ماهر فرغلي يكتب: أنقذوا مصر من جماعة «التوقف والتبيّن»
في زياراتي القصيرة إلى الصعيد، شكا لي مُسنّ من ولده، الذي يكفّره، هو وأمه، وإخوته؛ لأنهم لا يكفرون بـ«الطاغوت»، وحَطّم لهم التلفاز؛ لأنه حرام شرعًا، وفق قوله.
جلست مع الشاب، وتبين لي أنه يعتنق فكر جماعة «التوقف
والتبيّن»، هذه الجماعة التي كانت البداية لها من القطبيين (نسبة إلى سيد قطب، مُنَظّر جماعة الإخوان)، الذين ترأسهم عبدالمجيد الشاذلي،
وكانوا يشترطون فيمن ينضم لجماعتهم أن يدين بمعتقداتهم نفسها، وهي أن الحد الأدنى للإسلام
لم يعد هو العقيدة الصحيحة، وأنه لا يجوز الحكم بإسلام أو كفر مسلم،
إلا بعد كفره بالطاغوت، أي من يحكم بالقوانين الوضعية، إضافة إلى الانضمام لجماعتهم،
والسمع والطاعة لأميرهم في كل صغيرة وكبيرة.
هذه الجماعة في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين بدأت تتبنى فكرة العمل المسلح، على يد الطبيب الشاب «مجدي الصفتي»، الذي مزج بين فكر الجهاد في العمل المسلح، وعقيدة جماعات «التوقف والتبين»، بعدما رأى أن الطريق الأقصر لنشر فكره، هو إثبات أن معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد، فأسّس ما يسمى بجماعة «الناجون من النار».
«الناجون من النار»، هو اسم أمني أطلق على تنظيم، جاء امتدادًا لفكر هذه الجماعة، أسسه، مجدي زينهم الصفتي - طبيب - مواليد 30 ديسمبر 1958، هارب الآن، يسري عبدالمنعم نوفل، صاحب محل دواجن، مواليد 8 مارس 1959، هارب في سيناء، محمد كاظم، سائق، توفي مقتولًا بعد مواجهة مع الشرطة بقرية «سنتريس» بمحافظة المنوفية.
الاتجاه للعمل المسلح
تعتبر «الناجون من النار»، من أخطر الجماعات الإرهابية التي ظهرت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأكثرها جرأة، كفرّت المجتمع حكامًا ومحكومين، واستبعدت صفة أهل الكتاب عن المسيحيين، ودعت إلى استخدام العنف ضدهم، وجمعت بين أفكار تنظيم الجهاد وتنظيم جماعة المسلمين لشكري مصطفى، وجماعة التوقف والتبيّن، ومن ضمن مصادرها الفكرية كتاب (المنهج الحركي في الإسلام للإخواني فتحي يكن)، كتب (ابن تيمية) وكتب (محمد بن عبدالوهاب)؛ حيث اعتبرت أن الشرك بالله هو الكفر الأكبر، وهو معنى يُخرج عن الملة (الدين)، ومعنى لا يُخرج عن الملة وهو الصفات السيئة في المسلمين من كذب ورياء وحلف بغير الله؛ ولهذا يعتبر المجتمع كافرًا بالمعنى الثاني؛ ولذلك اعتبروا مصر دار حرب ولابد من إعلان الجهاد لتغيير الحكم بالقوة.
واعتبرت «الناجون من النار»، أن أعضاء الحكومة والعاملين فيها محاربون لله ورسوله، ويتم إهدار دمهم، واستباحة أعراضهم وأموالهم، واستباحة سرقة أموال الدولة؛ لتعينهم على حرب الدولة الكافرة.
وحرمت الجماعة العمل في أجهزة الدولة، والصلاة في المساجد الحكومية، فهي مملوكة للدولة الكافرة من وجهة نظرهم، وعدم الأكل من الذبائح المحلية؛ لأنها ذبائح الكفار على حد وصفهم، وتكفير رجال الشرطة والجيش والقضاء وإهدار دمهم؛ لأنهم مساندون للنظام الكافر (تذكروا حادث قتل الجنود المصريين في رمضان).
منذ سنة 1983 وحتى سنة 1986 كان التنظيم قد انتهى من إعداد شكله العام وأهدافه، وبلورة أفكاره واستقطاب عددٍ كاف من الأعضاء في أنحاء الجمهورية، وبدأ خطته عن طريق اغتيال الشخصيات العامة، وخلق حالة من الفوضى، وزعزعة الثقة بأجهزة الأمن، لتغيير نظام الحكم بالقوة؛ لإقامة الدولة الإسلامية!
