ad a b
ad ad ad

هل يصبح تنظيم «الرايات البيضاء» بديلًا لـ«داعش»؟

السبت 28/يوليو/2018 - 10:37 ص
المرجع
د.مبارك أحمد - خبير فى الشؤون الإقليمية
طباعة

أثار الإعلان عن تشكيل تنظيم «الرايات البيضاء» في العراق، العديد من التساؤلات حول أهداف هذا التنظيم، ونوعية مقاتليه، والمناطق التي تقع تحت سيطرته، والعمليات الإرهابية التي قام بتنفيذها لاسيما وأن اتجاهات عديدة تناولت مستقبل تنظيم داعش بعد هزيمته في العراق وسوريا، وإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن هزيمة داعش في الموصل.

 

وفي هذا السياق تبلور اتجاهان رئيسيان؛ الأول يشير إلى أن الانهيار التنظيمى لداعش لا يعني انتهاءه كمصدر للخطر باعتباره أحد أشرس التنظيمات الإرهابية، وإنما ربما يشكل ذلك بداية لمرحلة جديدة فى تطور التنظيم تستند على ظاهرة الذئاب المنفردة فى تنفيذ عملياته، وهى الأسراب الإرهابية الهائمة التي ستظل ترتبط فكريًّا وأيديولوجيًّا بالتنظيم، وربما سيكون لها تداعياتها الممتدة في ظل بروز قضية «العائدون من بؤر الصراعات المسلحة».

 

أما الاتجاه الثاني فإنه يرجح أن يتجه مقاتلو داعش في سوريا والعراق إلى تشكيل تنظيمات تسير على خطى داعش، وإن كانت بدرجة أقل تنظيمًا وتخطيطًا، على أن تتشكل مثل هذه التنظيمات المسلحة في بؤر الصراعات والجيوب التي مازال داعش موجودًا فيها، وهو الأمر الذي يعكسة تشكيل تنظيم الرايات البيضاء في العراق.

هل يصبح تنظيم «الرايات

روايات متعددة

روايات متعددة حول طبيعة التنظيمات الإرهابية ومسمياتها المختلفة التي تحاول أن ترث داعش باعتباره التنظيم الإرهابي الأشرس في العالم، لاسيما حول انتماءاتها الفكرية وأهدافها بين كون عناصرها من بقايا تنظيم داعش وخلاياه العنقودية التى ارتبطت بالتنظيم وانفرط عقدها بعد انهيار المركز، وتراجع السيطرة الميدانية، وهو ما أتاح للخلايا الداعشية تنفيذ عملياتها تحت مسميات جديدة ومنها تنظيم الرايات البيضاء؛ حيث تشير إحدى الروايات إلى أن بداية ظهور تنظيم «الرايات البيضاء» كانت في سبتمبر 2017؛ حيث ذكر المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق العميد يحيى رسول، في فبراير 2018، أن هذا التنظيم هو مجموعة غالبيتها من الخارجين عن القانون، ويقطعون الطرق، ويهربون السلاح والنفط، ويضم مجموعة من الدواعش الفارين من المعارك العسكرية التي شنها الجيش العراقي على مناطق تمركزهم.

 

فى حين تتبنى رواية ثانية بأن نشأة تنظيم الرايات البيضاء يرتبط بمساعى حكومة كردستان لزعزعة الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، وبالتالى فإن التنظيم ماهو إلا مجموعة من المقاتلين الأكراد الذين يسعون إلى إثارة مزيد من التوتر في المناطق العراقية والسورية بهدف توظيفها ضمن صراع الإرادات الإقليمية والدولية حول المسألة الكردية التى مازال الأكراد يحلمون فيها بوطن مستقل. وهو ما دفعهم لإعلان الفيدرالية بسوريا في17 مارس 2016 عقب اجتماع عقد بمدينة الرميلان بمحافظة الحسكة في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، فضلًا عن إعلانهم عن استقلال إقليم كردستان العراق بعد الاستفتاء الذي أجري وجاء بالموافقة على هذا الاستقلال في ظل رفض الحكومة المركزية العراقية التي تعتبر نتائج الاستفتاء بمثابة مقدمة للانفصال، ربما تمتد لدول مجاورة توجد فيها الأقلية الكردية، وهو الأمر الذى دفع تركيا لشن حملتها المسلحة ضد إقليم عفرين السوري لوأد الحلم الكردي ومنع تأسيس دولة كردية على الحدود التركية السورية.

 

لذلك تستبعد هذه الرواية بأن يكون تنظيم الرايات البيضاء من بقايا فلول داعش، باعتبار أن الجماعات المتطرفة لا تتخذ من اللون الأبيض راية لها ولم يحدث أن حدث ذلك، كذلك فإن صورة الأسد في وسط الراية بعيدة عن تفكير الجماعات الإرهابية؛ لأنها تعتبر أن كل ذي روح محرم، وبالتالي لا يمكن اتخاذ ذي روح كراية يقاتل تحتها، إضافة إلى أن صورة الأسد لا علاقة لها بمبادئ التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، كما أن طريقة جماعة الرايات البيضاء وشعاراتها وأساليبها بعيدة عن الجماعات الأصولية والإرهابية، وهي بالمحصلة مجموعة كردية متمردة تقوم بعمليات ضد أهداف تخص الحكومة العراقية بعد أن نجحت في استرجاع كركوك والمناطق المتنازع عليها مع الأكراد.

