«الخلافة» في ميزان الأزهر.. نمط حكم يخضع للظروف
السبت 14/يوليو/2018 - 08:48 م
الأزهر الشريف
دعاء إمام
كان لمؤسسة الأزهر الشريف، مواقف حاسمة لتفنيد أباطيل الجماعات الارهابية حول إقامة «دولة الخلافة»، والرد عليها بالأدلة والبراهين التي لا تقبل الشك والتي تؤكد أن «الخلافة» ليست أصلًا من أصول الدين الإسلامي، هذه الآراء الحاسمة والرافضة لأي مزاعم يرددها عناصر التنظيمات والجماعات الإرهابية هي الموقف الرسمي للمؤسسة الأزهرية؛ إلا أن هناك بعض العلماء ممن ينتمون إليها كان لهم رأي مغاير، حيث رأوا أنه لا مناص من تنصيب خليفة للمسلمين.
فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر
الأزهر المستنير
يقرّ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بأن الخلافة ليست نصًا في القرآن الكريم وإنما هي فقه واقع، يخضع للظروف التي لا تسمح لتكوين دولة إسلامية؛ لأنه لم يعد للمسلمين دولة واحدة جغرافيًّا وإنما أصبحت دولًا، كما أن لكل دولة نمطًا معينًا من أنظمة الحكم تختاره، والإسلام ترك للمسلمين أن يختاروا النمط الذي يناسبهم.
وتساءل شيخ الأزهر: «لو أن الإسلام قيدنا بنمط معين وتغيرت الدنيا فماذا كنا سنفعل الآن؟» مشددًا على أن هذه المرونة تعد من إعجاز الإسلام؛ لأنه لو جاء بصورة محددة وتجاوزها الزمن لأصبحنا بين أمرين: إما أن ترفض إسلامك وتشكك فيه، وإما أن تعيش منقطعًا عن الواقع والحياة.
واعترف الطيب، بأن بعض أنظمة الخلافة الإسلامية لم تكن عادلة، ولكن الأنموذج الأمثل عندنا هو الخلافة الراشدة (خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ)، لافتًا إلى أن الشيخ على عبدالرازق حين طعن على الخلافة وقال إنها استبداد، استثنى فترة الخلافة الراشدة؛ لأنها نموذج عجيب لم يتكرر، إذ لا يزال هو النموذج والمثال الذي نحلم به، ولا نحلم بالأمثلة الأخرى؛ لأن كثيرًا من الخلفاء استبدوا ووقع منهم ظلم.
وفي باب معنون بـ«شبهات وردود»، فنّد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أكاذيب الجماعات الإرهابية التي تنادي بإقامة الخلافة، إذ أورد المرصد أن نظام الحكم في الإسلام متروك لظروف الناس وأعرافهم شريطة ألا يكون فيه تشريع يخالف شرع الله.
ولفت المرصد، إلى أنه لم يرد نص واحد صريح صحيح يوجب على المسلمين أن يقيموا نظامًا سياسيًّا بعينه، وإنما ورد وجوب العدل ورعاية مصالح العباد والبلاد، مبينًا أن كل نظام حكم أتى بعد الخلفاء الراشدين، لا يصدق عليه اسم الخلافة إلَّا من حيث اللغة أما من حيث الحقيقة فكانت أنظمة حكم متباينة؛ مما يدلل على أن نظم الحكم تختلف في الإسلام بحسب الثقافات والعادات والأوضاع والأحوال.
كما أجاز مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمؤسسة الأزهر، كتابًا بعنوان «جديد الردود الشرعية على مخالفات تنظيم داعش وأمثاله للشريعة الإسلامية» للمؤلف محمد محمود حبيب، ويتضمن الكتاب ردودًا شرعية من القرآن والسنة على 40 مخالفة دينية يرتكبها أعضاء تنظيم داعش، أبرزها السعى لإقامة الخلافة الإسلامية.
