ad a b
ad ad ad

16 شهرًا بين الدواعش.. هكذا اخترق «السوداني» صفوف التنظيم

الأحد 19/أغسطس/2018 - 01:15 م
حارث السوداني
حارث السوداني
شيماء حفظي
طباعة
16 شهرًا قضاها «حارث السوداني»، النقيب بالاستخبارات العراقية، وسط صفوف تنظيم داعش، كجهادي متطرف، دون أن يعلم عناصر التنظيم أنه جاسوس يمرر معلومات مهمة عنهم لفرع سري في وكالة المخابرات الوطنية في العراق.

كان انضمام «السوداني»، للتنظيم «صعبًا» على المستوى النظري، لكنه قرر خوض هذا التحدي، وتعلم لهجة الرمادي، وهي المنطقة التي يحكمها السنة، وكان يدقق في القرآن، ويحفظ الآيات التي يفضلها الجهاديون، ولم يقف الأمر على المظاهر التي تتوق لعناصر التنظيم، لكنه بدا وكأنه يحمل شعاراتهم، فتعلم الهتافات التي استخدموها للصلاة والقتل.

يوصف «السوداني» (وهو مسؤول سابق في مجال الكمبيوتر، ويبلغ من العمر 36 عامًا)، بأنه كان أكبر جاسوس في العراق، وهو واحد من قلة في العالم تمكن من اختراق الحدود العليا لداعش (التنظيم الأكثر تطرفًا في العالم)، وفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز».
حارث السوداني
حارث السوداني
كانت وحدة «الصقور» بوكالة المخابرات الوطنية العراقية، كلمة السر في تحول «السوداني» من مطارد للفتيات، يعمل في الصيانة بمؤسسة نفطية، إلى أكبر جاسوس تمكن من اختراق صفوف تنظيم داعش.

وفي تقرير نشرته «نيويورك تايمز»، وصفت الصحيفة كيف كان «السوداني» سائقًا ينقل ذخائر تنظيم داعش، استعدادًا لتنفيذ عمليات إرهابية، ومشاعر الرعب تنتابه خوفًا من كشف حقيقته.

ووفقًا لـ«نيويورك تايمز»، فإن «السائق (السوداني) كان يتصبب عرقًا، بينما كانت شاحنة الكيا البيضاء الخاصة به تُساق على طول طريق بغداد السريع المطري نحو حي يعج بالأسواق المفتوحة.. كان في هيكل الشاحنة 1100 رطل من المتفجرات العسكرية التي خطط داعش لاستخدامها في هجوم جريء على المتسوقين في عشية رأس السنة في العاصمة العراقية… قد يقتله سائق على الطريق بقنبلة، أو يتطور صدام في إحدى نقاط التفتيش المتكررة في بغداد إلى إطلاق نار؛ ما قد يؤدي إلى إشعال نار جهنمي واحد، ولكن هناك سببًا آخر وراء خوفه، وكان السائق هو النقيب حارث السوداني، جاسوسًا».

كان «السوداني»، يغامر بحياته كل يوم أثناء انغماسه وسط عناصر تنظيم داعش؛ فهو معرض للموت في كل لحظة، فإذا لم يقتله نصف طن من المتفجرات البلاستيكية من طراز C-4، فربما يقتنصه أحد عناصر التنظيم، ومع إحساسه بالخطر في هذه المهمة أرسل رسالة إلى والده، قال له فيها: «صلوا من أجلي».

ومن المعروف أن وحدة مخابرات مكافحة الإرهاب في العراق، هي أهم منظمة في الخطوط الأمامية للحرب على الإرهاب التي تعمل في صمت دون أن يعرف عنها أحد شيئًا، ونجحت «الصقور» في زرع عدد من الجواسيس داخل صفوف داعش.

وقد ساعدت معلومات «السوداني»، الاستخبارية على طرد المتطرفين من معاقلهم الحضرية الأخيرة في العام الماضي، وهي تساعد الآن في البحث عن قادة الجماعة، مثل «أبوبكر البغدادي».

وبحسب ما نقلته «التايمز» عن مسؤولين بالوكالة، فإن لدغة عراقية أمريكية تقوم على الاستخبارات العراقية، أدت أخيرًا إلى اعتقال 5 من كبار أعضاء داعش، كانوا مختبئين في تركيا وسوريا.

ووفقًا للصحيفة؛ فإن المسؤولين العسكريين الأمريكيين، يعتبرون أن وكالة المخابرات الوطنية العراقية، جيدةً، وأنهم يحصلون منها على خدمات التجسس.
16 شهرًا بين الدواعش..
وقال الكولونيل «شون جيه. رايان»، المتحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد: «لقد ثبت أنه وحدة ذات قيمة بالغة.. الصقور قللت من خطر الدولة الإسلامية من خلال التسلل إلى زنازينها وقتل قادتها وإرهابها وتدمير أسلحتها».

طُرد «السوداني» من الجامعة، وهدده والده بعدم البقاء في العائلة بعدما اتجه لملاحقة الفتيات، وهذا ما جعله يستقر في زواج مدبر، ويعود إلى المدرسة، ليدرس اللغتين الإنجليزية، والروسية. 

عمل «السوداني»، في أنظمة مراقبة البنية التحتية النفطية في العراق، في الوقت الذي كانت الهجمات الإرهابية شبه اليومية تمزق بلاد الرافدين، ثم انضم إلى وحدة «الصقور» التي أنشئت في العام 2016.

