ad a b
ad ad ad

«الدسوقية المصرية».. رحلة العودة من انحراف «البرهانية»

الجمعة 06/يوليو/2018 - 08:09 ص
الدسوقية المصرية-
الدسوقية المصرية- أرشيفية
سارة رشاد
طباعة
«الدسوقية المصرية»..
في أعقاب هزيمة الجيش المصري أمام إسرائيل في حرب يونيو 1967، حمل المصريون ثقلًا اجتماعيًّا كبيرًا، إذ شعروا بانهزامية، دفعتهم للبحث عن جدار سميك يتحمل همهم الثقيل، فكانت نزعة الاحتماء بالدين، وهذا الاحتماء الذي سمح بصعود تيارات دينية متشددة، ظهر أيضًا في تحولات فكرية طالت الحالة الدينية المصرية، حتى تلك الصوفية التي تُصنَّف تيارًا دينيًّا مستنيرًا.

«المدرسة الدسوقية» المنسوبة للقطب الصوفي الشيخ إبراهيم الدسوقي (ولد بمصر حوالي 1255 ميلادية، أسس الطريقة الدسوقية التي انبثق عنها طرق صوفية في مصر وبلدان عربية)، على وجه الخصوص هي من مستها هذه التحولات، إذ قدم عليها وافد فكريّ جديد، وهي طريقة سودانية عرفت بـ«البرهانية» أسسها الصوفي السوداني، محمد عثمان عبده البرهاني. 

وفي تأريخ لكيفية دخول «البرهانية» مصر، قيل إنها انتشرت خلال بضعة شهور في أعقاب هزيمة 1967، حتى إن شيخها «البرهاني» نجح في حشد الآلاف من أبناء الدسوقية المصريين حوله، إضافة لأفراد من خارج التصوف.

وفُسر ذلك بزحف جماعي للمصريين نحو التدين، فرضه واقع الهزيمة السياسية والعسكرية، حتى جعلهم ينجذبون لأي مضمون ديني دون مراجعته وإعادة النظر فيها.

وتتلقى «البرهانية» هجومًا عنيفًا من داخل الصوفية نفسها، بسبب المنهج الذي تعتمده، ولخصه شيخها في كتابين هما: «بطائن الأسرار، وتبرئة الذمة في نصح الأمة»، وضمّن الكتابين أحاديث وروايات عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتم ذكرها في أي سند تاريخي، لاسيما وصف الشيخ لنفسه بأنه وريث الرسول، ومظهر الله في الكوكب، بل إنه في أحد المواقع نسب لنفسه صفات إلهية، فيقول في إحداها: «أجود على أم لترحم طفلها.. فرحمة من في الكون من بعض رحمتي».

وتسبب حلول «البرهانية» إلى مصر بمنهجها المذكور في انتفاضة الأزهر (المؤسسة الإسلامية الأولى في مصر)، إذ شنَّ على الطريقة هجومًا انتهى بتشكيله في 1975 لجنة تفند أفكارها، وانتهت إلى منع نشر كتب تلك الطريقة في مصر.

التقرير السابق لم يكن وحده، إذ لحقه حكم قضائي بحل الطريقة، وإلزام مُريديها بترك الطريقة، والانضواء، إذا أرادوا، تحت أي من الطرق الصوفية المنبثقة عن المدرسة الدسوقية، ويصل عددها 7 طرق هي: «البرهامية، الشهاوية البرهامية، الشرنوبية، والسعيدية الشرنوبية، والمجاهدية، والبرهامية العاشورية، وأحدثهم الدسوقية المحمدية».
«الدسوقية المصرية»..
أنشطة خفية
وعلى الرغم من أن الشك مازال قائمًا حول وجود نشاط خفي يقوم به «البرهانيون»، حتى اليوم تحت رايات الطرق الدسوقية المختلفة، إلا أن ذلك لا ينفي أن الحالة الصوفية المصرية تمكنت من لفظ أفكار «البرهانية» ومحاصرتها في أقل من عشر سنوات (من 1967: 1975).. لماذا؟

في دراسة شاملة عن الحالة الصوفية المصرية، ذهب الباحث في الشأن الصوفي بمركز الأهرام المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، أبوالفضل الإسناوي، إلى أن الصوفية المصرية تتميز بالاعتدال؛ نظرًا للشخصية المصرية الرافضة للتطرف، بحسب رأيه، مقرًّا بأن التصوف المصري يعتبر الأقل في الميل للخرافات مقارنة بالتصوف في دول أخرى. 

وربما يكون هذا الرأي مفسرًا للسبب الذي دفع لمحاصرة «البرهانية» في مصر، وأقنع الأزهر الذي كان يتولى مشيخته آنذاك الشيخ الصوفي عبدالحليم محمود (شيخ الأزهر من 1973: 1978) لحظر الطريقة.

ويُشار إلى أن «البرهانية» التي لم تجد موطئ قدم في مصر، نجحت في الوجود في عدة دول عربية وهي: «ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، لبنان، سوريا، الأردن، السعودية، اليمن، الإمارات العربية، الكويت»، إضافة إلى دول غير عربية هي: «الباكستان، السويد، النرويج، الدنمارك، ألمانيا، هولندا، لوكسمبورغ، سويسرا، إيطاليا، روسيا، بريطانيا، كندا، الولايات المتحدة».

و«الدسوقية» في الأصل طريقة صوفية مصرية يمكن إطلاق عليها اسم «المدرسة»، إذ تفرعت عنها طرق في مصر والسودان والأردن، وتنسب الدسوقية إلى القطب الصوفي إبراهيم الدسوقي، المولود في 1255، بمدينة دسوق، شمالي مصر، وعلى الرغم من العمر القصير الذي عاشه القطب الصوفي (بضعة وأربعون عامًا تقريبًا)، إلا أنه خلّف منهجًا قامت عليه طريقة استمرت حتى الآن.

وتمثَّل منهج «الدسوقي» في الاعتماد بشكل أولي على الشريعة الإسلامية كأساس لفهم الدين وشرط للالتحاق بطريقته، وتبع ذلك مجموعة أوراد (ذكر ألفه الدسوقي نفسه، ويتم ترديده في تجمعات أبناء الطريقة) يتم ترديدها بصوت عالٍ، إضافة للأخذ بالرياضة كوسيلة لتهذيب النفس وتربيتها.

وتولى «موسى» شقيق الدسوقي، إدارة الطريقة والدعوة لمنهجها عقب وفاة الشيخ في 1297 ميلاديًّا، حتى إنه ظل يتردد على دسوق والإسكندرية حتى مات ودفن إلى جوار أخيه.

ودفن «الدسوقي» في زاوية صغيرة بمحل ميلاده بدسوق، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى أكبر المساجد الموجودة خارج العاصمة المصرية، ويستقبل مسجد الشيخ إبراهيم الدسوقي كل عام حشودًا من المتصوفة مرة في أبريل وأخرى في أكتوبر لإحياء مولد (احتفال شعبي ديني) الشيخ الدسوقي.
"