ad a b
ad ad ad

أمجاد وانتكاسات الحرب العالمية ضد الإرهاب

الجمعة 09/نوفمبر/2018 - 07:10 م
المرجع
عثمان تازاغرت
طباعة
سبعة عشر عامًا بعد انطلاق الحرب العالمية على الإرهاب، التي أعلنها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، لم يفقد الإرهاب الجهادي شيئًا من قوته ولا من وجوده على المستوى الدولي.. لا يرتبط التهديد الجهادي، الذي يستهدف العديد من العواصم الغربية، براديكالية أولئك الذين يدعون أنهم «جنود الله» فقط بل يعتبر أيضًا نتاجًا للانتكاسات العديدة التي واجهتها الحرب على الإرهاب في العقدين الأخيرين.
 بوش
بوش
هذه الانتكاسات، جاءت نتيجة لسلسلة طويلة من الأخطاء التي تفوقت فيها العقلية السياسية على الضرورات الأمنية، وقد ظهرت هذه الأخطاء في الأيام الأولى التي أعقبت الهجمات المروعة في 11 سبتمبر 2001.

ففي يوم 15 سبتمبر 2001، بعد 4 أيام من الهجمات، ذهب جورج تينيت، وكان آنذاك مديرًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إلى كامب ديفيد، بمصاحبة مدير مكافحة الإرهاب بالوكالة، كوفر بلاك، في صباح يوم السبت هذا، ولمدة 3 ساعات، عرض المسؤولان على الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني الخطة التي وضعتها وكالة المخابرات المركزية؛ للرد على الهجمات المرعبة التي أودت بحياة 2977 شخصًا.

كانت الخطة تقضي بإرسال ألف عميل من وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الخاصة إلى أفغانستان للقضاء على قادة القاعدة وتدمير قواعدهم، وتوازيًا مع ذلك، نصت الخطة على مضاعفة الجهود لحشد تحالف واسع يشمل جميع أمراء الحرب الأفغانية، وزعماء القبائل المعارضة لطالبان لقلب نظام الملا عمر الذي يحمي تنظيم القاعدة.
 أسامة بن لادن
أسامة بن لادن
صدّق الرئيس بوش على الخطة، وفي نهاية هذا الاجتماع، ردد لأول مرة طلبه الشهير بإحضار أسامة بن لادن حيًّا أو ميتًا ، ووعد تينيت بأن جميع الضربات  ستكون متاحةً، وأن كل الموارد الضرورية ستكون تحت تصرف وكالة المخابرات المركزية؛ لمحو إهانة الحادي من سبتمبر.

وعند عودته إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي، كان تينيت متحمسًا للغاية؛ لدرجة أنه لم يكن بوسعه الانتظار حتى تنتهي عطلة نهاية الأسبوع؛ لذلك، عقد يوم الأحد الموافق 16 سبتمبر، اجتماعًا عاجلًا لمديري الوكالة؛ لإطلاعهم على المهمة الجديدة.. قال تينيت : «نحن الآن في حرب ضد الإرهاب على نطاق عالمي».
 دونالد رامسفيلد
دونالد رامسفيلد
وبعد 3 أسابيع، تم التخلي عن خطة وكالة المخابرات المركزية الطموحة وبمبادرة من نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، تمكّن دعاة الحروب في إدارة بوش من إقناع الرئيس بأن الرد الأمريكي يجب أن يكون أكثر دراماتيكية، وبدلًا من الاكتفاء بـ«حرب الظل» التي اقترحتها السي آي إيه، نصح هؤلاء بإطلاق حملة عسكرية حقيقية لمعاقبة حركة طالبان علانية، وإخراجها من السلطة.

اقتنع بوش.. ولأسباب تتعلق أكثر بالعقيدة العسكرية الموروثة بعد هزيمة حرب فيتنام المريرة من البراجماتية التي كانت تفرضها صعوبة مطاردة الإرهابيين، قرر العسكريون الأمريكيون تبني الحل الأسهل وهو الضربات الجوية.

