق، فيما رأى مراقبون أن الزيارة تأتي في وقت يكثر فيه الحديث عن مشروعات قوانين تطرحها الكتل السياسية في البرلمان العراقي لغرض وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، على غرار ما حدث في سوريا.

ردود أفعال غاضبة
أثارت الزيارة غضب العديد من الكتل السياسية في العراق؛ حيث دعا «صباح الساعدي» زعيم كتلة الإصلاح النيابية في بيان، إلى جلسة طارئة لمجلس النواب؛ لبحث «هذا الانتهاك الصارخ لسيادة العراق، وإيقاف هذه التصرفات الهوجاء من ترامب الذي يجب أن يعرف حدوده، فإن الاحتلال الأمريكي للعراق انتهى».
واعترض أيضًا على زيارة «ترامب» تحالف البناء، منافس كتلة الإصلاح في البرلمان، ويقوده هادي العامري، وهو زعيم فصيل مسلح مدعوم من إيران، وقال بيان لتحالف البناء: «زيارة ترامب انتهاك صارخ وواضح للأعراف الدبلوماسية، وتُبين استهتاره وتعامله الاستعلائي مع حكومة العراق».

الحكومة ترد
في ظلِّ الغضب الذي سببته الزيارة، أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، أن السلطات الأمريكية أبلغت نظيرتها العراقية بزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحالية للعراق.
وقال المكتب -فى بيان نقلته وسائل إعلام عراقية- إن السلطات الأمريكية أعلمت نظيرتها العراقية رغبة الرئيس الأمريكى بزيارة العراق لتهنئة الحكومة العراقية الجديدة، ولزيارة العسكريين الأمريكيين ضمن قوات التحالف الدولى الداعمة للعراق فى محاربة داعش، لافتًا إلى أن الحكومة العراقية رحبت بالطلب.
وأضاف البيان، أنه كان من المفترض أن يجري استقبال رسمي ولقاء بين رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي والرئيس الأمريكي، ولكن تباين في وجهات النظر لتنظيم اللقاء أدى إلى الاكتفاء عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع، خصوصًا بعد قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا، والتعاون المشترك لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وتوفير الأمن والاستقرار لشعوب وبلدان المنطقة.

رسائل الزيارة
المحلل السياسي العراقي، فراس إلياس، يرى في تصريح لـ«المرجع»، أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئة للعراق، تأتي في وقت يكثر فيه الحديث عن مشاريع قوانين تطرحها الكتل السياسية في البرلمان العراقي؛ لغرض وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، على غرار ما حدث في سوريا.
وأشار إلى أن زيارة «ترامب» فاجأت الوسط السياسي العراقي الذي لم يكن يتوقع هذه المفاجأة من العيار الثقيل؛ خصوصًا أن القاعدة العسكرية التي حضر فيها الرئيس الأمريكي كانت على بعد كيلومترات محددة من وجود ميليشيات مسلحة قريبة من إيران على الشريط الحدودي مع سوريا.
وأضاف أن دلالات هذه الزيارة تأتي كونها جاءت بعد إعلان الرئيس ترامب سحب قواته من سوريا خلال فترة تتراوح ما بين ٦٠ و ١٠٠ يوم، لتوضح طبيعة الخيارات الاستراتيجية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة، وتحديدًا أن العراق يشكل عمقًا استراتيجيًّا لإيران، ونقطة تهديد مركزية لأمنها القومي، وبوجود القوات الأمريكية هناك، فإن هذا يعني تصاعد مؤشر استهداف إيران خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس ترامب هناك، كان أشبه بخطاب حرب.
وأوضح فراس إلياس، أن هذه الزيارة تأتي على مجموعة من الأهداف الرئيسية أهمها أن العراق سيشكل مركزًا رئيسيًّا لوجود القوات الأمريكية، بل سيشكل قاعدة أساسية تفصل إيران عن سوريا، وتضرب مشروع إيران بربطها بالبحر الأبيض المتوسط، كما أنها أكدت بقاء القوات الأمريكية في العراق إلى مدى غير محدد، خصوصا أن هناك حديثًا يجري خلف الكواليس باستقدام قوات إضافية من قاعدة العديد في قطر، استعدادًا للمرحلة المقبلة، متابعًا أنه يمكن القول أيضًا بأن هذه الزيارة أرادت أن توصل رسالة قوية لإيران وأدواتها في العراق بأن الولايات المتحدة الأمريكية موجودة، ولها خياراتها وأهدافها التي ستبقى ملتزمة بها، حتى لو كلفها الأمر إنتاج فوضى جديدة في العراق، وتكون بمواجهة جديدة مع إيران وحلفائها في العراق.
واختتم المحلل السياسي العراقي تصريحاته بالقول: «يتضح لنا يومًا بعد يوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى خلال الفترة المقبلة، خصوصًا قبل الدخول في حالة صدام مباشر مع إيران تأمين وجود قواتها وقواعدها العسكرية في مناطق بعيدة عن التأثير الإيراني، فقبل أيام سحب قواته من سوريا، واليوم يركز وجود قواته في إقليم كردستان العراق والمناطق الغربية والشمالية الغربية، أي أننا أمام رقعة شطرنج أمريكية جديدة قد ترسم ملامح عراق جديد خارج النفوذ والتأثير الإيراني».