الموسيقى.. سلاح فعال للقضاء على التطرف والإرهاب
تتعدد الدوافع والأسباب التي تجعل من الشباب فريسة تقع بسهولة في براثن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ويأتي «الاكتئاب» على رأس هذه الدوافع، ويؤكد الكثير من الخبراء والعلماء أن الموسيقى واحدة من أهم سبل علاج هذا المرض الذي يودي بصاحبه إلى طريقين؛ إما الموت عن طريق الانتحار، أو الارتماء في أحضان المتطرفين.
وهناك العديد من الدراسات تؤكد أن الموسيقى بجانب تأثيرها الإيجابي في تعافي مرضى القلب، وكذلك الأوعية الدموية، وتنشيط الذاكرة اللفظية لدى الأطفال، ومعالجة العواطف والقلق؛ فإن دورها إيجابي لأبعد الحدود في التخلص من الاكتئاب، وما ينتج عنه من أعمال إرهابية ينفذها عناصر الجماعات الإرهابية، وذلك وفقًا للبحوث الطبيعية القياسية.
وفي هذا السياق، يشير سكوت أتران، عالم الأنثروبولوجيا، إلى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الإرهابيين الذين يرتكبون أعمال عنف ليسوا مضطربين
نفسيًّا أو «تم غسل أدمغتهم»، مؤكدًا أن هؤلاء يعانون من أقصى حالات الاكتئاب، إلى
أن يصل بهم الحال لقيامهم بأعمال إرهابية فردية، مثل أولئك الذين يطلق عليهم «الذئاب المنفردة».
علاقة «الاكتئاب» بالإرهاب
هناك العديد من الدراسات التي تبحث عن طريقة لإنهاء ظاهرة الإرهاب، حيث لم تستطع المواجهات العسكرية والحلول الأمنية، والمؤسسات الدينية حتى الآن القضاء على هذه الظاهرة، وتشير بعض الدراسات إلى أن زيادة عدد المنتحرين، سببه معاناة هؤلاء من اكتئاب مزمن، وهذا الاكتئاب يُعد السبب الرئيسي لإقبال الأشخاص على الموت، أو الانضمام لصفوف الجماعات الإرهابية.
ويؤكد موقع «مايد إن أمريكا»، (موقع علمي أمريكي متخصص لرصد ومتابعة الأمراض النفسية)، من خلال دراسة أعدها، أن الشباب الذين يعانون من اكتئاب مزمن، يتطرق إلى تفكيرهم غالبًا اللجوء إلى التخلص من حياتهم عن طريق الانتحار، أو الانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية، وهذا يرجع إلى سعيهم في الحصول على ملاذ ينتقمون عن طريقه من أذى نفسي، أو عاطفي لحق بهم، أو إقصاء اجتماعي، أو أسري، أو وظيفي.
وتوضح الدراسة الأمريكية، أنه كلما ازدات مدة الوحدة والانعزال تأثر سلوك المكتئب، بنزوعه إلى التطرف للتنفيس عن شعوره بالغضب المكمون في النفس، فيما يجعله يبحث عن الخلاص، لكن بطريقة يختارها ملائمة ليتلاحم مع الجماعات الإرهابية، مشيرةً إلى أن الجماعات الإرهابية بدورها تستغل الشباب الذين يعانون من ضغوط اجتماعية ومشاكل نفسية، وتستخدم طاقتهم في تنفيذ العمليات الوحشية.
وتختلف الدوافع الخاصة بالشباب القادم من المناطق الأوروبية والأمريكية عن الأسباب التي تدفع الشباب العربي المسلم للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية؛ فالشباب الغربي لا ينطلق من معاناة اقتصادية ولا من أسباب مادية، بل تلعب كثير من الدوافع الاجتماعية والأسرية والنفسية والتربوية والدينية الدورالأكبر وراء هجرة هؤلاء الشباب إلى الأماكن التي يسيطر عليها الإرهابيون.
