تأهيل المتطرفين.. نجاح سابق ورؤية مُستقبليَّة للدمج المُجتمعي
السبت 07/يوليو/2018 - 07:02 م

صورة تعبيرية
أحمد كامل البحيري
استراتيجية الدولة لتحويل العناصر الإرهابيَّة من «قنبلة موقوتة» إلى أفراد نموذجيين
تواجه الدولة المصرية العديد من التحديات المتشابكة، وتشكل قضية التعامل مع العناصر الإرهابية والمتطرفة التي يُقبَض عليها، بجانب عودة عناصر من مناطق الصراع والنزاع إلى مصر- واحدة من أهم التحديات التي تواجه الدولة، ضمن إجمالى ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الدولة.
التحدي الأول: استقطاب تلك العناصر المتطرفة للعديد من الشباب داخل السجون، سواء كان الاستقطاب لعناصر جنائيَّة، أو استقطاب تنظيمات أكثر تطرفًا من تنظيمات أخرى، كما يحدث عندما يستقطب عناصر تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، شبابًا من جماعة الإخوان، أو من تنظيماتهم المتطرفة «حسم»، و«لواء الثورة».
التحدي الثاني: استمرار تلك العناصر الإرهابيَّة المقبوض عليها في نشاطها المتطرف، عن طريق فتح قنوات اتصال داخل السجون مع العناصر الإرهابيَّة والتنظيمات المتطرفة في الخارج، كما حدث في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا»؛ حيث كشفت تفاصيل التحقيقات أن بعض القيادات للجماعة الإسلاميَّة في السجون المصرية، رتبت لاغتيال «مبارك»، بالتنسيق مع عناصر خارجية.
التحدي الثالث: تشكل تلك العناصر «قنبلة موقوتة»، إن صح التعبير، أو بمعني أدق تهديدًا وخطرًا محتملين، ففي حالة احتمالية حدوث أي اضطراب أمني، يمكن أن تشكل تلك العناصر القاعدة الأساسيَّة لتنظيمات شديدة الخطورة، كما حدث في سوريا وليبيا والعراق.

تصور موازٍ
تلك التحديات الثلاثة، تدفعنا لطرح تصور موازٍ بجانب تشديد الإجراءات العقابية، ويقوم هذا التصور على مسارين، الأول: رفع الكفاءة الأمنيَّة والمعلوماتية لمواجهة تلك العناصر الإرهابيَّة والمتطرفة، والثاني: تبنِّي استراتيجية جديدة ترتكز على إعادة التأهيل، وخصوصًا للعائدين من ساحات القتال، ودمجهم في المجتمعات؛ للحد من أخطارهم المستقبلية.
ولكن تحتاج تلك المحاولات إلى تطوير كبير، حتى تتسم بقدر من الفاعلية والتأثير، وحتى يتم وضع استراتيجية مسار التأهيل والدمج، فلابد من تحديد أدوات التجنيد التي تعتمد عليها التنظيمات في استقطاب وتجنيد الشباب والمنضمين؛ لأن ذلك يُسهم في تحديد أي من المسارين؛ الأمني أو التأهيلي، بل ويحدد طريقة التأهيل والدمج الواجب اتباعها من قبل الدولة مع العناصر المتطرفة؛ حيث يمكن إجمال أدوات التجنيد للتنظيمات في خمس أدوات، هي: «التجنيد بدافع المظلومية، والتجنيد بهدف حلم الخلافة، والتجنيد على أساس الثأر، والتجنيد بدافع الخوف، والتجنيد بدافع الفقر».

تجارب مصرية
مرت الدولة المصرية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي بمواجهات عنيفة مع فلول الإرهاب وأذنابه، تمثلت بدايةً في تنظيمات محلية، مثل: «الجماعة الإسلاميَّة، والجهاد»، ثم حدث ترابط تنظيمي بين تنظيم «الجهاد»، وتنظيم القاعدة بأفغانستان، ونتج عن هذا المشهد العديد من العمليات الإرهابيَّة العنيفة، بداية من عملية مديرية أمن أسيوط 1981 (قتل فيها 118 مجندًا وضابط شرطة)، انتهاءً بعملية الأقصر 1997 (قُتل فيها 58 سائحًا)، والتي كانت سببًا في التحول الاستراتيجي في فكر القائمين على الأجهزة الأمنية، باستخدام مسار مختلف غير المسار الأمني، عرف إعلاميًّا بـ«المراجعات الفكريَّة للجماعة الإسلاميَّة».