وبحسب الكتاب الذي وافق الأزهر على طبعه وتداوله، فإن حديث الخلافة الإسلامية مكذوب ومختلق، ونصه «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون مُلكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
الشيخ على عبد الرازق
انقسام الأزهر حول الخلافة
قبل 83 عامًا، كانت الأزمة التي شغلت الأزهر، حين انقسم علماء المؤسسة الدينية حول قضية «الخلافة»؛ إذ صدر كتاب «الإسلام وأصول الحكم» عام 1925، بقلم ابن الأزهر الشيخ على عبدالرازق، الذي أقرّ بأن الخلافة ليست من أصول الحكم فى الإسلام، بل طرأت عليه فى عصور متأخرة، وأن القرآن والسنة النبوية لم يتطرقا لموضوعها، بل هي أمر سياسي لا علاقة له بالدين.
وكانت نظرية الشيخ على عبدالرازق، مخالفة لما ذهب إليه الأزهر في أهمية وجود خليفة للمسلمين؛ مما تسبب في توجيه هيئة كبار العلماء فى الأزهر الاتهامات للشيخ، وطالبت بمحاكمته إثر اتهامه بالضلال.
ورأت اللجنة التي تولت التحقيق مع الشيخ على عبدالرازق، والمكونة من أعضاء هيئة كبار العلماء وقتذاك، أن الكتاب يحوي نصوصًا تقر بأن جهاد النبى (صلى الله عليه وسلم) كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين، ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين، وأن الكتاب اعتبر نظام الحكم فى عهد النبي موضوعًا غامضًا أو مبهمًا أو مضطربًا أو ناقصًا وموجبًا للحيرة، واعتبر مهمة النبى كانت بلاغًا للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ، وأنكر إجماع الصحابة على وجوب تنصيب الإمام وأنه لابد للأمة ممن يقوم بأمورها فى الدين والدنيا، وأنكر أن القضاء وظيفة شرعية، واعتبار حكومة أبى بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت لا دينية.
وانتهى التحقيق، بفصل الشيخ على عبدالرازق، من هيئة كبار العلماء، وكذلك من عمله بالقضاء؛ نظرًا لخروجه عن المعتقدات بحسب اللجنة كما هاجمته الصحف ووصفته بـ«الزندقة والإلحاد».
وبعد الجدل الذي أحدثه كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، في أوساط المفكرين وعلماء الأزهر والمثقفين، انبرى بعض المؤيدين والمعارضين يتناولون أفكار الشيخ على عبدالرازق، بالنقض والتحليل، وكان من بينهم الشيخ محمد الخضر حسين، الذي تولى منصب شيخ الأزهر بعد ثورة يوليو 1952، ومثل التيار الإسلامي والسياسي السائد في تلك الفترة.
واعترض الشيخ الخضر، على إنكار نظرية الخلافة، فأصدر مؤلف «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم»، بين فيه الدعائم الثابتة للفكر السياسي الإسلامي الممتدة جذورها إلى العهد النبوي، وقد بدا لـ«الخضر» أن الكتاب يحتوي على الكثير من المغالطات التي تنكرها الشريعة والتاريخ؛ فتناول أفكار الكتاب مُفنِّدًا لها بالأدلة؛ فاعترض على إنكاره نظرية الخلافة مؤكدًا أنها من دعائم النظام السياسي الإسلامي الذي أرساه الرسول، كما رفض فكرة أن الإسلام جاء كدِين بلا دولة؛ فساق العديد من البراهين من القرآن والسنة والتاريخ. إن الكتاب حلقة في إطار صراع الأفكار والمعتقدات في تلك الفترة.
الإمام الأكبر محمد أبي الفضل، شيخ الجامع الأزهر
مؤتمر الخلافة
وفي مايو من العام 1926، ترأس الإمام الأكبر محمد أبي الفضل، شيخ الجامع الأزهر، «مؤتمر الخلافة» الذي أقيم في القاهرة بحضور لفيف من ممثلي الدول الإسلامية؛ لبيان حقيقة الخلافة وشروط الخليفة فى الإسلام، وانتهى إلى أنها رياسة عامة للدين والدنيا وحفظ حوزة الملة نيابة عن النبي، وأنه من أوائل مقاصد الدين توحيد الأمة الإسلامية ورعاية مصالحها المشتركة واعتبار المسلمين فى سائر أقطار الأرض كالجسم الواحد الذى لا يكون له إلا قلب واحد ينبعث منه دم الحياة إلى سائر الأعضاء.