تساءل الخبراء كيف يمكن أن يُشكل هذا النوع من الضربات سلاحًا لمكافحة الإرهاب؟ كان واضحًا أن إلقاء وابل من القنابل على السهول والمناطق الجبلية في أفغانستان لن يؤديَ إلى اعتقال قادة القاعدة؛ لكن الخيار الذي انتصر داخل الجيش الأمريكي كان خيار الابتعاد عن الحرب البرية، واستخدام الغارات الجوية بشكل حصري. 
أمجاد وانتكاسات الحرب
الضغوط المتزايدة للرأي العام الأمريكي المعارض بشدة، منذ حرب فيتنام، لأي مشاركة للقوات الأمريكية خارج التراب الوطني، قادت استراتيجيي البنتاجون لتطوير نظرية اللاضحايا الشهيرة.. هذه الاستراتيجية تقضي بعدم الانخراط في أي حرب إلا إذا تم استيفاء الشروط التي من شأنها الحد من الخسائر داخل القوات المسلحة الأمريكية إلى الصفر.

هكذا ومنذ حرب فيتنام، استخدم الجيش الأمريكي الغارات الجوية كأسلوب وحيد للحرب؛ خاصة لأنها الوسيلة العسكرية التي تقترب خسائرها من الصفر؛ هذه الطريقة في شنِّ الحرب من بعيد من الجو، هي وسيلة فاعلة للغاية لتهدئة الرأي العام العالمي، الذي أصبح أكثر سلمية وأكثر حساسية تجاه خسائر الحروب من السكان المدنيين.

إضافة إلى ذلك، يُستخدم القصف المكثف كسلاح نفسي؛ بهدف تقويض معنويات العدو، ودفعه للاستسلام دون الاضطرار لمواجهته بشكل مباشر.
أمجاد وانتكاسات الحرب
في دراسة أجريت عام 1997، يشير الكابتن أندرو لامبرت، مدير دراسات الدفاع في معهد القوات الجوية الملكية البريطانية، إلى أن الجنود العراقيين الذين تعرضوا خلال حرب الخليج الأولى، في عام 1991، لقصف مكثف خلال 38 يومًا -وهو رقم قياسي في هذا المجال– سجلوا معدلات عالية جدًّا من الهروب من الخدمة تتراوح من 20 إلى 50٪؛ وهو ما يعادل 20 ضعفًا من عدد الجنود الذين قُتلوا أو سُجنوا خلال الهجوم البري الذي أعقب ذلك .

في ختام دراسته، اعتبر الكابتن لامبرت أن امتلاك زمام الأمور في السماء والتقدم التكنولوجي في مجال القصف الجوي هي أهم التطورات في فنِّ الحروب خلال القرن العشرين.. ومع ذلك، فهو يعتبر أن الغارات الجوية ليست -في المقام الأول- وسيلة للتدمير العسكري، حتى لو تسببت في خسائر كبيرة.

بالفعل الغارات الجوية هي سلاح سيكولوجي فاعل غير مسبوق لدفع جنود العدو للاستسلام دون قتال.
أمجاد وانتكاسات الحرب
يشرح المؤرخ الأمريكي ريتشارد هاليون، المتخصص في الحرب الجوية، الآثار النفسية الكارثية للغارات الجوية فيقول: «القنابل التي تسقط من ارتفاعات شاهقة تبلغ عدة آلاف من الأقدام، ينظر إليها الجنود على أنها خطر لا يمكن التنبؤ به، هذه القنابل تأتي من أي مكان، وتظهر في أي لحظة دون أن يتمكن أحد من حماية نفسه منها، نحن لا نُدرك وجودها إلا بعد وقوعها وسماع صوت انفجارها على الأرض، هذا يخلق خوفًا كبيرًا، فالجميع يعتقد أنه مراقب شخصيًّا، وأنه يمكن ملاحظته، والوصول إليه في أي وقت ».

