«المرجع» تُحاور مستشار «بن لادن» السابق: أيمن فايد يروي تفاصيل رحلته لأفغانستان وانضمامه لـ«القاعدة»
السبت 07/يوليو/2018 - 02:50 م

أيمن فايد
رحمة محمود
ظلت أمه تغذيه منذ نعومة أظفاره بفكرة الجهاد في سبيل الله، والحرب لنصرة الإسلام، وحين بلغ الثامنة عشرة من عمره رأت فيه رجل حرب وفارس جهاد، فساعدته بأموالها ليسافر ملتحقًا بغيره من المجاهدين، حتى لو كان هؤلاء المجاهدون مقاتلي تنظيم القاعدة، ووجهة السفر كانت مدينة بيشاور الباكستانية.

أيمن فايد
إنه أيمن فايد الذي التحق بصفوف المجاهدين في أفغانستان أواخر عام 1987، عندما كان عمره 18 عامًا فقط، حتى صار مستشارًا لزعيم التنظيم أسامة بن لادن شخصيًّا.
وفي حواره لـ«المرجع»، يقول «فايد»: إنه اتجه إلى سفارة باكستان بالقاهرة للحصول على تأشيرة دخول لمدينة إسلام آباد عاصمة باكستان، وما إن حصل عليها حتى أسرع بحمل حقائبه إلى مطار القاهرة، ووصل إلى إسلام آباد، ومنها استقل حافلة إلى مدينة بيشاور.
وفور وصوله إلى مطار إسلام آباد، سأل شابين (اكتشف بعد ذلك صلتهما بالمخابرات الباكستانية)، عن طريقة الوصول إلى مدينة بيشاور للانضمام إلى المجاهدين، وأظهر لهما قصاصة ورق بها عنوان مجلة «البنيان المرصوص»، التي من المفترض أن يذهب للمسؤول عنها، فأخذوه لمقابلة «أخطر خان» رئيس المخابرات الباكستانية، والمسؤول عن الملف الأفغاني.
وجود «فايد» في مكتب الرجل الثاني في باكستان بعد ضياء الدين الحق (رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك) لم يشعره بالتوتر والقلق، بل -حسب تعبيره- صرّح له بحقيقة سعيه للانضمام إلى المجاهدين، لمحاربة الروس، فنصحه رئيس الاستخبارات بالإقلاع عن الفكرة والعودة لبلاده، لكن تصميم الفتى وإصراره على الانضمام لمعسكرات المجاهدين، دفع رئيس الاستخبارات لإرسال رسالة للمجاهدين العرب في بيت الأنصار بمدينة بيشاور، ليضموا إليهم فردًا جديدًا.
في «بيت الأنصار» بمدينة بيشاور، التقى «فريد»، أسامة بن لادن، الذي أوصى به المجاهدين، لدرجة أن بعضهم شعر بوجود علاقة قرابة بين «فريد» و«بن لادن»، وبعد مكوثه في بيت الأنصار أربعة أيام، وقتها كان يتم توزيع المجاهدين على المعسكرات للتدريب، لكنه رفض الانضمام لأي من هذه المعسكرات، لدرجة أن شك فيه بعضهم، واعتبروه جاسوسًا عليهم.

مأزق الجاسوسية
يحكي «فايد» كيف برأ ساحته من تهمته الجاسوسية، فيقول: «أخرجني من مأزق الجاسوسية؛ اعترافي أمام المجاهدين برغبتي في الالتحاق بمعسكر «وراسك»، الذي يشرف عليه أبوأسامة المصري، وكان هدف هذا المعسكر تخريج 23 من أفضل المقاتلين، فحذروني وسخروا من طلبي؛ نظرًا لصعوبة شروط الالتحاق بالمعسكر، والتي منها أن أنتظم في الجهاد مدة لا تقل عن 6 أشهر، ودخلت على الأقل 6 أو 8 معارك، وتدربت على جميع أنواع الأسلحة، ورغم عدم توافر أي من هذه الشروط بي، فإني نجحت والتحقت بالمعسكر».
ورغم أن أبوأسامة المصري هو أسطورة الجهاد الأفغاني -حسب حديث أيمن فايد، ولا يعرفه إلا من تعامل معه وجهًا لوجه، وعرف شخصيته وقرأ أفكاره، فكان يخشى منه المجاهدون عند سماع صوته، ويهرولون لمسافات بعيدة للاختباء منه- فإن فايد لم يخشه بل كان لقاؤهما -حسب حديث «فايد»- نقطة البداية لانضمامه لمعسكر «وراسك»، ووجوده ضمن أبرز خمس شخصيات أسهمت فيما بعد في تأسيس تنظيم القاعدة وبلورة أهدافه.
فبعد انتهاء الحرب ضد الروس، وخروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، دارت نقاشات بين المجاهدين العرب، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وعبدالله عزام، لتأسيس تنظيم يضم المجاهدين كافة، ويجمعهم حول هدف أو عدو مشترك؛ حيث وصل آنذاك تعدادهم من 19 إلى 30 ألفًا، وهذا أعلى تقدير لمشاركة القضية الأفغانية؛ حيث انضم من اليمن 6 آلاف، ومن مصر 201 شخص.
كانت مجموعة الـ32 شخصًا الذين دربهم أبوأسامة المصري في معسكر «وراسك»- نواة وأصحاب فكرة التنظيم الجديد وتحديد أهدافه، ووقتها دارت نقاشات طويلة بين المجاهدين العرب حول تسميته، وبعد مشاورات انتهى الأمر إلى تسميته بالقاعدة، تيمنًا بسيدنا عمر بن الخطاب عندما سمى المدينة القاعدة الآمنة، على حد وصفهم، فيما يُرجع مراقبون سبب تسمية التنظيم بـ«القاعدة» إلى قاعدة سجل البيانات، التي تضم جميع المجاهدين في التنظيم.