علاج الإكتئاب بالموسيقى.. للتخلص من الإرهاب
بدأ استخدام الموسيقى في علاج العديد من الأمراض منذ زمن بعيد؛ فقد استخدمها العلماء العرب لعلاج بعض الأمراض النفسية، لذا كتب «ابن الهيثم» عن تأثير الموسيقى في النفوس، و«الرازي» استخدم العود لشفاء العلل النفسية، واستخدم اللحن والتنغيم للمساعدة في عمليات الشفاء، كما اخترع «الفارابي» آلة القانون؛ ليقينه أن الموسيقى لها تأثرعلى النفس البشرية ومزاجها، كما لها دور في تحريك الانفعالات البشرية.
أما في العصر الحديث، فكانت الجمعية الوطنية للعلاج بالموسيقى في مصر أول مركز عربي للعلاج بالموسيقى (1950)، ثم تأسس المعهد الوطني لحماية الطفولة في تونس، ومركز الشرق الأوسط للعلاج في الأردن، وفي عام (2006 ) بدأ استخدام هذا النوع من العلاج بمبادرة شخصية من مجموعة من المتخصصين في علم النفس.
وأظهرت دراسة أيرلندية أجراها باحثون بـ« «Queen Univeristyفي العام 2014، أن العلاج بالموسيقى يخفف من الاكتئاب عند فئة الشباب، ويعزز من ثقتهم بأنفسهم، وأوصت الدراسة الشباب بالخضوع لجلسات العلاج بالموسيقى لتزيد فعالية الدواء.
وكشفت دراسة أجرتها «آمي نوفوتيعن»، الباحثة بجامعة شيكاغو، في عام 2013، أن هناك علاقة بين الموسيقى وتخفيف الألم؛ حيث بينت أن قوة الشفاء جاءت من خلال الاهتزاز، وذلك عن طريق امتصاص الجسم للترددات الصوتية، مما يساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب والآلام.
كما أوضحت الدراسة أن جميع أشكال الموسيقى لها آثار مفيدة، حيث تعزز الوعي والحساسية للمشاعر الإيجابية، وهناك أدلة علمية قوية تدعم استخدام العلاج بالموسيقى لتعديل المزاج، وعلاج القلق، وتخفيف التوتر، كما تعمل على تقليل السلوك العدواني والاعتداء على الآخرين الذي قد يصل في بعض الحالات إلى سفك الدماء، أو ارتكاب جرائم إرهابية.
في السجن الموسيقى علاج
وهناك العديد من مبادرات علاج الإرهابيين والخارجين عن القانون بالموسيقى، وبحسب صحيفة «الرأي» اللبناينة؛ فإن المعهد الوطني للموسيقى بلبنان، نظم محاضرة في عام 2006، تحت عنوان: «العلاج بالموسيقى في السجن»؛ تحدث فيها قائد قوى الأمن الداخلي اللبناني، الدكتور إيليا فرنسيس الصافي، قائلًا: «إن العلاج بالموسيقى أصبح ضروريًا في القضاء على الكثير من الأمراض النفسية والعصبية ومشاكل التوتر التي يعاني منها المسجونون، وتحصين الشباب الذين لديهم دوافع للانضمام للجماعات المسلحة».
وأوضح «الصافي»، أنه تم إجراء تجربة مع ثلاث فئات، الأولى: هم المرضى النفسيون، والثانية: هم المصابون بأمراض عقلية، والثالثة: فئة المحكوم عليهم بالمؤبد والإعدام؛ حيث تم تطبيق هذا النمط من العلاج على 5000 سجين تتنوع مستوياتهم الدينية، كما تبين أن العلاج بالموسيقى يساعد على الاسترخاء والانصراف عن العدوانية التي تؤدي للقيام بأعمال إرهابية؛ كما تساعد الانسان على أن يتصالح مع ذاته والآخرين.
وأشار قائد قوى الأمن الداخلي اللبناني، إلى أنه تواصل مع جمعيات أوروبية تهتم بالموسيقى، لتزويده بالمراجع والكتب الموسيقية، حتى يحمى من لديه الدوافع للانحراف، وكذلك من يعاني من الاكتئاب المزمن، وبالتالي حماية هؤلاء من الانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية.