وفي مواجهة طالبان، سرعان ما أتت الغارات الجوية بثمارها؛ لقد تحدث رجال التحالف الشمالي، الذين كانوا يلتقطون اتصالات قوات طالبان خلال الضربات الجوية التي سبقت سقوط كابل، والتي استمرت 8 أسابيع -تحدثوا بوضوح- عن الأعراض النفسية نفسها التي وصفها ريتشارد هاليون.
اعترفت طالبان في محادثاتها اللاسلكية الداخلية، أن صوت القنابل يسبب ذعرًا وخوفًا لا يمكن السيطرة عليهما؛ وهو ما يدفعهم للاضطراب والتحرك دون هدف، والهروب إلى أي مكان، وهناك تسجيل صوتي شهير لزعيمهم الملا عمر، يحثهم فيه -بعد أسبوعين من بدء الحرب- على «التوقف عن الركض في جميع الاتجاهات، مثل الدجاج الذي سيقطع رأسه»!
صدام حسين
صدام حسين
كما كان الحال في عراق صدام حسين عام 1991، وفي صربيا سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999، أثبتت الحرب ضد طالبان أن الغارات الجوية طريقة فاعلة لا يمكن إنكارها لكسر معنويات الجيش أو الحكومة ودفعهم إلى الاستسلام، دون الدخول في قتال بري.

ولكن الأمور تبدو أكثر تعقيدًا مع منظمة إرهابية مثل القاعدة؛ إذ وجد الأمريكيون أنفسهم أمام خصوم متعصبين لا يخافون الموت بل يرغبون فيه، وتجب مواجهتهم في حرب ظلٍّ غير متماثلة لا تبدو فيها القوة الضاربة والسيطرة على الجو هي العناصر الأكثر أهمية.

وهكذا أدرك المخططون العسكريون الأمريكيون في نهاية المطاف، أن الغارات الجوية ليست فاعلةً في مواجهة تنظيم مثل القاعدة؛ فالحرب الجوية لا يمكن أن تكون مجديةً في مكافحة الإرهاب؛ لقد سلموا بأن الحرب على الإرهاب يجب أن تكون في المقام الأول حرب معلومات
بوش
بوش
وعندما أعلن الرئيس بوش الحرب العالمية على الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، لم يكن أحد يتصور أنها ستكون حربًا بالمعنى العسكري التقليدي.

وقد ركز خبراء الإرهاب، بما في ذلك في الولايات المتحدة، في المقام الأول على ضرورة رصد وتعقب وتفكيك شبكات تنظيم القاعدة، وإعلان الحرب على مصادر التمويل الدولية للجهاديين، والمُنَظّرين والدعاة الذين هم بمثابة مجندين للتنظيمات الإرهابية، سواء في الدول العربية والإسلامية أو في بعض العواصم الغربية، كذلك الضغط بالوسائل العسكرية، إذا لزم الأمر على الدول التي تؤوي إرهابيين أو تنشئ لهم القواعد الخلفية ومراكز التدريب.

وفي هذا السياق، على الأقل في البداية، بدأت الحملة العسكرية في 7 أكتوبر 2001 ضد حركة طالبان التي كانت ترفض تسليم أسامة بن لادن، وتصرّ على تقديم واجب الضيافة له، وكانت الحركة توفر له ملاذًا ومركزًا للتلقين.
أمجاد وانتكاسات الحرب
ولكن بعد 8 أسابيع من الغارات الجوية وسقوط نظام طالبان، هل كان من الضروري الاستمرار في شنِّ الحرب على تنظيم القاعدة، وبالمنطق العسكري نفسه، كما لو كانت حربًا ضد جيش نظامي؟

لم يتجاهل الخبراء الأمريكيون أنهم سيواجهون جيشًا من الأشباح مدربين على الحياة السرية والأعمال الخارجة على القانون، وبعد سقوط نظام طالبان دخلت الحرب مرحلةً جديدةً من القتال غير المتماثل، والذي يتجاوز نمط القتال العسكري التقليدي الذي يكون فيه القصف الجوي كافيًا لإخضاع العدو ودفعه إلى الاستسلام دون قتال.

في الواقع، إن الجانب الجهادي والمتعصّب جدًّا للقاعدة قد غيّر الوضع بشكل جذري؛ فمثل هذا الاستسلام التطوعي لا يمكن تصوره مع مقاتلي القاعدة الذين يتوقون إلى الشهادة؛ ففكرة الموت لا تسبب لهم أي خوف أو ذعر، إنهم يحلمون بالموت في المعركة بخلاف جنود الجيش النظامي، إضافة إلى أنهم يرون أنفسهم أمام الشيطان الأمريكي الذي لا يعتبرونه عدوهم فقط، ولكن عدو الله أيضًا.

