«شيخ الإرهاب يُسلِّم الراية».. مستقبل اتحاد «القرضاوي» بين «عراقي ومغربي»
«هذه آخر مرة أتحدث إليكم»، بدراماتيكية أشار الإخواني «يوسف القرضاوي»، أمام جمع من المعممين خلال افتتاح الدورة الخامسة لما يُسمى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» (منظمة إرهابية)، إلى عدم استمراره في منصبه رئيسًا للاتحاد، وذلك في مدينة إسطنبول التركية السبت الموافق 3 نوفمبر الحالي.
إعلان «القرضاوي» نيته في تسليم راية رئاسة الاتحاد، كان له تأثير كبير على الحاضرين من المنتمين أو المتعاطفين أو المحسوبين على جماعة الإخوان.
قبل عام تقريبًا، حذرت 4 دول عربية، وهي «مصر والإمارات والسعودية والبحرين» من المشروع الإخواني ذاك «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، كاشفة عما يحمله من وجه إرهابي؛ إذ صنفت تلك الدول مجتمعة الاتحاد كـ«منظمة إرهابية»، ووضعت «القرضاوي» ضمن قائمة مشتركة للشخصيات الإرهابية، في غضون قرارها مقاطعة قطر لدعمها الإرهاب.
وقرار «القرضاوي» (مصري - قطري) التخلي عن رئاسة الاتحاد إلى «قيادة جديدة» بعد 14 عامًا من ارتباط اسم كليهما بالآخر، كان مفاجئًا منذ التمهيد لفك الارتباط وحتى التخلي؛ إذ صرحت مصادر في الاتحاد قبل أيام من إطلاق جمعيته العمومية، بأن تغييرات ستنال للمرة الأولى من رأس الاتحاد، وألمح الأمين العام علي القرة داغي في تصريحات صحفية، إلى إمكانية عدم استمرار «القرضاوي» في منصبه، لكنه ترك الحسم للشيخ نفسه خلال المؤتمر.
والتوجه الأخير لتغيير قيادة الاتحاد، وتنحية «القرضاوي» عن المشهد، يمكن قراءته في إطار سعي جماعة الإخوان لتحسين صورة الاتحاد عالميًّا، بعدما حبسه التصنيف الإرهابي، بين دولتي «قطر، وتركيا» الداعمتين للجماعة؛ حيث زاد التصنيف «عزلة الاتحاد»، وفق الباحث في شؤون الحركات الإسلاموية سامح عيد، وبات غير قادر على إطلاق فاعليات في دول إسلامية كباكستان، أو دول أوروبية، رغم أنه مسجل في الأصل في أيرلندا، وانطلق مؤتمره التأسيسي من لندن عام 2004.
هل يُغير ابتعاد القرضاوي من طبيعة الاتحاد؟
الاتحاد كاسم لم يذع صيته سوى بصيت مؤسسة «يوسف القرضاوي»؛ حيث بلوره كمشروع «إسلامي» ظاهريًّا، يسعى إلى «خدمة القضية الإسلامية عالميًّا»، بصبغة شعبية، فهو ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به، و«عمليًّا» يعدُّ ذراعًا إضافية لمؤسسات جماعة الإخوان الدولية بتمويل واستضافة قطرية.
ويقول الباحث سامح عيد، عن الاتحاد: «استطاع الاتحاد عند تأسيسه أن يجذب عددًا كبيرًا من الشخصيات الدينية المرموقة، وكان ذا صدى وثقة، كمنظمة إسلامية، وذلك قبل أحداث الربيع العربي؛ حيث سُيس الاتحاد بشكل واضح، وانحاز كليًّا لمواقف جماعة الإخوان، وحاد عن هدفه؛ ما أفقده سمعته؛ وأدى إلى انسحاب كثير من الشخصيات الإسلامية المرموقة منه، مثل المفكر محمد سليم العوا، ومجموعة دعاة من دول عدة».