تلك المراجعات الفكريَّة كانت تحت إشراف اللواء (رتبة عسكرية وشرطية في مصر) أحمد رأفت، مسؤول ملف النشاط الديني نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق التابع لوزارة الداخلية (توفي عام 2010)، التي تعتبر نقطة تحول في مسار العمليَّات الإرهابيَّة في مصر، بل ومسار التنظيمات المتطرفة؛ ما يدفعنا لتحليل هذه الآلية كمسار يمكن الاعتماد عليه؛ للتعامل مع بعض التنظيمات المتطرفة الحالية من جانب، وتحديد إمكانية استخدام هذا المسار مع أي نوع من التنظيمات الإرهابيَّة والعناصر المتطرفة.
وتعتبر تجربة إعادة التأهيل والدمج التي استخدمتها الدولة المصرية مع التنظيمات والعناصر المتطرفة، وخصوصًا تجاه عناصر تنظيمي الجماعة الإسلامية، والجهاد، خلال النصف الثاني من العقد الأخير من القرن العشرين، واحدة من التجارب المهمة والفاعلة، التي تحتاج إلى تحليل لما يمكن أن تشكله في صياغة استراتيجية موازية للتعامل مع العناصر المتطرفة بالتنظيمات الإرهابية؛ كونها تجربةً مصريةً خالصةً.

مبادرة وقف العنف
أطلقت الجماعة الإسلاميَّة في يوليو 1997 مبادرة لوقف العنف، جاءت في بيان ألقاه محمد عبدالعليم، أحد قيادات الصف الثاني بالجماعة، أثناء محاكمته عسكريًّا بالقاهرة، في القضية رقم «235 عسكرية»، وعُرف هذا البيان فيما بعد باسم «مبادرة وقف العنف»؛ كونه مقدمة لإعلان الجماعة الإسلاميَّة مبادرة لوقف العنف، وبداية لما يُسمى المراجعات الفكريَّة للجماعة.
وعلى الرغم من إصدار هذا البيان من قِبل الجماعة الإسلامية في يوليو 1997، فإنه تعرض للهجوم والتشكيك في مضمونه وجدية القائمين عليه؛ حيث اعتُبر لدى العديد من الخبراء، ومؤسسات الدولة «مراوغة» من قِبل الجماعة الإسلاميَّة، ولم يؤخذ على محمل الجد من قبل الدولة المصريَّة، وجاء ما أُطلق عليه إعلاميًّا «مجزرة» الأقصر في 17 نوفمبر 1997، ليزيد من مساحات التشكيك من قِبل الأطراف المجتمعيَّة داخل الدولة، تجاه مبادرة وقف العنف، وتنتصر لوجهة نظر الفريق المعارض والمُشكك في مبادرة الجماعة الإسلاميَّة.
وسيط التفاوض
«الحاج مصطفى رفعت» هو الاسم المستعار الذي استخدمه اللواء أحمد رأفت، مسؤول ملف النشاط الديني، والذي أخذ على عاتقه منذ اللحظة الأولى لإطلاق مبادرة وقف العنف من قبل الجماعة الإسلاميَّة إنجاح هذا المسار، وتفعيل ما جاء في بيان الجماعة وتأصيله، وعرض «رأفت» تصوره للقيادات الأمنيَّة والسياسيَّة بالدولة المصريَّة، حول فتح قنوات اتصال مع قيادات الجماعة الإسلاميَّة؛ لتفعيل مبادرة وقف العنف، واستغل «رأفت» غضب الدولة بعد أحداث الأقصر؛ لتمرير فكرة إعادة التأهيل والدمج مع العناصر المتطرفة، سواء في الجماعة الإسلامية أو غيرها.
ومع موافقة القيادات الأمنيَّة والسياسيَّة في مصر على فكرة إعادة التأهيل والدمج، من خلال بدء حوار جدي وفعلي مع تلك العناصر، بدأ «رأفت» الإعداد العملي والمنهجي لهذا المسار، الذي استمر قرابة خمس سنوات، حتى خرجت المراجعات الفكريَّة إلى العلن في فبراير 2002 ، ضمن أربعة كتب، بلغ إجمالي عدد صفحاتها نحو 600 صفحة، وتحمل عنوان «رؤية شرعية ونظرية واقعية، حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين، النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين».