لكن على الرغم من كل هذه المؤشرات التي تنبئ بفشل مرير في حال المواجهة الكلاسيكية، قرر العسكريون الأمريكيون المضي قُدُمًا باستخدام الغارات الجوية فقط حتى عندما تم تحديد موقع بن لادن وأقرب مساعديه في جبال تورا بورا!
أمجاد وانتكاسات الحرب
انتهت معركة «تورا بورا» بالفشل المرير للأطروحات العسكرية في مواجهة الإرهاب؛ حيث لم يتم القبض على أيٍّ من كبار زعماء تنظيم القاعدة؛ ما دفع القيادة العسكرية الأمريكية للاستسلام بوضع الحرب ضد الإرهاب في منطق استخباراتي.

ومن أجل ذلك طوّرت القيادة العليا في المخابرات الأمريكية استراتيجية جديدة لم يسبق لها مثيل، مبنية على ذكاء تكنولوجي استخباراتي مدهش في الحرب ضد الإرهاب.

وفي الواقع، سمح البرنامج الإلكتروني «انالسيتيك نوتبوك» للأمريكيين بإنشاء قاعدة بيانات تضم البصمات الصوتية، وأرقام تليفونات لجميع المسؤولين في تنظيم القاعدة وأعضاء عائلاتهم (1) وبفضل نظام التنصت العالمي «ايشيلون» الذي تديره «وكالة الأمن القومي»، كانت المراقبة الإلكترونية تعد بنتائج لم يسبق لها مثيل.
في الواقع «إيشيلون» هو نظام آلي بالكامل للتنصت على نطاق عالمي، ويعمل بتقنية «الكلمات الرئيسية»؛ حيث تتم برمجة العبارات مثل «القاعدة» و«الجهاد» أو «بن لادن» في النظام الذي سيقوم بتسجيل جميع المحادثات التليفونية أو المراسلات عبر الإنترنت التي تظهر فيها هذه العبارات.

ويمكن أيضًا برمجة هذا النظام ليقوم بشكل منتظم بالإبلاغ عن أي مكالمة صادرة من رقم تليفون معين (هاتف محمول أو تليفون يعمل بالأقمار الاصطناعية على سبيل المثال) في أي بلد في العالم، كما يمكن أن يتعرف النظام على بصمة صوتية سبق تسجيلها؛ بصرف النظر عن الهاتف المستخدم والمكان الذي يوجد فيه صاحب البصمة الصوتية.

هكذا، وبفضل سرعة ومصداقية المعلومات الموثقة التي توفرها الاستخبارات الإلكترونية، سرعان ما اعتبرها الأمريكيون كبديل للنظام الاستخباراتي البشري القديم؛ لكن التكنولوجيا الحديثة ما لبثت أن أظهرت حدودها؛ حيث ظهرت مشكلة كبيرة في عمليات التنصت: كيف يمكن تصفية الكتلة الهائلة من الرسائل التي تم اعتراضها لتحليلها وتصنيفها حسب أهميتها؟
هناك أمثلة كثيرة تؤكد إخفاقات الاستخبارات الإلكترونية، وتثبت بأنه في مجال تحليل ومعالجة المعلومات لا توجد تقنية تكنولوجية تفوق العنصر البشري، الذي سيظل الأداء الرئيسي والوسيلة الأساسية للاستخبارات ضد الإرهاب.

ولكن الأجهزة الأمريكية لم تعترف بالثغرات الموجودة في الاستخبارات الإلكترونية إلا في صيف سنة 2003.
أسامة بن لادن
أسامة بن لادن
الإخفاقات المتكررة في مطاردة «أسامة بن لادن» الذي استطاع أن يهرب ويختبئ لما يقرب من عقد من الزمن بعد هجمات 11 سبتمبر، أقنعت السلطات الأمريكية بأن التقنيات الحديثة لن تكون فاعلة إلا إذا تم استخدامها من قِبل الخبراء المحنكين في مكافحة الإرهاب.

وهذا الإدراك لضرورة الجمع بين «الاستخبارات البشرية» و«الاستخبارات التقنية» أدَّى إلى أكبر إنجاز في الحرب ضد الإرهاب، خلال هذين العقدين الأخيرين من الزمن.

