التمكين في رسائل الإخوان.. حلم الدولة المزعومة
السبت 18/أغسطس/2018 - 03:02 م
دعاء إمام
تأصلت جذور نظرية التمكين في عقول اتباع جماعة الإخوان (1928) منذ عهد المؤسس حسن البنّا (1906-1949)، إذ أورد في كلمته بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الجماعة، فيما عُرف برسالة المؤتمر الخامس الذي عُقد في فبراير 1939، إن فريقًا من الناس يتساءلون «هل في منهاج الإخوان أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم؟ وما وسيلتهم إلى ذلك؟».
وأجاب: «الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنًا من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد، والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحد منها عن الآخر».
وأكد في خطبته الموثقة في كتاب موسوم بـ«رسالة التعاليم»، أن المصلح الإسلامي -يقصد الإخوان- إن رضي لنفسه أن يكون فقيهًا مرشدًا يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله، ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره، فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد، ونفخة في رماد، كما يقولون.
انحراف عن الدعوة
أما ما يبيّن انحراف الجماعة عن المسار الدعوي والسعي للحكم؛ فهو قوله: «قد يكون مفهومًا أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله، وتنفيذًا لأحكامه، وإيصالًا لآياته ولأحاديث نبيه، أما الحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر، فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف».
ووسط تصفيق من الحضور، وكلمات مدح وإطراء، لا تخلو من قول «الله أكبر»، يستكمل المرشد الأول حديثه الذي نال إعجاب بني جماعته، فتابع مخاطبًا الحشود: «على سبيل هذا فالإخوان لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله».
ولَمح «البنا» في عيون رجاله حماسة، وتأهب لانتزاع الحكم من أيدي مَن زعم أنهم لا ينفذون أوامر الله، فأضاف موجهًا نصائحه لهم: «الإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود.. والإخوان لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها، ولا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة، ولا غيرهما من الحكومات الحزبية، من ينهض بهذا العبء، فلتعلم الأمة ذلك، ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية، وليعمل الإخوان المسلمون لذلك».
مبادئ خطة التمكين
من بين الحضور، كان شاب في عامه الثامن عشر، يصغى إلى تعليمات الشيخ الذي بايعه قبل سنوات ثلاث، وهو مصطفى مشهور (1921-2002) الذي أصبح فيما بعد مرشدًا خامسًا للجماعة (1996-2002)، فلم تمر عليه خطبة «البنّا» مرور الكرام، بل حفظها وأضاف عليها، ليضع ما تُعرف بـ «خطة التمكين» التي خطّ فيها وسائل الجماعة للوصول للحكم.
وفي عام 1992، عثرت قوات الأمن المصرية على وثيقة سرية مكونة من 13 ورقة، في منزل القيادي الإخواني خيرت الشاطر، تمحورت حول سبل التغلغل في الدولة؛ تمهيدًا للاستيلاء على الحكم، وعلى الرغم من أن الوثيقة وُجدت بحوزة «الشاطر»، إلا أن واضعها هو «مشهور» الذي كان هاربًا خارج مصر وقتذاك؛ هربًا من الملاحقات الأمنية.
وتتعلق الوثيقة بخطة الإخوان من أجل استخلاص الحكم، والاستعداد لتحمل مهام المستقبل، وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتّى -كما تؤكد الوثيقة- بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية، وقطاعات الطلاب والعمال والمهنيين، وقطاع رجال الأعمال والفئات الشعبية الأقل قدرة، باعتبارها حجر الزاوية في خطة التمكين.
وتبيّن أن من شأن انتشار جماعة الإخوان في هذه القطاعات أن يجعل قرار المواجهة مع الجماعة أكثر صعوبة، ويفرض على الدولة حسابات أكثر تعقيدًا، كما أنه يزيد من فرص الجماعة وقدرتها على تغيير الموقف وتحقيق التمكين.
ونصت الوثيقة على «أن المحافظة على الحالة من التمكين التي يصل إليها المجتمع يتطلب ضرورة امتلاك القدرة على إدارة الدولة لمواجهة احتمال اضطرارنا لإدارة الدولة بأنفسنا، وفي الوقت ذاته ستؤدّي حالة التمكين إلى تكالب القوى المعادية الخارجية، لذا كان لابدّ من الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية من خلال أن يكون لدينا –الإخوان– رؤية لمواجهة التحديات».
ملامح الدولة الإخوانية
صُبغت الوثيقة بصبغة دينية، وحملت بين أسطرها وجهة نظر «البنّا»، الذي ادعى أن الإخوان بوصولهم الحكم سينفذون أوامر الله، إذ جاء بالوثيقة أن هدفها تحقيق الرسالة، والتمكين لدين الله في الأرض بالعمل على أن تسود قيم وكليات وحقائق وشرائع الإسلام في واقع الأمة، أفرادا ومؤسسات عن إرادة واختيار، مع امتلاك القدرة على المحافظة عليها ومؤازرة جهود التمكين في مختلف أنحاء المعمورة؛ لتحقيق وحدة المسلمين وسبقهم وتميزهم.
وبحسب «خطة التمكين» فإنه لابد من استيعاب كامل من قبل العناصر الإخوانية لقضية التغيير، ووضوح كامل للتوجهات حتى لا تواجه الخطة بالمقاومة السلبية من الداخل، وضرورة البدء بطرح قضية التغيير للحوار على جميع المستويات من أجل أن يتفاعل ويكون عامل المشاركة دافعًا لإثارة كوامن الفكر والمبادرة وتجسيد القضية.
وتنفيذًا لتعليمات «البنّا» بضرورة استفادة الجماعة مما أسماه «عصر التكوين»، دعا «مشهور» في وثيقة التمكين إلى حشد الطاقات، والتنسيق بين المؤسسات والتعاون بين القيادات؛ لتمكين الجماعة من الحضور في كل الأقطار، ومن ثم إعلان ميلاد الدولة الإخوانية المزعومة.
أما مُنَظّر الجماعة سيد قطب (1906-1966)، فقد سرد في وثيقة «لماذا أعدموني»، موقفًا دار بينه وبين علي عشماوي، آخر قادة النظام الخاص، يبرز رؤيته لكيفية الوصول إلى الحكم، فقال: «إن قيام حكم إسلامي في أي بلد لن يكون إلا بمنهج بطيء وطويل المدى، يستهدف القاعدة لا القمة، ويبدأ من غرس العقيدة من جديد، والتربية الإسلامية الأخلاقية، وأن هذا الطريق الذي يبدو بطيئًا وطويلًا جدًّا هو أقرب الطرق وأسرعها».
ورغم تنوع الأساليب وتفاوت الخطط الزمنية بين «البنّا، قطب، مشهور»، فإن جميعهم كانوا يرمون بطرف خفي في حين إلى رغبتهم في الحكم، ولا يصرحون بذلك في أحايين كثيرة، فيظهرون أنهم ما كانوا يومًا دعاة سلطة، لكن بوصولهم إليها في عام 2012، من خلال الرئيس المعزول محمد مرسي، فإنهم لجأوا إلى العنف والمواجهات المسلحة مع الجيش والشرطة؛ حتى لا يبرحوا كرسي الحكم.





