ad a b
ad ad ad

إعادة توظيف النساء داخل «داعش».. آليات الاستقطاب (1-2)

الخميس 04/أكتوبر/2018 - 05:18 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة

مثلت أدوات «داعش» الاستقطابية، طفرة حقيقية في قدرة التنظيمات المتطرفة على جذب المقاتلين من بقع جغرافية مختلفة، بغض النظر عن السياق الاجتماعي لكل بقعة من هذه البقع؛ حيث اعتاد التنظيم تنويع خطابه الدعائي من مكان لآخر؛ من أجل تعظيم قدرته على جذب المزيد من المقاتلين الأجانب.


إعادة توظيف النساء

ورغم أن استقطاب «داعش» للمقاتلين الرجال بأعداد كبيرة كان أمرًا مريبًا، فإن هذه الريبة تضاعفت مع زيادة قدرة التنظيم المتطرف على استقطاب النساء؛ حيث أشار تقرير صادر عن الاستخبارات الكازاخستانية، في 2014، إلى أن نحو 50% من الكازاخستانيين الذين انضموا لتنظيم داعش كانوا من النساء، وفي السياق نفسه، أشارت رئيسة الاستخبارات الألمانية هانس جورج Hans Georg Maassen في 2015، إلى أن عدد النساء الألمان اللائي انضممن لـ«داعش» بلغ نحو 100 امرأة، من إجمالي 700 ألماني هاجروا؛ من أجل الانضمام للتنظيم، وهو ما يؤكد قدرة داعش الكبيرة على استقطاب النساء.



وقد أسهم إدراك «داعش» بطبيعة الإشكاليات الفردية التي تواجه النساء في البقع الجغرافية المختلفة في زيادة قدرته على استقطابهن؛ كما أدى تعمق اللجان الاستقطابية التابعة للتنظيم في دراسة السلبيات الناجمة عن حالة القمع والتهميش النسائي في بعض المجتمعات إلى ترسيخ هذه القدرة، ولم يغفل التنظيم عن تقديمه حلولًا للنساء اللائي يعانين من ثقافة التحرر الزائد في المجتمعات الأوروبية.



وقد اختلف تنظيم داعش مع باقي التنظيمات المتطرفة في تعاطيه مع المرأة، فبينما تتبنى أغلب التنظيمات الجهادية رؤية محافظة بخصوص النساء تتضمن عزلهن تمامًا عن الحياة العامة وقصر عملهن على تربية الأجيال، قام تنظيم داعش بتبني رؤية دمجيه لهن؛ فأشرك البعض منهن في هياكل أنظمته الصحية والتعليمية، كما اضطرته الهزائم العسكرية التي مُنى بها في سوريا والعراق إلى تدريبهن عسكريًّا، قبل أن يتم تقديمهن لجبهات القتال بدعوى الحفاظ على بقائه.



ولذلك، تتطرق هذه الدراسة تفصيلًا إلى الأدوات التي مكنت تنظيم داعش من استقطاب النساء بأعداد كبيرة، إضافة إلى الكيفية التي استخدمها التنظيم في إعادة توظيفهن.

إعادة توظيف النساء

أولًا: استقطاب داعش للنساء

تبنت التنظيمات المتطرفة، بصفة عامة، رؤية تهميشية للمرأة بشكلٍ عام، وقامت بقصر دورها على تربية الأجيال الصغيرة وفق المبادئ الدينية التي تقرها الهيئة التشريعية داخل كل تنظيم، وفى المقابل، تبنى تنظيم داعش رؤية دمجية للمرأة في هياكله الإدارية والعسكرية، فجعلها أكثر فاعلية مما كانت عليه في أي تنظيم آخر، ويفسر ذلك توجيه التنظيم لأداته الإعلامية بضرورة استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء.


وفي إطار سياسته الاستقطابية للنساء، تبنى تنظيم داعش سياسة مرنة محددة الأبعاد، فعمد من خلالها إلى تعظيم سلبيات تعاطي المجتمعات مع النساء المسلمات، فضلًا عن ترويجه لحلول مثالية على المستوى النظري، وبعبارة أخرى، لم يتبع التنظيم سياسة موحدة جامدة في تعامله مع كل النساء، بل عمد إلى جعل أدواته أكثر مرونة في تعاطيها مع الإشكاليات الفردية الخاصة بكل امرأة.


