قراءة في كتاب السلفية ومناهج التغيير
كانت "الدعوة السلفية" في مصر، قبل ثورة 25 يناير 2011، مثل باقي التيارات السلفية الإسلامية، تُنكر وتُحرم المشاركة في العمل السياسي، سواء بإنشاء أحزاب أم بالترشح في الانتخابات البرلمانية، وكانت ترى أن العمل السياسي مضيعةٌ للوقت والمجهود في أمور ليس من ورائها أي طائل.
وفي بحث متداول لـ"الدعوة"،
تحت اسم "السلفية ومناهج التغيير"، أصدره ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة
السلفية، يقول إن عدم المشاركة السياسية، سواء بتشكيل أحزاب أم المشاركة في البرلمان،
قبل ثورة 25 يناير، يرجع للعديد من الأسباب:
أولها: أن التشريع حق خالص من حقوق الله، وهو من أهم خصائص الربوبية والألوهية؛
فالحلالُ هو ما أحلَّه الله، والحرامُ ما حرَّمه الله تعالى، والدينُ ما شرَّعه سبحانه.
ثانيها: أن القوانين الوضعية مُخالفةٌ للشريعةِ الإسلاميةِ، وكلُّ ما يخالفُ الشريعةِ
فهو باطلٌ.
ثالثها: أن الحكم
بغير ما أنزل الله، يُوجب غضب الله، ويُنزل مقته وعقابه.
أما السبب
الرابع، فهو أن النظام
قسمان "إداري وشرعي"؛ أما "الإداري" الذي يُراد به ضبط الأمور
وإتقانها على وجه غير مُخالف للشرع؛ فهذا لا مانع منه على وجه لا يُخالف الشرع، ويحقق
المصلحة العامة، أما "الشرعي"؛ المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه
كفر؛ تطبيقًا لقول "ابن تيمية" في مجموع الفتاوى (ج3 ص267): "والإنسان
متى حلَّلَ الحرام المُجمَع عليه، أو حرَّمَ الحلال المُجمَع عليه كان كافرًا أو مرتدًا
باتفاق الفقهاء".
خامس الأسباب، أن هناك فارقًا بين الحكم الإسلامي والحكم العلماني الديمقراطي؛ فتشريعات "الإسلامي" تُبنى على الكتاب والسُّنة، وتُوجب الحكم بما أنزل الله، أما "العلماني الديمقراطي"؛ فمصدر السلطة عنده هو الشعب، وتشريعاته تُبْنَى على إرادته وهواه؛ فلابد للسلطة من الحفاظ على رغبة الشعب ومرضاته، ولا يمكن لها أن تعدل عن إرادة الشعب وهواه، حتى لو أدَّى ذلك إلى تحليل مُحرَّمات، مثل الزنا واللواط وشرب الخمر؛ فالمبادئ والتشريعات كلها عُرضة للتغير والتبديل في الحكم العلماني والديمقراطي، حسب ما تطلبه الأغلبية.
اختلاف
الشورى
يُبيِّن "برهامي" في بحثه السبب
السادس، وهو أن الشورى في الإسلام، تختلف عن مثيلتها في النظام الديمقراطي؛ فلا يجوز
شرعًا عرض الشريعة الإسلامية على الأفراد ليقولوا تُطبق أم لا.
أما سابع
الأسباب؛ فهو أن المجالس
التشريعية تسنُّ قوانين مخالفة للشرع، تلزم بها العباد، وترى أن للأغلبية أن تفرض رأيها
حتى ولو كان مخالفًا للشرع؛ وبالتالي فهي "مجالس كُفْريَّة".
والسبب
الثامن، أن الأحزاب التي
تقوم على العلمانية، والديمقراطية، والاشتراكية، والشيوعية، وغيرها من المبادئ الوضعية
تُخالف الإسلام، ويستوجب على كل مسلم محاربتها والتبرؤ منها.
أما السبب
التاسع؛ فهو أن العبودية
لله وحده، وهي البراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى "شهادة أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله".
فيما يرجع السبب العاشر، إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فريضة عظيمة، تتحقق بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالقدوة الصالحة،
وتارة بتغيير المنكر باليد أو اللسان أو القلب؛ تبعًا للاستطاعة، وبما يحقق المصلحة
ويستدفع المضرة والمفسدة، مؤكدًا أن هذا الواجب يسقط بالعذر والعجز وعدم الاستطاعة؛
وهذا من رحمة الله بهذه الأمة.
وأوضح "نائب رئيس الدعوة السلفية"،
أنه بعد كل هذه الأسباب؛ فإن حكم دخول هذه المجالس والمشاركة فيها يختلف باختلاف المشارك؛
فحكم المشارك بغرض تحقيق الديمقراطية، -بإباحة التشريع لغير الله، طالما كان حكمًا
للأغلبية- هو شرك منافٍ للتوحيد؛ إلا أن يكون صاحبه جاهلًا أو متأوِّلًا، ولم تبلغه
الحجة، فلا يكفر بعينه، حتى تُقام عليه الحجة.
أما الداخل والمشارك بغرض تطبيق الشرع،
بشرط إعلان البراءة من الأصل الذي قامت عليه المجالس من التشريع لغير الله؛ فهذا من
المسائل الاجتهادية المعاصرة، وهو مُختلَف فيه بين العلماء المعاصرين على قولين: الأول؛
أن المشاركة في ذلك بغرض تطبيق الشرع، طاعة إذا كانت المصلحة في ذلك. والثاني؛ أن المشاركة
في ذلك لا تجوز، وهذه المشاركة من باب الذنوب والمعاصي، وليست من باب الكفر والرِّدة؛
لأن المشارك حقق البراءة اعتقادًا ولم يطبقها عملًا.
وخلص البحث إلى أن الدعوة السلفية ترى عدم المشاركة في هذه المجالس المسماة بـ"التشريعية"، سواء بالترشيح أو الانتخاب أو المساعدة لأي من الاتجاهات المشاركة فيها؛ لغلبة الظن بحصول مفاسد أكبر، بناءً على الممارسات السابقة، مضيفًا أن الديمقراطية مثل "صنم العجوة"، الذي كان يصنعه المشرك وإذا جاع أكله؛ فالحكام العلمانيون إذا أحسُّوا بأي خطورة على مواقعهم، وأن الإسلاميين على مقربة من الحكم، سيسارعون بحل المجالس النيابية والأحزاب، ويكون الجيش مستعدًا دائمًا وفورًا لإجهاض هذه الديمقراطية التي اخترعوها؛ لهذا وغيره نرى أن الطريق البرلماني على ضوء ما طرحناه ليس هو الصحيح.