وتحقق ذلك بدءًا من ربيع 2004 بظهور «عدوّ مخفيّ»؛ ما جعل انتقالات قادة الإرهابيين محفوفة بالمخاطر حتى داخل الجماعات الأكثر أمنًا.. هذا العدو هو «وحش من حديد» يُدعى «بريداتور» (المفترس)، ويُعد من ضمن الطائرات الصغيرة التي تم تطويرها في بداية التسعينيات، والتي يُطلق عليها العسكريون «طائرات دون طيار».
أمجاد وانتكاسات الحرب
في البداية كان يتم استخدام هذه الآلات التي يتم التحكم فيها عن بُعد، في الاستطلاع الإلكتروني، وتم استخدامها ضد تنظيم القاعدة منذ أكثر من عام قبل هجمات 11 سبتمبر؛ حيث إن أول رحلة تجريبية تمت في 7 من سبتمبر سنة 2000 كانت في إطار عملية «عيون أفغانستان» التي استمرت 60 يومًا تحت قيادة مشتركة لكل من «وكالة المخابرات الأمريكية» والبنتاجون في مقر مشترك في أوزبكستان.

وأثناء هذه الحملة حلقت هذه الطائرات، فوق مزرعة «بن لادن» في «ترناك»، جنوب «قندهار» مرتين، والصور التي حصلت عليها كانت أوضح من الصور التي يتم الحصول عليها عبر الأقمار الصناعية الجاسوسية؛ حيث كان يمكن التعرف بوضوح على زعيم القاعدة الذي كان يتميز بطول قامته وعباءته البيضاء وسط معاونيه.

وبدأ المسؤولون عن مطاردة «بن لادن» يطورون من الإمكانيات الفائقة لهذه الآلات؛ لإطلاق صواريخ «جو أرض»؛ ليحولوها إلى سلاح قادر على ضرب الأهداف فور تحديد أماكنها.
حفص المصري
حفص المصري
هذا التحويل كان ممكنًا من الناحية التقنية؛ حيث إن التجارب الأولى التي تمت في فبراير 2001 في القاعدة العسكرية «نيليس» أسفرت عن نتائج مرضية؛ لكن ترى الشركة الصانعة لهذه الطائرات أنه يجب الانتظار 4 سنوات؛ لتحقيق هذه التحولات التقنية اللازمة قبل بدء الإنتاج التسلسلي لهذه الماكينات المجهزة للقتل، وطلبت القوات الجوية الأمريكية من الصانعين 30 طائرة ليتم تسليمها بداية سنة 2004.

ولكن أحداث 11 سبتمبر غيرت الوضع، خاصة أن هيئة أركان القوات الأمريكية في أفغانستان لا تريد أن تحرم نفسها من هذا السلاح الفتاك، وبموافقة البيت الأبيض تم تزويد 5 طائرات دون طيار بصواريخ 114 «هيل فاير» من ضمن 60 طائرة.

حلقت هذه الطائرات لأول مرة فوق مدينة «كابل» في 7 من نوفمبر 2001، وفي أقل من 10 أيام استطاعت إنجاز مهمة بالغة الأهمية، خاصة أن إحدى هذه الطائرات المزودة بالصواريخ كشفت البيت الصغير بغرب كابل الذي كان يختبئ فيه الزعيم العسكري للقاعدة، محمد عاطف المُلقب بـ«حفص المصري»، ودمرت هذا البيت على الفور؛ ما أسفر عن قتل محمد عاطف ونائبه «علي اليافعي» و6 من حراسهم.
أمجاد وانتكاسات الحرب
وبمرور الوقت تم تكثيف استخدام هذه الطائرات (4) ليصل ذروته في مايو 2004 بعد استلام 30 منها مزودة بالصواريخ من قبل شركة «جنرال أتوميكس»، ومن ثم أصدرت هيئة الأركان الأمريكية مرسومًا يقضي باستخدام واسع النطاق لعمليات قتل المستهدفين من زعماء الإرهابيين الذين يتم تحديدهم من قبل الطائرات دون طيار.