ووفق هذه الاستراتيجية، عمدت لجان التجنيد الإلكترونية التابعة للتنظيم إلى استغلال نقاط الضعف لدى كل فتاة، قبل أن يصور لها التنظيم نفسه بصفته الخلاص من إشكالياتها النفسية غير المنتهية، ولعل ذلك هو أكثر ما ميّز داعش عن بقية التنظيمات المتطرفة، لأن باقي التنظيمات اعتمدت فقط على الوازع الديني في استقطابها.


ولم يغفل تنظيم داعش عن استغلال مظاهر القهر والتهميش المجتمعي داخل بعض المجتمعات، قبل أن يقدم البديل للعناصر النسائية، فأقر لهن مرتبات مالية شهرية بمجرد هجرتهن إليه والزواج من أحد مقاتليه؛ حيث أشار تقرير صادر عن جريدة الواشنطن بوست الأمريكية إلى أن مقاتلي تنظيم داعش يتقاضون مبلغًا قدره 50 دولارًا عن كل زوجة؛ ما يعني أن التنظيم قد أخذ على عاتقه مسؤولية توفير القوت اليومي للنساء المهاجرات إليه.


وفي السياق نفسه، خاطب التنظيم النساء اللائي فشلن في إثبات ذواتهن بسبب ذكورية مجتمعاتهن، قبل أن يقنعهن بقدرته على توفيره وظائف دائمة لهن، تضمن مشاركتهن في الحياة العامة بمعدل أكبر من ذلك الذي يمكن تحقيقه في مجتمعاتهن، وفق أطر دينية تتناسق مع ذواتهن الراغبة في تجنب التحرر الزائد الناجم عن بعض الثقافات (مثل الثقافة الأوروبية)، وما ينجم عنه من أضرار للفطرة البشرية نفسها.


ولا يمكننا أن نغفل رغبة بعض النساء في تولي أدوار جديدة في دولة التنظيم، التي كانت بحاجة إلى كوادر جديدة في المجال العام؛ من أجل تثبيت نفسها على الواقع، فعلى سبيل المثال، أكد تقرير صادر عن معهد الخدمات الملكية لدراسات الدفاع والأمن (يتخذ من لندن مقرًا له)، أن عددًا كبيرًا من النساء تم التغرير بهن وجذبهن نحو تنظيم «داعش» اعتقادًا منهن أن التنظيم سوف يوفر لهن فرص التمكين المجتمعي، وفي سبيل تحسين صورته وظهوره بصورة الداعم للمرأة على عكس باقي التنظيمات الجهادية، افتتح «داعش» كلية للطب في مدينة الرقة، بعد أن منح الذكور والإناث فرصًا متساوية للالتحاق بها.

إعادة توظيف النساء

ومن أجل تعميق قدرته على جذب النساء، تعمد «داعش» مخاطبة النساء، اللائي يعانين من عنف مجتمعي قبل أن يقدم نفسه بصفته الحافظ لحقوق المرأة التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها بأي طريقة ممكنة وتحت أي ظرف.


وفي بعض الحالات، استغل التنظيم المتطرف بعض حالات الإحباط التي لحقت ببعض النساء نتيجة إشكاليات اجتماعية أو اقتصادية، قبل أن يعمل التنظيم على محاولة تفعيل النزعة الإنسانية لديهن، وإقناعهن بقدرتهن على بدء حياة جديدة بين جدران دولته، على أن تتضمن هذه الحياة التنفيس عن الغضب المكبوت من خلال تقديم المساعدة للمتضررين من الحرب. 


ويؤكد هذا الأمر رواية الفتاة البلجيكية لورا باسوني laura passoni التي ذكرت أن سبب انضمامها لداعش في 2015 هو الإحباط الذي لحق بها نتيجة انفصالها عن صديقها، قبل أن يعرض عليها شاب تونسي (تعرفت عليه في بلجيكا) الخلاص من إشكالياتها النفسية بعرضه الزواج منها؛ بشرط أن تسافر معه إلي سوريا، لكن الفتاة البلجيكية لم تلبث في سوريا إلا تسعة أشهر قبل أن تتمكن من الهرب بسبب ظروف الحياة المأساوية.


ويلعب الرفض الفردي للثقافة الأوروبية التحررية، فضلًا عن الشعور بالاغتراب دورًا في دفع النساء نحو التنظيمات المتطرفة بعد أن تصور لهم الأخيرة نفسها بصفتها الدولة الأخلاقية التي لا تقر من القوانين إلا ما يتناسق مع الفطرة البشرية.