أهداف تنظيم «القاعدة»
وفور خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، حدد المجاهدون أهداف «القاعدة»، كالآتي: «لا للفُرقة، ولا للتدخلات الأجنبية، ولا نجاهد في مكان إلا إذا أجمع علماء المسلمين على أن الجهاد فيه فرض عين».
وتم اختيار أسامة بن لادن زعيمًا للقاعدة؛ لحسن سيرته وشخصيته المؤثرة في المجاهدين، فضلًا عن أنه كان الممول الأكبر للمجاهدين خلال حربهم ضد الروس.
وعن موقف الحكومة المصرية من سفر المصريين آنذاك، أوضح «فايد» أن «مصر لم تمنع سفر مواطنيها من الالتحاق بالمجاهدين العرب في حربهم ضد السوفييت، وكان هناك اتفاق بين الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، والرئيس الراحل محمد أنور السادات، لترسل مصر الأسلحة، روسية الصنع، للمجاهدين في أفغانستان، والتي وصلت إلينا عن طريق ميناء بورسعيد البحري، إلى ميناء كراتشي في باكستان».
والحقيقة أن «فايد» لم يكن هو المصري الوحيد الذي سافر للانضمام لصفوف المجاهدين في حربهم ضد الروس، بل كان هناك عدد من المصريين منهم: علي الرشيدي، وأيمن الظواهري، وأبوسهل المصري، وأبوحفص المصري، وأبوخالد المصري، واسمه الحقيقي عبدالعزيز الجمل، وكان ضابطًا سابقًا في الجيش، وشارك في أحداث «الفنية العسكرية»، ومحمد شوقي الإسلامبولي شقيق خالد الإسلامبولي (قاتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات) وعمر عبدالرحمن (أحد قيادات الجماعة الإسلامية).
وردًّا على سؤال: لماذا فضل الذهاب للجهاد في أفغانستان ولم يذهب لتحرير القدس، والقضاء على إسرائيل مثلًا؟ أجاب قائلًا: «إننا كمجاهدين استشهدنا بعدة أمور في هذا الأمر، منها الاقتداء بما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حربه ضد الروم، وهم أعداء الفرس، العدو اللدود للنبي، فهنا توافقت مصالح المسلمين مع أعداء الإسلام، ومع ذلك اقتضت الحاجة آنذاك محاربة الروم والقضاء عليهم، رغم أن هذا الأمر يحقق منفعة للفرس أعداء الإسلام».
واستكمالًا لشرحه الأسباب التي دفعته لمحاربة الروس وليس إسرائيل؛ قال: «إن أرض أفغانستان كانت بمثابة اختبار حقيقي للمجاهدين، فإذا نجحوا في هذا الاختبار وتم القضاء على الروس، كان سيتم تأسيس نموذج لدولة إسلامية يحتذي بها العالم الإسلامي بأسره، ويقتنع بأن تجربة الإسلاميين في الحكم من الممكن أن تنجح، والسبب الأخير يتمثل في توفير الظروف الداعمة لهجرتنا إلى أفغانستان؛ حيث إن العديد من الدول كان يسمح ويساند المجاهدين، بينما يمنعهم من التفكير أو حتى الهجرة لمحاربة إسرائيل».