أعد التنظيم، خرائط للقاهرة وضواحيها، وتعلموا كيفية تصنيع القنابل، سرقوا السيارات لتغيير ألوانها وملامحها ووضع لوحات معدنية زائفة عليها؛ للاستخدام في عمليات الاغتيال.
يوم 5 مايو 1987 شرع يسري نوفل ومحمد كاظم في اغتيال وزير الداخلية الأسبق، اللواء «حسن أبو باشا»، باستخدام بندقية آلية؛ حيث أطلقوا عليه النار عند عودته إلى مسكنه، ولكنه أفلت من الموت وأصيب بإصابات بالغة، وفي يوم 3 يونيو 1987 حاولوا اغتيال مكرم محمد أحمد، رئيس تحرير مجلة المصور، وأصيب ومعه 3 مواطنين، وفي يوم 13 أغسطس 1987 حاولوا قتل وزير الداخلية الأسبق اللواء النبوي إسماعيل.
سجن أغلب أعضاء هذه الجماعة، وخرجوا بعد سنوات عدة، وهرب بعضهم لسيناء؛ لينشروا هذا الفكر فيها، ونشأت جماعة التوحيد والجهاد، واستفادت من بعض أفكار التوقف والتبين، وإن كانت تختلف معها الآن، وهي التي أصبحت فيما بعد جماعة بيت المقدس، ثم ما يطلق عليه (ولاية سيناء) المبايعة لداعش.
كيف وصل فكر «التوقف والتبيّن» إلى الصعيد؟
لقد كانت آخر محطة لهذا الفكر هي منطقة شبرا بالقاهرة، وإمبابة، ولم تكن أي محافظة بها أفكار جماعة التكفير سوى الفيوم، التي كان ينتشر بها الشوقيون، الذين أُسسوا على يد شوقي الشيخ، وهم يختلفون في بعض أفكارهم عن جماعة مجدي الصفتي؛ حيث كانوا يكفرون الخارج عنهم على العموم، وكانوا لا يعذرون لا بالجهل ولا بالإكراه مطلقًا.
بوجهة نظري، أن السبب الأول في انتشار هذا الفكر، هو أن الأمن المعني دائمًا بملف الجماعات (الإسلاموية)، يخطط دائمًا لترك هذا الفكر ينتشر، بل ويدفع قياداته للتحرك؛ لمناظرة باقي الجماعات الأخرى، حسب نظرية، «ضرب الفكر الجهادي بالتكفيري»، وهذا لم يعد سرًّا مطلقًا، وهو دفع هذه القيادات التكفيرية للحركة، والاتجاه ناحية الصعيد؛ لضرب الجهاديين.
لم يعد الأمر سرًّا كذلك وجود زوايا ومساجد في بعض المحافظات، ومنها الفيوم وبعض قرى الصعيد، وهي زوايا صغيرة على أطراف بعض القرى مفتوحة طوال اليوم، يسيطر عليها التكفيريون، ومنهم جماعة التوقف والتبين.
يقوم أعضاء هذه الجماعة كذلك، بعمل دور لتحفيظ القرآن، استقطبوا من خلالها أطفال وشباب كثر، وكان منهم هذا الشاب الذي كفّر والديه.
السبب الأهم برأيي، أن العائدين من ليبيا أغلبهم من أبناء الصعيد، وبعضهم تأثر كثيرًا بجماعات التكفير الموجودة في «درنة، وبني غازي، وسرت»، وعادوا محملين بهذا الفكر، فضلًا عن غياب دور الأزهر في الصعيد، وفي القرى تحديدًا.
أسباب الانتشار متعددة، لكن من المؤكد أن مناظرة ومناقشة أفكار التكفير، تحتاج متخصصين، لا يفهمون في الأحكام الشرعية وحسب، بل يفهمون في الفوارق، بين هذه الجماعات، وهي فوارق لا يستطيع أن يراها أي أحد بسهولة، فمن الصعب جدًّا التفريق الآن، بين القطبيين، والشوقيين، والتوقف والتبيّن، والتكفير والهجرة، وبين داعش، التي طورت فكرة التكفير، بإنزال أحكام (الدور) أي الدول، على الرعية، وكفرت بالموالاة، وبالمتواليات التكفيرية، وبقاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر، كما كفرت بالموالاة.
مناقشة أفكار هذه الجماعات تستلزم أن نجيب أولًا عن الكفر المخرج من الملة، وأنواع الكفر، والفرق بين الكفر المتعلق بالعبادة، والكفر العقدي، وكفر التحليل والتحريم، والفرق بين الكفر الظاهري والباطني، ثم كيفية تنزيل ذلك على الأفراد، وما الموانع التي تمنع من تنزيل الأحكام على المجتمع؟