صحيح أن مجرد الذهاب والانضمام لداعش كافٍ لدحض هذه الادعاءات، لكن الأداة الإعلامية للتنظيم تعمدت إظهار أي نقد موجه ضدها بصفته نقدًا موجهًا من الأجهزة الاستخبارية العالمية، وهو ما ساهم في تقليل أثره على قدرة التنظيم الاستقطابية.


وفي حالات أخرى، قد تضطر بعض الفتيات المسلمات تحت وطأة القيود العائلية إلى الهرب والاتجاه إلى تنظيم داعش كوسيلة لاستعادة التحكم في قراراتها المصيرية، فضلًا عن رغبتها في إثبات ذاتها المهمشة أمام عائلتها.


ونستنتج من ذلك أن التسلط العائلي داخل الأسر المسلمة التي تعيش في مجتمعات متحررة، قد يأتي بمردود عكسي إذا فشلت هذه العائلات في تحقيق نوع من التوازن بين قيّمها الدينية المحافظة وبين رغبة أولادها التحررية؛ ما يعني أن وصول الكبت العائلي الى مستويات مرتفعة يلعب دورًا في دفع الأفراد نحو الأعمال العنيفة.


وليس سرًّا أن بعض الفتيات قد غادرن أوروبا، واتجهن نحو داعش، نتيجة شعورهن بالاضطهاد دينيًّا، خاصة فيما يتعلق بارتداء الحجاب. 


بمعنى آخر، دفع صعود اليمني المتطرف وما يحمله من خطاب معادٍ للمسلمين في أوروبا عددًا من الفتيات للاتجاه نحو داعش؛ ومن أجل زيادة هجرة الأوروبيات إليه، عمد التنظيم الإرهابي الى تعظيم الكراهية ضد الغرب، مستخدمًا التدخلات الغربية العسكرية في البلدان المسلمة كمثال لتعميق الإدراك الفردي لأفراده بوجود نظرية المؤامرة عليه؛ ما ساعده على استقطاب النساء تحت دعوى الدفاع عن الإسلام ضد الهجمة الغربية.


ولا شك في أن الدول الأوروبية تتحمل جزءًا من مسؤولية نجاح الأداة الإعلامية لداعش في جذب الأوروبيات؛ بسبب عدم قدرتها على معالجة الإشكاليات المجتمعية التي توفر ملاذًا آمنًا لأدوات التنظيم الاستقطابية.

مراجع

1- Radio free Europe, Kazakhstan intelligence: 150 Kazakh women are members of IS, https://www.rferl.org/a/under-black-flag-kazakhstan-kazakh-women-islamic-state/26698040.html


2- Business insider, 700 Germans are fighting for isis and the number of women joining keeps growing, http://www.businessinsider.com/700-germans-are-fighting-for-isis-and-the-number-of-women-joining-keeps-growing-2015-6


3- Joby Warrick, Cash-strapped ISIS offers $50 a month to fighters — but more if they own sex slaves, the Washington post, https://www.washingtonpost.com/news/checkpoint/wp/2016/04/22/cash-strapped-isis-offers-50-a-month-to-fighters-but-more-if-they-own-sex-slaves/?noredirect=on&utm_term=.f98676a02a13


4- Lizzie Dearden, How isis attracts women and girls from Europe with false offer of empowerment, independent

https://www.independent.co.uk/news/world/europe/isis-jihadi-brides-islamic-state-women-girls-europe-british-radicalisation-recruitment-report-a7878681.html



5- Quilliam, women of the Islamic state, A manifesto on women by al khanssaa brigade,

https://therinjfoundation.files.wordpress.com/2015/01/women-of-the-islamic-state3.pdf



6- Nicole Morley, women who fled to Syria to join isis says its nothing like they promised, Metro,

https://metro.co.uk/2016/04/28/woman-who-fled-to-syria-to-join-isis-says-its-nothing-like-they-promised-5846440/



7- Patrick Tucker, defense one, why join isis: how fighters respond when you ask, The Atlantic, https://www.theatlantic.com/international/archive/2015/12/why-people-join-isis/419685/


8- The Guardians, for isis women, it is not about jihadi prides: its about escape, https://www.theguardian.com/world/2015/jun/21/isis-women-its-not-about-jihadi-brides-its-about-escape


9- Maren Hald Bjørgum, Jihadi Brides: Why do Western Muslim Girls Join ISIS?, Global Politics Review, vol. 2, no. 2, October 2016: 91-102, http://www.globalpoliticsreview.com/publications/2464-9929_v02_i02_p091.pdf

"