الجماعات الإرهابية تحبط الموسيقى لنشر فكرها التطرف
«احذروه فهو يكره الموسيقى».. هي مقولة خالدة وصف بها «فولتير» متطرفي الكنيسة في عهده وفي كل العهود؛ فلاشك أن كراهية كل ما يعلو بنفس الإنسان من مظاهر الفن، تُعد صفة مميزة لكل الجماعات المتطرفة (بدون استثناء)؛ لذا فإن الجماعات الإرهابية تحرم أي مظهر من مظاهر الفن والجمال والموسيقى كخطوة أساسية لنشر أفكارها المتطرفة.
ومن جانبه، يقول الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية: «إن خوف القيادات المتطرفة من فقدان سيطرتهم على العناصر الموالية لهم هو السبب الرئيسي في تحريمهم الفن»، موضحًا أن الفن يحرر الفرد من القيود التي تفرضها تلك القيادات، وتجعله صاحب شخصية مستقلة قادرة على النقد وإبداء الرأي المخالف وهو عكس أفكار تلك الجماعات الإرهابية.
ويؤكد «قناوي»، أن كل لون من الموسيقى يؤثر على الحالة النفسية عند الإنسان، فهناك ما يتسبب في تشدد وتشنج الأعصاب، وهناك لون آخر يؤدي إلى حالة من الاسترخاء، وكلاهما يعتمد في المقام الأول على فكر الإنسان صوب الشيء.
جرائم الجماعات المتشددة ضد الموسيقى
شنت الجماعات والتنظيمات الإرهابية، العديد من الحملات العدائية ضد الموسيقى ومن يمارسها أو يسمعها؛ ففي أحد الميادين العامة بسوريا، اعتدى متطرفون على مجموعة موسيقيين بالضرب، ودمروا آلآتهم الموسيقية، عقابًا لهم على عزف «موسيقى غير إسلامية» على حد تعبيرهم، وفي نوفمبر من العام 2015 ، نُشرت مجموعة من الصور لملثمين من عناصر التنظيمات الإرهابية أثناء قيامهم بحرق آلات موسيقية من بينها الطبول الغربية أو ما يعرف بـ«الدرامز»، وذلك في مدينة درنة الساحلية شمال شرق ليبيا، حسبما ذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية.
ولم تتوقف تهديدات الجماعات الإرهابية عند ما سبق ذكره؛ ففي فبراير من العام 2016، ذبح عناصر تنظيم داعش، شابًا عراقي الجنسية يبلغ من العمر 15 عامًا، أمام الجميع، بعدما اتهموه بسماع الأغانى على موسيقى الـ«بوب»، وذلك وفقًا لموقع «20 مينيت» الفرنسى.
«داوني بالتي كانت هي الداء».. محاربة الإرهاب بالموسيقى
«داوني بالتي كانت هي الداء».. هكذا يؤكد الدكتور فتحي قناوي؛ فما دام عناصر الجماعات الإرهابية يكرهون الفن والموسيقى والرياضة والأدب؛ فإن هذه الأنشطة مجتمعة أو منفردة، قد تكون من أفضل الوسائل لمقاومة المتطرفين والإرهابيين.
وتتوافق رؤية «قناوي»، مع ما ذكرته صحيفة «إل جورنالي» الإيطالية، من أن القوات الخاصة البريطانية شنت في يونيو من العام 2016، حربًا على الجماعات الإرهابية، بسلاح حرمته تلك الجماعات على نفسها، وذلك عن طريق استخدام الموسيقى، وتحديدًا موسيقى الأفلام الهندية الصاخبة، التي منعها متطرفو داعش في ليبيا، وكذلك في المناطق التي احتلوها، وقد جاء استخدام هذا السلاح لمجابهة الإرهابيين نزولًا على نصيحة من خبراء الحروب النفسية.
وكشف خبراء الحروب النفسية في تصريحات صحفية سابقة، أن إيقاع الموسيقى الهندية الصاخبة المستخدمة من قبيل القوات البريطانية في محاربة عناصر التنظيم الإرهابي «داعش»، تؤثر على تدميرأعصاب مسلحي التنظيم، كما تتسبب في هيجانهم وتوترهم أثناء المواجهات العسكرية.





