الابتزاز والخطف وسيلة جديدة لتمويل الإرهاب في باكستان
الخميس 17/أغسطس/2023 - 08:06 م
محمود البتاكوشي
تُعَدّ قضية تمويل الإرهاب أخطر من الإرهاب نفسه؛ إذ إنها الرافد الحيوي الرئيسي له، فقوة الجماعات الإرهابية تظهر من خلال وفرة وتنوع مصادر تمويلها ولذلك لا تتورع العناصر الإرهابية عن توفير الأموال مهما كانت الوسيلة، ويعتبر الابتزاز، والخطف، وجمع التبرعات، وغسل الأموال من أكثر الطرق ديناميكية لتوفير الأموال للتنظيمات الإرهابية، تماما كما تفعل هذه الجماعات في باكستان.
الجماعات الإرهابية في باكستان باتت تلعب على سياسة جمع التبرعات عن طريق صفحات فيسبوك أو حسابات تليجرام، وأنظمة التمويل غير التقليدية، وحسابات تحويل الأموال، بالإضافة إلى خطف المدنيين، وطلب الفدية، وابتزاز رجال الأعمال وكبار المسؤولين، والتمويل الخفي عبر الإنترنت، وأخيرًا استغلال العاطفة الدينية في جمع التبرعات تحت ستار الصدقات من أجل دفع المال للمهربين، وتمويل مدارس ومخيمات التدريب، وغيرها من الأنشطة الإرهابية، وذلك حتى تضمن بقائها واستمرار نشاطها.
استراتيجية الهجمات غير المكلفة
بحسب دراسة حديثة أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تبنت التنظيمات الإرهابية، وبخاصة طالبان الباكستانية المحظورة، استراتيجية الهجمات منخفضة التقنية والموارد، مما يضمن استمراره واستغلال المال في تجنيد مزيد من الشباب، كما تحول التمويل المالي للتنظيمات مؤخرًا من نظام مركزية التمويل إلى نظام لامركزية التمويل، وذلك حينما حثت التنظيمات الإرهابية أنصارها على توفير احتياجاتهم المادية ذاتيًّا عبر الحصول على فديات، والابتزاز وسرقة الأسلحة، وبخاصة استهداف معسكرات الجيش الباكستاني.
وأكدت الدراسة أن الإرهاب في باكستان يعتمد على التبرعات التي تجمع من مصادر مشروعة مثل الجمعيات الخيرية أو التبرعات الفردية بدعوى مساعدة الفقراء والمحتاجين، في حين تُستخدم هذه الأموال أحيانًا في شراء الأسلحة والمعدات، وتفضل التنظيمات الإرهابية أسلوب جمع التبرعات في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية؛ حيث لا يسأل أحد عن الجهات المستفيدة من هذه الأموال، ولا تتورع التنظيمات الإرهابية عن استغلال التبرعات الخيرية للمدارس الدينية، في تمويل الأنشطة الإرهابية.
وحذر مرصد الأزهر الشريف من خطر المدارس الدينية غير المسجلة حكوميًّا إذ تعد بيئة خصبة لبذر التطرف في الأطفال لعدم توافر بيانات حول مصادر تمويل هذه المصادر، بخلاف حساسية الحديث عن المدارس الدينية أو التحقيق في مصادر تمويلها، ولكونها مدارس غير نظامية فلا توجد معلومات عن أعداد التلاميذ وبياناتهم، أو طبيعة المناهج الدراسية، لذا أطلقت السلطات الباكستانية حملة احذر، وناشدت المواطنين التحقق بعناية قبل التبرع حتى لا يساء استخدام أموالهم، فقد تستخدم أحيانًا في تمويل الإرهاب، أو دعم مشاريع تقود بشكل غير مباشر إلى تكوين جماعات إرهابية.
التمويل بالفدية
يعد الخطف من الأساليب التي تنفذها الجماعات الإرهابية في باكستان، ففي العام 2013 اختطفت طالبان الباكستانية، طالبتين تحملان جنسية التشيك في إقليم بلوشستان جنوب غرب البلاد، ما اضطر حكومة براغ إلى دفع فدية 6 ملايين دولار للإفراج عن الطالبتين، ولا تقتصر عمليات الخطف على طلب الفدية، ولكن أكد تقرير صحيفة (jaannews) الباكستانية، قيام حركة طالبان بخطف الأطفال في المناطق القبلية بإقليم خيبر بختونخوا، وتأهيلهم بدنيًّا، وتدريبهم على القيام بعمليات إرهابية انتحارية، وقد اختطفت جماعة حافظ جول بهادر جناح حركة طالبان باكستان في شمال وزيرستان، طفلين وأجبروهما على الالتحاق بصفوف الإرهابيين، وهذا ما يسمى بالخطف المباشر، وهناك أيضًا الخطف غير المباشر، في المناطق الحدودية الباكستانية، التي تشهد تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الجماعات المتطرفة من طالبان والميليشيات الإرهابية الانفصالية، كونها تعاني من الفقر المدقع؛ مما يسهل تجنيد غير المتعلمين والعاطلين بعد إغرائهم بالمال والنفوذ وانتزاع الأطفال من المعوزين مقابل إيوائهم وإطعامهم، فهناك المزيد من الأطفال المنقطعين عن المدارس يتم ضمهم إلى التنظيمات الإرهابية وإجبارهم على حمل السلاح، ومما سبق يتضح أن التنظيمات الإرهابية تعمد إلى اختطاف الأطفال كأداة لتحقيق أهدافها.
هجمات متكررة
وتعاني الأقاليم الحدودية الباكستانية من الهجمات المتكررة للتنظيمات الإرهابية، وتدفق المقاتلين، وسيطرتهم على نقاط التفتيش الأمنية، وممارستهم لعمليات الابتزاز، وجراء ذلك فُقِد الكثير من المواطنين خلال السنوات الماضية، مما أسفر عن نزوح أعداد كبيرة من المدنيين، وتدمير مدن بأكملها، بسبب حالة الخوف والفزع التي دبت بداخلهم، إذ تستهدف رجال الأعمال وخاصة المتعاونين مع الجيش والحكومة لابتزازهم والحصول منهم على أموال لتمويل نشاطهم الإرهابية، وأظهرت الإحصائيات أنه تم تسجيل 155 حالة ابتزاز في عام 2022، و60 بلاغًا للأجهزة الأمنية، فيما رفض العدد الأكبر اللجوء للشرطة، وقُدّرت المبالغ التي حصلت عليها التنظيمات الإرهابية 1.6 مليار روبية باكستانية؛ ما يوازي 6 ملايين دولار تقريبًا.