ومن ثم ابتعاد «القرضاوي» عن الاتحاد في تلك المرحلة تحديدًا، ربما يعكس محاولة لصنع صدى جديد للاتحاد بعيدًا عن مؤسسه، خصوصًا بعدما ارتبط اسم القرضاوي بالقيادة الشرعية للإخوان، التي تتورط أجنحتها المسلحة في مصر بقتال الجيش والشرطة، وكذلك بفتاواه التي أجازت العمليات الانتحارية، واستخدمتها التنظيمات الإرهابية لشرعنة أفعالها، وفتواه بإباحة دم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، ومن ثم توثقت صلة الاتحاد ورئيسه بالإرهاب، فضلًا عن تحريضه ضد مصر عبر دعوته إلى «الجهاد فيها»؛ إذ سعى إلى تحويلها «سورية ثانية» عقب عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي عام 2013.
لكن السيناريو السابق لا يلقى وجاهة لدى الباحث في شؤون الحركات الإسلاموية «أحمد بان»، مرجحًا الإقدام على اختيار قيادة جديدة فقط إلى الحالة الصحية لـ«القرضاوي» الذي تخطى الـ90 عامًا، ومن ثم حاجتهم إلى قيادة أكثر قدرة على الحركة؛ من أجل تنشيط الاتحاد؛ بما يصب في صالح الجماعة ويخدم أهدافها.
وقال «بان»: «حتى إذا ابتعد القرضاوي فمن سيصعد في موقعه هو شخص من الاتحاد نفسه، والاتحاد مصنف بأعضائه كافة كـ«منظمة إرهابية» وليس القرضاوي فقط، هم لن يلجؤوا إلى استيراد قيادة جديدة لتحسين الصورة، كما أن جماعة الإخوان ليست لديها المرونة للتخلي عن القرضاوي أو دفعه للابتعاد، المجتمعون هؤلاء (الجمعية العمومية لاتحاد العلماء المسلمين)، هم المرجعية الفكرية والفقهية للجماعة، والقرضاوي تحديدًا ذو رمزية شديدة لدى التنظيم».
وحول الملفات التي يمكن أن تطرحها الجماعة في اجتماع يضم ذلك العدد الكبير من مرجعياتها، قال «بان» لـ«المرجع»: «الجمعية العمومية لم تعلن عن أجندتها، وهو ما يضعها موضع التكهنات، لكنه وطبقًا للمرحلة الحالية من عمر الجماعة تلح قضايا، مثل فك الارتباط بين الدعوي والسياسي، أو البحث عن وجهات جديدة للجماعة، والأهم محاولة فك وصمها بالإرهاب».
وحول الوصم بالإرهاب، أكد الاتحاد -خلال مؤتمره الأخير- إدانته لأفعال تنظيمي «داعش، والقاعدة»، كما دأب خلال المرحلة الماضية على التفاعل مع العمليات الإرهابية التي تشهدها بلدان عربية (بخلاف دول الرباعي العربي) ببيانات تدينها، فيما يتجاهل الاتحاد العمليات التي تتورط فيها الجماعة أو حتى «داعش» في مصر، فمثلًا أدان حادث تفجير انتحارية نفسها في تونس، ولم يلتفت إلى الهجوم على حافلة للأقباط في المنيا (جنوب مصر) في 2 نوفمبر 2018.
من يخلف القرضاوي؟
يبرز الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين «علي قرة داغي» (عراقي كردستاني)، والنائب أحمد الريساني (مغربي)، في قائمة المرشحين الأوفر حظًّا لخلافة «القرضاوي»، وكلاهما مدرجان على القائمة الرباعية المشتركة للإرهاب.