 

أما الرواية الثالثة فإنها تعتقد بتشكيل تنظيم الرايات البيضاء من قبلِ مقاتلي حزب البعث ورغبتهم في تصفية حساباتهم في مرحلة ما بعد داعش؛ حيث أشار صادق الحسيني، رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالي، في ديسمبر 2017، إلى أن حزب البعث يقوم بتجميع مؤيديه ونقلهم بشكل سري إلى مراكز تدريب بغرض تشكيل فصائل مسلحة.

 

وبشكل عام تشير بعض التقديرات إلى أن خريطة انتشار مقاتلي تنظيم الرايات البيضاء يشكل تمركزها الرئيسي، وتوجد في المناطق الغربية والشمالية الغربية من العراق، حيث يبلغ عددهم 500 فرد من جنسيات مختلفة، ويتنوع تسليحهم ما بين أسلحة خفيفة ومتوسطة، ويسكنون الجبال في المناطق الواقعة بين «طوز خورماتو»، و«داقوق» جنوب شرق كركوك، وفي المناطق المحاذية لجبال «حمرين»، ويحملون شعارات يشير أهمها إلى الفدائيين ويرفعون راية بيضاء تتوسطها صورة أسد دون استخدام رموز دينية؛ فيما تنوعت عمليات التنظيم ما بين اغتيالات، واستخدام عبوات ناسفة، وتوقيف المارة، وكان من أهم عملياتهم استهداف دورية تابعة لقوات الحشد التركماني، انتهت بمقتل ثلاثة من تلك القوات.

حيدر العبادى
حيدر العبادى

تحديات ماثلة

على الرغم من أنه من المبكر الحكم على مدى قدرة تنظيم الرايات البيضاء على أن يصبح بديلًا لداعش في ظل ضبابية تشكيله واختلاف روايات نشأته، فإنه بلا شك يمثل تهديدًا محتملًا بعد إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادى عن تطهير الموصل من فلول تنظيم داعش لسببين رئيسيين، الأول: يرتبط بطبيعة المنطقة التى يسعى التنظيم للسيطرة عليها، وهي منطقة «طوز خورماتو» التي تمر بها أنابيب نقل النفط من بغداد إلى طهران، وفق اتفاق مبرم بين الحكومتين العراقية والإيرانية بموجبه يتم نقل خام النفط من كركوك بالشاحنات إلى مدينة «كرمنشاه» الإيرانية بمعدل يتراوح بين 30 و60 ألف برميل يوميًا، وتلتزم إيران بتسليم نفس الكمية وبنفس المواصفات عبر موانئ جنوب العراق، ويعني هذا أن العراق يحتاج إلى إرسال أعداد كبيرة من الشاحنات تمر عبر المناطق التي يوجد بها تنظيم الرايات البيضاء، وهو ما يعزز من احتمالية تعرض هذه الشاحنات لهجمات إرهابية من قبل مقاتلي التنظيم بهدف تمويل أنشطته وعملياته.

 

أما السبب الثاني فإنه يرتبط باستمرار الصراع مع السلطة العراقية ومحاولة الانتقام منها لاسيما وأن تنظيم الرايات البيضاء، وفق روايات تشكيله يضم خليطًا من قوى وتنظيمات لديها ثأر مع النظام الحاكم في العراق، فالأكراد يعتبرون أن انقضاض الحكومة العراقية على رغبتهم في الاستقلال بعد رفض الاعتراف بنتائج الاستفتاء التي جاءت لصالح تدفعهم للانتقام.

 

كما أن بقايا وفلول داعش الملتحقين بتنظيم الرايات البيضاء يرون أن الحكومة العراقية ساندت الحملة الدولية للقضاء على داعش بما أدى لانهيار خلافته المزعومة، وبالتالى هم يحاولون الثأر ممن ساهم فى تلاشي دولتهم؛ أما البعثيون الموجودون في صفوف تنظيم الرايات البيضاء؛ فإن لديهم قناعاتهم من دور الحكومة العراقية الطائفية التى تشكلت بعد الاحتلال الأمريكى للعراق في التنكيل بالبعثيين، وإقصائهم من مراكز السلطة فى البلدان بعد صدور قرار باجتثاث حزب البعث العراقى من سلطة الاحتلال.

 

والخلاصة أن تشكيل تنظيم الرايات البيضاء من فئات وعناصر لديها ثأر مع السلطة العراقية، سينعكس على مرحلة ما بعد داعش، وربما يكون عاملًا لعدم استقرار المناطق المحررة من سيطرة داعش، وهو الأمر الذي يتطلب تنسيقًا للجهود الدولية والمحلية المعنية بمكافحة الإرهاب في العراق، بما يسهم في اجتثاث التنظيم قبل انتشاره والقضاء على محاولاته في أن يسير على خطى داعش.

"