وصاغ العديد من قيادات الجماعة الإسلاميَّة مضامين تلك الكتب الأربعة، ومنهم: كرم زهدي، وناجح إبراهيم، وعصام دربالة، وعاصم عبدالماجد، وأسامة حافظ، وفؤاد الدواليبي، وحمدي عبدالرحمن، وحمل الأخير مراجعات الجماعة لدى خروجه من السجن؛ لنشرها وعرضها على المجتمع.
وحملت تلك الكتب مراجعات فكرية، وبحوثًا فقهية توضح الأسس، والقواعد الشرعيَّة الحاكمة لوقف العنف، وتوضيح الأخطاء المنهجية في التفسير والفهم، التي وقعت أثناء مراحل تطور الجماعة الإسلاميَّة.
وبتحليل مضمون الكتب، تبيَّن بشكل واضح التغير الجوهري الذي طرأ على فكر العديد من أعضاء الجماعة الإسلاميَّة، وخصوصًا القيادات منهم، خاصة إذا قورن ما جاء في تلك الكتب بما جاء في كتب قيادات الجماعة، ومنها على سبيل المثال كتاب «ميثاق العمل الإسلامي»، الذي كتبه «عاصم عبدالماجد، وعصام دربالة، وناجح إبراهيم» عام 1979، وتعتبر تلك الأسماء هي من أسست الجماعة الإسلامية في السبعينيات من القرن العشرين؛ حيث بدأ تكوين الجماعة الإسلاميَّة عبر لقاءات في جامعتي المنيا والقاهرة، وبدأت الفكرة تنتشر في باقي الجامعات، وضمت صلاح هاشم، وكرم زهدي، وأسامة حافظ، ومحمد شوقي الإسلامبولي، وتلا ذلك بفترة انضمام ناجح إبراهيم، وعاصم عبدالماجد، وعصام دربالة.

خطوات نجاح المبادرة
مرت مراحل مبادرة التأهيل والدمج، المعروفة إعلاميًّا بمبادرة «وقف العنف والمراجعات»، الخاصة بالجماعة الإسلاميَّة والجهاد بخمس مراحل، وهي «بناء الثقة، إقناع الدولة، تكتيكات التفاوض، التحرك الإيجابي للدولة، وإعادة الدمج المجتمعي».
المرحلة الأولى، بناء الثقة: يُعتبر بناء الثقة بين طرفين، هو نقطة الانطلاق لنجاح أو فشل أي تفاوض، خصوصًا إن كان هذا التفاوض، يتم مع تيارات عنيفة رفعت السلاح تجاه مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع، وتعتمد استراتيجية بناء الثقة على وجود مفاوض يؤمن بفكرة إعادة التأهيل والدمج من قبل الدولة، ويمتلك العديد من سمات التفاوض والوعي والفهم لمنطلقات ومرجعيات تلك الجماعات، والعناصر المتطرفة، وهو ما توفر في اللواء أحمد رأفت، الذي اعتمد استراتيجية بناء الثقة منذ اللحظة الأولى، لإطلاق بيان وقف العنف من قِبل الجماعة الإسلاميَّة، بفتح قنوات اتصال مباشرة مع قيادات الجماعة، وخصوصًا القائمين على إصدار بيان وقف العنف.
يتحدث الدكتور ناجح إبراهيم، أحد قيادات الجماعة الإسلاميَّة عن اللواء أحمد رأفت، وفكرة بناء الثقة في مقال منشور في أعقاب وفاة «رأفت»، قائلًا: إنه السبب الحقيقي في تأسيس ثقافة الحوار في الأمن المصري؛ ما ساعد الدولة على حل كثيرٍ من المعضلات مع الحركة الإسلاميَّة.
ووصفه عبر المقال بأنه: الرجل الفذ الذي رحم الفقير وعطف على المعتقل، ورحم أهالي المعتقلين من ويلات لا يعرفها إلَّا من ذاقها، وهو أوَّل من أعاد للمعتقلين الإسلاميين كرامتهم الإنسانيَّة المفقودة، وأوَّل من تبنى فكرة الإفراج عن معتقلي الجماعات، وأعطى الثقة للجميع في وفائهم بعهودهم، ووعودهم، ورجولتهم، ومصداقيتهم، وأوَّل من اهتم برعايتهم داخل السجون وخارجها «1».