«سي آي أيه» والتكفيريون
وعن التنظيمات والخلايا التكفيرية في سيناء وليبيا وسوريا، قال «فايد»، إنه لا علاقة لهم بتنظيم القاعدة، بل هذه خلايا وتنظيمات صنعتها المخابرات الأمريكية؛ لإيجاد ذريعة للتدخل في شؤون البلاد، وهذا ما نص عليه «قانون الإرهاب» الذي وضعته أمريكا لنفسها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001؛ فبموجب هذا القانون يحق للولايات المتحدة التدخل عسكريًّا في أي بلد يوجد فيه تنظيم «القاعدة» لضربه، وهذا القانون طبقته أمريكا في أفغانستان والعراق والصومال.
وحول علاقة جماعة الإخوان بتنظيم القاعدة، أوضح مستشار أسامة بن لادن، أن القيادية الإخوانية زينب الغزالي كان لها دور بارز في تشجيع المجاهدين، وتحريضهم على الجهاد ضد الروس، أما جماعة الإخوان ذاتها، فدعمها كان موجهًا للمجاهدين العرب؛ حيث أكد أن الجماعة تكذب كما تتنفس، وتتاجر بالدين، وتُسَخِّر كل القضايا لمصالحها الشخصية، فضلًا عن فساد عقيدتها.
وكشف "فايد" أن زينب الغزالي سافرت إلى المجاهدين في مدينة بيشاور التي تقع قرب الحدود الباكستانية الأفغانية، وقابلت كلًّا من أيمن الظواهري (الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة) وعبدالله عزام (الأب الروحي للمجاهدين العرب في أفغانستان)، واعترفت للمجاهدين بأنها لم تؤلف كتاب «أيام من حياتي»، وكل ما جاء في هذا الكتاب من توثيق لحالات تعذيب إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر- غير صحيح، ومن قام بتأليفه قيادات الإخوان لكسب تعاطف شعبي مع قضيتهم.
ولم تكن «الغزالي» السيدة الوحيدة الداعمة لحركة المجاهدين في أفغانستان؛ إذ لحقت بها قدرية محمد علي، والدة خالد الإسلامبولي (قاتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات)، والتي سافرت إلى معسكرات المجاهدين في مدينة بيشاور؛ حيث كان ابنها الثاني محمد الإسلامبولي ملتحقًا بصفوف المجاهدين في أفغانستان.
واستكمالًا لدور النساء في الحث على الجهاد ضد الروس، كان لوالدة «فايد» الدور الأبرز في دعمه وتشجيعه على الذهاب إلى أفغانستان؛ للالتحاق بصفوف المجاهدين، فحين كان طفلًا كانت هي تحكي له عن فضل الجهاد، وقرب الشخص الذي يُجاهد من الله، ونمّت لديه هذا الإحساس إلى أن صار فتى يافعًا ذا ثمانية عشر ربيعًا، فقررت دفعه للخروج إلى حرب الروس، فخرج من عباءة والدته -بحسب تعبيره- يبحث عن الجهاد.
والدة فايد -حسب ما قاله أيضًا- لم تكن امرأة متعلمة، بل كانت ربة منزل ومتدينة بالفطرة، تواظب على حضور دروس دينية لبعض النساء في قرية أبوحصيرة التابعة لمحافظة دمنهور، وتستمع لخطب ودروس بعض المشايخ على شاشات التلفاز، منهم الشيخ محمد متولي الشعراوي.

أفغانستان والإخوان
بجانب تأثير والدته عليه للسفر إلى أفغانستان بسرد أحاديث عن الجهاد وفضله، كان للخطب والفتاوى التي كان يلقيها بعض الشيوخ في المساجد دور في عزمه على السفر لمحاربة الروس وتحرير أفغانستان، ومن ثم بلاد المسلمين -حسب تعبيره- فضلًا عن قراءته المتواصلة لمجلة «البنيان المرصوص»، التي يصدرها الاتحاد الإسلامي بقيادة الشيخ عبدرب الرسول سيَّاف (دكتور في الشريعة الإسلامية).
أما عن دور الإخوان إبان الحرب على أفغانستان والدعوة للجهاد ضد الروس، فكشف «فايد» أن الجماعة رفضت أن ترسل أحدًا من أبنائها لأفغانستان؛ إيمانًا منهم بضرورة الجهاد في مصر وقتال العدو القريب المتمثل في النظام الحاكم والحكومة، وكان يقتصر دورهم على جمع التبرعات للمجاهدين الأفغان فقط، وليس العرب كلهم.
ومن أبرز الشخصيات الإخوانية التي كانت تجمع التبرعات للمجاهدين الأفغان -حسب حديث "فايد"- القياديان الإخوانيان آنذاك عبدالمنعم أبوالفتوح وكمال الهلباوي، بينما تمويل الأفغان العرب كان بجهود ذاتية، سواء من أسامة بن لادن، أو التبرعات التي كان يجمعها عبدالله عزام للمجاهدين.
واستطرد قائلًا: إن القاعدة بريئة من التهم المنسوبة إليها كافة، بخصوص تنفيذها عمليات إرهابية في عدة دول، منها هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، مؤكدًا أن مَنْ دَبَّر ونَفَّذ هذه الهجمات الإرهابية، هي الولايات المتحدة ذاتها، لتخلق ما يُسمى "السببية" للتدخل في شؤون البلاد واحتلالها؛ لنهب ثرواتها.
وعن رأيه في الظواهري والرسائل الصوتية التي تنشرها له مؤسسة السحاب من وقت لآخر؛ أشار «فايد» إلى أن «الظواهري» كان من الأسباب التي أدت لضرب تنظيم القاعدة وانهياره، ويزعم أنه إما قُتل مع أسامة بن لادن، أو مقبوض عليه، ويتم استخدامه من قبل الولايات المتحدة لبث رسائل معينة من وقت لآخر، لكن بالفعل التنظيم انتهى رسميًّا بمقتل زعيمه أسامة بن لادن في مايو 2011.