ويبدو أن «داغي» يملك الشخصية القيادية «الحادة، والهادئة» في آنٍ واحد، ما يؤهله لقيادة الاتحاد، وظهرت شخصيته تلك في رده على بيان «هيئة كبار العلماء السعودية» في أكتوبر 2017، أي قبل أيام من البيان العربي المشترك، والذي حذرت فيه من الاتحاد على اعتباره «كيانًا يقدم مصلحة حزب على الإسلام»؛ إذ ظهر في مداخلة مع قناة «سي إن إن» الأمريكية، مدافعًا «برصانة» عن كيانهم، متجنبًا الهجوم على «هيئة كبار العلماء السعودية».
وفي موقف آخر، خرج «داغي» نافيًّا موقف نسب له عبر مواقع التواصل الاجتماعي من رؤيته الرسول في المنام حاملًا «ليرات تركية»، في إشارة واضحة إلى «حلم الخلافة التركية»، لكنه خرج لينفي صلته بما تداول.
ويتصدر «داغي» فعاليات الاتحاد كافة، سواء بحضور مؤتمرات في تركيا أو إصدار البيانات للتعليق على الأحداث، فكلها تصدر باسمه، ويعج الموقع الرسمي للاتحاد بصوره؛ ما يشير إلى دوره المحوري داخل الاتحاد.
في المقابل يبدو «الريسوني»، والذي تُرجح تقارير إعلاميه كفته، أكثر صدامية من «داغي»؛ حيث دأب الهجوم على النظام السعودي، تحقيقًا للأجندة القطرية، كما أن اختياره وهو القيادي الإخواني البارز في المغرب يعزز ثقل الجماعة في المغرب العربي، بالنظر إلى حزب النهضة في تونس، علمًا بأن الاتحاد له فرع في تونس بالقرب من مقر حزب النهضة، ومازال يُمارس أنشطته بصورة طبيعية؛ حيث يقدم الدورات مستقطبًا أجيالًا من الشباب لمشروعه الإسلامي من وجهة نظر إخوانية.
فاعليات المؤتمر.. استمرار النهج
إذن، من المتوقع أن يشهد المؤتمر في ختامه يوم 8 نوفمبر الحالي، تنصيب قيادات جديدة تحمل مؤشرات للتوجه الإخواني في المرحلة المقبلة على مستوى الأهداف والجغرافية، والتغيرات هي الأوسع؛ حيث تشمل رئيس الاتحاد ونوابه والأمين العام، علمًا بأن وكالة «الأناضول» التركية، نقلت أن الجمعية العمومية الأخيرة هي الأكثر من حيث أعداد الحضور، والتي وصلت إلى 1500 مشارك من 80 دولة.
وشاركت قيادات الإخوان في الدول العربية، خصوصًا دول الاشتعال مثل ليبيا، التي شارك منها وفق مواقع أخبار ليبية، «علي الصلابي، وونيس المبروك، وسالم الجابر، وسالم الشيخي»، كما شارك القيادي في التنظيم الدولي للإخوان الموريتاني «محمد الشيخ ولد الددو»، وشارك أيضًا وفد كبير من الهند، والذي ركز الاتحاد على حضورهم، وهو ما يعكس العناية المستقبلية للتنظيم بالهند، خصوصًا إذا ما علمنا أيضًا أن الرئيس الحالي لإحدى المؤسسات الإخوانية العريقة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية «ISNA»، هندي الجنسية.
وحافظ «القرضاوي» في ظهوره الأخير كرئيس للاتحاد على الوجه الإخواني الكامل؛ حيث ركَّز على تمجيد تركيا والمشروع التركي في المنطقة، مقابل الهجوم على المملكة العربية السعودية، انطلاقًا من قضية مقتل الصحفي «جمال خاشقجي».
وتركيا من جانبها، لم تكن لتمرر مؤتمر كهذا دون العزف على وتر الخلافة، والإشارة مجددًا إلى مشروعها في المنطقة؛ حيث قال رئيس الشؤون الدينية التركية «علي أرباش»، خلال كلمته في المؤتمر: «مشكلة العالم الإسلامي تكمن في التفرقة، وللأسف الشديد أن التفرقة الجغرافية حملت معها تفرقة فكرية».