المرحلة الثانية، إقناع الدولة: اعتمد «رأفت» مسار طرق الأبواب لدى القيادات الأمنيَّة والسياسيَّة في محاولة لإقناعهم بالقبول بمسار التفاوض، وفتح قنوات اتصال مع القيادات الإسلاميَّة من جانب، وإثبات حسن النوايا الذي جاء في بيان وقف العنف الصادر عن الجماعة الإسلاميَّة من جانب آخر.
المرحلة الثالثة، تكتيكات التفاوض: وفيها تم التحرك من بين اللواء أحمد رأفت، وقيادات الجماعة الإسلاميَّة على مستويين، المستوى الأوَّل: بين قيادات الجماعة بعضهم بعضًا، ومسؤولين أمنيين وبعض المتخصصين في جوانب الفقه والشريعة، وهذا المستوى دفع «رأفت» لاختيار الفريق المعاون من الضباط ، بناءً على فهم ودراسة العناصر الأمنيَّة للأبعاد الفقهية والشرعية لمنطلقات الجماعة الإسلاميَّة؛ ما جعل فريق العمل بقيادة «رأفت» على مستوى عالٍ من الوعي والفهم، وساعد في إنجاز المهمة بشكل دقيق وسريع، والمستوى الثاني: نقل كل قيادة من قيادات الجماعة الإسلاميَّة المؤمنين بمبادرة وقف العنف، للحوار مع عناصر الجماعة في السجون المصريَّة؛ لفتح مناقشة فقهيَّة وشرعيَّة لرفض العنف، واعتماد قواعد فقهية تكرس التحرك السلمي وترفض العنف.
واستمرت هذه المرحلة، زهاء خمس سنوات؛ ولهذا يقول ناجح إبراهيم، في وصف تكتيكات التفاوض: «بعد إطلاق المبادرة، تم جمع معظم أعضاء الجماعة الإسلاميَّة في سجن واحد، بعيدًا عن أعضاء تنظيم الجهاد والسلفيين، في محاولة من السلطات لإعادة ترتيب الجماعة لأوراقها، خصوصًا مع الموقف الرافض من جانب بعض الإخوة من الجهاد للمبادرة، وهجومهم عليها، وعلينا، لكننا كنا مصممين على إنجاحها، وقد فعلنا» «2».
المرحلة الرابعة، تحرك إيجابي من الدولة: وفيها اتخذت الدولة المصريَّة خطوات عدة إيجابية تجاه أعضاء الجماعة في السجون وخارجها، بناءً على نجاح الحوار الذي استمر خمس سنوات، بداية من الإفراج عن العديد من أعضاء الجماعة، والسماح بطباعة كتب المراجعات الأربعة، وصولًا لخروج أغلب قيادات الجماعة الإسلاميَّة من السجون.
المرحلة الخامسة والأخيرة، إعادة الدمج المجتمعي: وهي المرحلة الأهم، وهي مرحلة الدمج المجتمعي، التي تُعتبر الحاسمة في مسار التأهيل؛ كونها الباب الحقيقي لبرامج التأهيل؛ حتى لا يعود العنصر المتطرف مرة أخرى للتطرف والعنف، فشعور العنصر التائب والعائد من العنف برفض المجتمع، يدفعه ليعود أكثر عنفًا مرة أخرى؛ ولهذا اتجهت الدولة لتوفيق الأوضاع الماليَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لعناصر الجماعة الإسلاميَّة، كجزء من عملية الدمج داخل المجتمع.
وكنموذج حرصت الدولة على فتح عيادة طبية للدكتور ناجح إبراهيم، وعمل العديد من المشروعات الاقتصاديَّة للعديد من أعضاء الجماعة المُفرج عنهم، وتوظيف بعضهم في شركات خاصة، ومصالح حكوميَّة، وغلق الملف الجنائي لتلك العناصر؛ ما ساعد على إنجاح عملية التأهيل بشكل رئيسي.
هل يمكن تكرار التجربة الآن؟ ومع مَنْ؟
الحديث عن تكرار تجربة وقف العنف مع الجماعة الإسلاميَّة في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وعمل مراجعات مع أعضاء الجماعة، يمكن تكرارها مع بعض العناصر المتطرفة، خصوصًا العائدين من التنظيمات الإرهابية من الخارج «داعش نموذجًا»، وبالأخص مع العائدين المحبطين، والعائدين غير الفاعلين.