فكانت نقطة التحول في مطاردة زعماء تنظيم القاعدة؛ لأن تكثيف «حرب طائرات دون طيار» أصبح تهديدًا على القيادة المركزية للتنظيم، وحسب الدراسة التي أجرتها «مؤسسة أمريكا الجديدة» قامت هذه الطائرات بأكثر من مليون ساعة تحليق منذ 2004 في 80 ألف مهمة فوق الأراضي الباكستانية، وتم قتل 2588 شخصًا، منهم 1357 من تنظيم القاعدة.
أمجاد وانتكاسات الحرب
هذا العدو المخفي الذي يظهر بغتة من السماء بقوة فائقة في إطلاق النار لا يمكن التصدي له (7)، أصبح يشكل خطرًا على القيادة المركزية للقاعدة في المناطق القبلية الأفغانية الباكستانية، ثم تم استخدامه كوسيلة لسحق زعماء فروع التنظيم في اليمن، وفي منطقة الساحل في أفريقيا.

ومنذ سنة 2014، كانت هجمات الطائرات دون طيار فاعلة للغاية ضد زعماء «داعش» سواء في العراق وسوريا وفي ليبيا وأفريقيا.

وبدمج الخبرة البشرية مع التقنيات الحديثة، استطاعت الطائرات دون طيار أن تحل معضلة العلاقات بين أجهزة الاستخبارات المعنية بتحديد الأهداف الإرهابية والقيادة العسكرية المسؤولة عن تدمير هذه الأهداف.

ومن أجل ذلك، تُعتبر «حرب الطائرات دون طيار» أكبر إنجاز تم تحقيقه في الحرب ضد الإرهاب في فترة ما بعد هجمات 11 سبتمبر.
[i]  بعد شهرين أعلن بوش بشكل علني عن هذا الطلب، مشيرًا في خطاب ألقاه يوم 14 ديسمبر 2001 إلى أنه كان يُريد بن لادن حيًّا أو ميتًا، مضيفًا أنه كان يشير إلى عبارة المستخدمة في الغرب الأمريكي ومشهورة في أفلام الوسترن !

 [ii] في الواقع، في نهاية الأسبوع، أصدر بوش لوكالة المخابرات المركزية أمرًا تنفيذيًّا بتاريخ 17 سبتمبر 2001، يقضي باستخدام كل الوسائل المُمكنة لملاحقة واعتقال أو قتل الإرهابيين في العالم كله. كما سمح التوجيه الرئاسي للسي آي أيه بالتعاون مع أجهزة الدول الحليفة لسجن واستجواب المشتبه بهم وهو ما أدى لفضائح التعذيب والسجون السرية التي اندلعت في عام 2005.

[iii]  بعد أربعة أيام، أكد بوش مفهوم «الحرب العالمية على الإرهاب» في خطاب ألقاه أمام الكونجرس في 20 سبتمبر في مبنى الكابيتول.

[iv]  لشرح أسباب هذه النسبة الكبيرة للهرب من الخدمة، أجرى الجيش الأمريكي مسحًا واسعًا للسجناء العراقيين الذين استسلموا قبل الهجوم البري. كل هؤلاء الجنود أفادوا أنهم كانوا مذعورون بسبب الخطر المستمر وغير القابل للتنبؤ الذي تمثله القنابل، والذي جعل كل واحد منهم يعتقد أنه قد يموت في أي لحظة. لقد أغرقوا في حالة كبيرة من الإجهاد لدرجة أن نصفهم تقريبًا فكروا في الانتحار أو قتل رؤسائهم العسكريين المباشرين، في حال فشلوا في الهرب.

[v] والدليل على ذلك هو أن الجنود الذين يتعرضون لقصف جوي مكثفٍ وطويلٍ لديهم تصور مبالغ فيه عن هذا القصف. أثبتت ذلك شهادات الجنود الصرب الذين عانوا من الغارات الجوية الأمريكية خلال حرب كوسوفو في عام  1991 إذ أظهرت أن هذا الخوف يمكن أن يصل إلى حد الذعر بدرجة لا يمكن تصورها. واعترف بعض هؤلاء الجنود بأنهم يخافون الخروج من ملجأهم بمجرد حلول الظلام حتى لتدخين سيجارة؛ لأنهم كانوا مقتنعين بأن القاذفات الأمريكية يمكن أن تراهم في الظلام بسبب وميض سجائرهم المضاءة !

[vi]  تسجيل صوتي تم بثه في 21 أكتوبر 2001.
"