تطوع «السوداني»، للانضمام إلى صفوف داعش، وقال قائده اللواء سعد الفالح: «إنه كان مدفوعًا بصور لأطفال قُتلوا في هجمات داعش، وتمت ترقيته إلى قائد، وبدأ التدريب ليصبح جهاديًّا».

وبعد قبوله في صفوف التنظيم، أصبح يُعرف باسم «أبوصهيب»، وهو رجل عاطل عن العمل من حي غالبية سكانه من السنة في بغداد، ومهمته «التسلل إلى مخبأ داعش السيئ السمعة في الطامية، وهي بلدة تقع على مقربة من تقاطع طريقين سريعين كانا مركزًا للانتحاريين المتوجهين إلى العاصمة».

توجه «السوداني»، إلى مسجد في الطارمية؛ حيث تستخدمه خلية داعشية لعقد الاجتماعات، وبقي في الداخل طوال اليوم، وهو وقت أطول مما خطط له هو ورؤساؤه، لكنه نجح في النهاية ورحب عناصر الخلية بانضمامه إليهم، وكانت أيامه الأولى مع داعش مليئة بالتدريب على الدين والمتفجرات.

بعد بضعة أسابيع، اتصل مسؤول كبير في الدولة الإسلامية بالموصل، وكلف «السوداني» بجزء رئيسي في سلسلة الخدمات اللوجستية لعمليات التفجير الانتحاري في بغداد، واعتبرته حاسمًا في الحصول على القاذفات على نقاط التفتيش على مشارف العاصمة وداخل المدينة.

وفي مكالمات هاتفية أسبوعية، كانت الموصل تأمر «السوداني»، بمقابلة المفجرين الانتحاريين الذين يصلون إلى الطارمية من الأراضي التي تسيطر عليها داعش أو لالتقاط سيارة مفخخة، وفي كل مرة كان ينبه «الصقور» وستكون مهمتهم اعتراضه، ومن معه، قبل وصولهم بغداد.

وبحسب ما نقلته «التايمز»؛ فإن تعاون «السوداني» مع «الصقور»، كان يتم من خلال تتبع سيارة مطاردة للأول، وهو يقود سيارته باستخدام معدات تشويش لمنع الإشارة إلى مفجِّر القنبلة الذي عادة ما يتم تعيينه عن بعد، عن طريق الهاتف المحمول، من خلال التواصل عبر الهاتف أو الإشارات اليدوية، يقوم رفاقه بتوجيهه إلى مكان يمكن فيه تعطيل القنبلة، إذا كان ينقل مهاجمًا، فسيخرجه من السيارة ليُلقى القبض عليه أو يُقتل.

ثم تقوم «الصقور»، بإجراء تفجيرات وهمية، وإصدار نشرات إخبارية مزيفة، والتي تدعي في بعض الأحيان وقوع خسائر كبيرة في الأرواح (وهي جزء من الجهد المبذول للحفاظ على غطاء «السوداني») بحسب الصحيفة.

وبالطريقة نفسها، شارك «السوداني»، في تحقيق سجل هائل ومذهل من النجاحات، فأحبط 30 هجومًا مفجرًا بواسطة السيارات المفخخة، و18 مهاجمًا انتحاريًّا، كما أعطى خطًّا مباشرًا لبعض كبار قادة داعش في الموصل، بحسب ما قاله أبوعلي البصري، مدير الوكالة للصحيفة.

لكن الأمر لم يستمر، فيبدو أن أمر «السوداني» قد كشف، وقرر تنظيم داعش معاقبته، ففي أوائل يناير 2017، دُعِيَ الرجل إلى مهمة في موقع جديد، وحذرته الوكالة من التلبية، لكنه قرر الذهاب، واختفى بعدها.

ولأن الطارمية كانت معقلًا لداعش، فقد استغرق الأمر 3 أيام لكي تقوم قوات الأمن العراقية بتخطيط وتنفيذ عملية إنقاذ، فداهمت قوة مشتركة من الجيش والشرطة، لكن لم تجد أثرًا لـ«السوداني».

وفي أغسطس، أصدر تنظيم داعش، شريط فيديو دعائيًّا يظهر مسلحين يُعدمون سجناء معصوبي الأعين، كانت الصقور متأكدة من أن «السوداني» كان واحدًا منهم، وقال أخوه: «لست بحاجة إلى رؤية وجهه لمعرفة أخي».

وتقديرًا لجهوده، أصدرت قيادة العمليات المشتركة في العراق بيانًا حول تضحيته من أجل الأمة، كما نشرت الصقور قصيدة لشجاعته.

لكن عائلة «السوداني»، لاتزال تكافح للحصول على ما تعتبره الاحترام المناسب؛ لأنهم لا يملكون جسدًا، ولم يتمكنوا من الحصول على شهادة الوفاة، وهو شرط أساسي للحصول على الفوائد بسبب سقوط الجنود.

وتقارن الصحيفة بين حالة العائلة، ووحدة «الصقور» بأنه بالنسبة إلى الوحدة، فقد ساعدت نجاحات «السوداني» في الحصول على ميزانيات أكبر، وتقدير أوسع بين الحلفاء، وتدريب أفضل لرجالها.

ويقول المسؤولون في المخابرات العراقية: إن الأمريكيين والروس يساعدونهم الآن على اختراق داعش.
"