ولكن تأتي إشكالية تطبيق هذا المسار مع التنظيمات المتطرفة العاملة والفاعلة في العمق المصري «القاهرة الكبرى والوادي والدلتا»، التي تتمحور أغلبها في تنظيمات خرجت من عباءة جماعة الإخوان، مثل: «تنظيم حسم، لواء الثورة، طلائع حسم... إلخ»؛ ولهذا نجد صعوبة في تنفيذ آلية المراجعات الفكرية السابقة معها لسببين؛ الأول: أن البنية الفقهية والفكرية لجماعة الإخوان، تأتي في المرتبة الثانية من حيث التأثير، مقارنة بترابط المصالح بين أعضاء الجماعة، والسبب الثاني: أن جماعة الإخوان تقوم على اتباع أسلوب «المعايشة» «3» وبمعنى أدق هو تأثير وتأثر متبادل بين أعضاء الجماعة، فالارتباط داخل جماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة، التي خرجت منها يقوم على تعود العنصر الإخواني أسلوب معايشة، بداية من الأسرة، حتى أعلى مستوى قيادي بالجماعة.
وانطلاقًا من ذلك يُعتبر نمط المراجعات الفكريَّة على غرار الجماعة الإسلاميَّة في نهاية القرن العشرين تجاه التنظيمات الإرهابية والعناصر المتطرفة في الداخل المصري، وخصوصًا التنظيمات المتطرفة الإخوانية، ليس دقيقًا، بل يحتاج لأسلوب آخر يعتمد على خلق شبكات مصالح موازية يمكن أن تستقطب عناصر التنظيم من جهة، وخلق نمط معايشة مغاير عما هو قائم، وخصوصًا مع المقبوض عليهم من الإخوان من جهة أخرى.
وهذا يعتمد على تفرقة العناصر الإخوانية في أماكن الاحتجاز، كمرحلة أولى لخلق أسلوب معايشة جديد، يمكن أن يتم البناء عليه في إعادة صياغة أسلوب المعايشة، والترابط بين أعضاء الإخوان الذي تمت تربيتهم عليه.
ومن ثم، فإن الأحاديث العديدة التي طُرحت خلال عام 2017، وبداية عام 2018، بشأن حدوث مراجعات لعناصر إخوانية في السجون المصرية لم تكن دقيقة بالمعنى المنهجي، لسببين؛ الأول: أن أغلب ما تم تداوله في وسائل الإعلام عن مراجعات لعناصر إخوانية أو عناصر متطرفة، هي حالات فردية، لا ترتقي للمنهج العلمي لمفهوم إعادة التأهيل والدمج، والسبب الثاني: أنه مازال هناك خلط داخل أغلب مؤسسات الدولة والمهتمين، بين المصالحة وإعادة التأهيل والدمج، ومن ثم فهذان السببان معوقان رئيسيان لصياغة استراتيجية مصرية حالية لإعادة تأهيل ودمج العناصر المتطرفة، سواء المقبوض عليهم من التنظيمات الداخلية، أو العائدون من ساحات الصراع والقتال في سوريا والعراق وليبيا.
وخلاصة القول، أن الدولة المصرية قدمت مبادرة مهمة خلال بدايات الألفية بتطبيق نموذج إعادة التأهيل والدمج، للعديد من العناصر المتطرفة، التي بدأت بأعضاء تنظيم الجماعة الإسلاميَّة والجهاد، وامتدت للعديد من العناصر العائدة من تنظيمات دوليَّة وساحات قتال خارجيَّة، كما حدث مع العائدين من «الشيشان وألبانيا... إلخ»، وهذه المبادرة السابقة يمكن أن تكون مدخلًا مُهمًّا في إعادة صياغة استراتيجية جديدة، لإعادة تأهيل ودمج العناصر المتطرفة، خصوصًا العناصر القادمة من سوريا والعراق.
المراجع
1- الجماعة الإسلاميَّة: اللواء أحمد رأفت صاحب الفضل الأول في تحسين أوضاع السجون وأول من ساعد على تحويل مبادرة وقف العنف لواقع ومبدأ تبنته الحركات الإسلاميَّة في الدول العربية، شعبان هدية، اليوم السابع 9 أغسطس 2010ُ https://www.youm7.com/story/2010/8/9/الجماعة-الإسلامية-اللواء-أحمد-رأفت-صاحب-الفضل-الأول-في-تحسين/264068
2- ذكريات ناجح إبراهيم في السجن 11 نوفمبر 2007 https://www.masress.com/egynews/23538
3- الدكتور وحيد عبدالمجيد، حوار مع كاتب الدراسة