ad a b
ad ad ad

دلالات وفرص محاولات التعاون العسكري بين روسيا والصين

الإثنين 30/يناير/2023 - 08:58 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة
دفع توتر العلاقات بين أمريكا والدول الأوروبية من ناحية وروسيا والصين الأخيريتين إلى التقارب، على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وأكبر دليل على ذلك تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اجتماعه الافتراضي مع نظيره الصيني شي جين بينج، الذي عقد يوم 30 ديسمبر 2022، حيث أكد أنه يريد تعزيز التعاون العسكري مع بكين، لمواجهة الضغوط الغربية ومحاولة حلف الناتو لمحاصرتهما وتحجيم نفوذهما.

الرئيس الروسي يهدف من وراء التعاون مع الصين عسكريًّا، مواجهة الضغوط الغربية غير المسبوقة، ومحاولة بناء نظام دولي عادل، متعدد الأقطاب يمتلك القدرة على التخلص من الهيمنة الأمريكية على المجتمع الدولي.

يذكر أن البلدين تعاونا سابقًا في مجال المناورات العسكرية المشتركة، والذي شهد زيادة واضحة على مدار العامين الأخيرين، كما اكتسب دلالات جيوسياسية، ففي مايو 2022، أجرت الصين وروسيا طلعة جوية مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي التي تزامنت مع قمة قادة الحوار الرباعي الإستراتيجي المعروف أيضًا باسم الكواد في طوكيو، وهو منتدى للتعاون السياسي تسعى واشنطن لتحويله إلى تحالف عسكري ضد الصين، وبالتالي، فإن المناورات المشتركة لموسكو وبكين جاءت لتؤكد أن البلدين يتعاونان عسكريًّا في مواجهة محاولة واشنطن تأسيس أحلاف عسكرية ضدهما.

كما أجرت موسكو مناورات متعددة الأطراف بمشاركة الصين والهند خلال الفترة من 30 أغسطس، وحتى 5 سبتمبر 2022، وذلك في مؤشر على أن محاولات واشنطن لإضعاف العلاقة بينهما لن تنجح.

العلاقات الصينية الروسية رغم أنها معقدة، وشهدت الكثير من التقلبات بين التحالف والتنافس وحتى النزاعات المحدودة، ولكنها نجحت في الفترة الأخيرة في التطور وتجاوز الخلافات والتعاون على المستوى الاقتصادي والتنموي بالدرجة الأولى، والسياسي والعسكري بدرجة أقل.

شهدت العلاقة بين الجانبين تطورات مهمة تمثلت في سلسلة من المناورات العسكرية المشتركة، حيث شهد العام 2016 مناورة كبرى تدربت فيها قوات روسية وصينية على عمليات استيلاء على جزر في بحر جنوب الصين، كما شهد العام 2018 مناورة الشرق وهي الأكبر في تاريخ روسيا.

كما أطلق الجانبان عام 2019 الدوريات الجوية الإستراتيجية المشتركة بين قواتهما الجوية، عبر تنفيذ قاذفات كلا الجانبين دورية مشتركة في أجواء المحيط الهادئ، تبعتها دورية أخرى في ديسمبر 2020 في غرب المحيط الهادئ ونطاق بحر الصين الشرقي.

وشهد شهر مايو 2022 دورية جوية مشتركة بين الجانبين، ظلت لمدة 13 ساعة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي حينها، أشارت بعض التحليلات إلى أنَّ هذه الدورية كانت ردًا على التحالف الرباعي الذي تم إعلانه بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان في طوكيو، وكذا التصريحات التي أدلى بها -حينها- الرئيس الأمريكي جو بايدن حول إمكانية تدخل واشنطن عسكريًّا ضد الصين في حال مهاجمتها تايوان.

تكونت الدورية الجوية المشتركة بين روسيا والصين، التي ظلت لمدة 8 ساعات متواصلة في أجواء بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، من 11 طائرة متنوعة، منها قاذفتان إستراتيجيتان من نوع توبوليف-95 إم إس، و4 مقاتلات من نوعي سوخوي-30 إس إم وسوخوي-35 إس، في حين شاركت القوات الجوية التابعة لجيش التحرير الصيني بقاذفتين إستراتيجيتين من نوع جيان إتش-6، وطائرة تزويد بالوقود من نوع جيان-0"، ومقاتلتين من نوع شنيانغ جي-16.

التعاون العسكري البحري بين بكين وموسكو شمل أيضًا تنفيذ دوريات بحرية مشتركة، أبرزها دوريتان نفذهما الجانبان في أكتوبر 2021 في الجزء الغربي من المحيط الهادئ، وفي نطاق بحر اليابان، حينها، عبرت نحو 10 قطع بحرية تابعة للبحريتين الروسية والصينية مضيق تسوجارو الفاصل بين الجزيرة الرئيسية في اليابان وجزيرة هوكايدو.

واستوردت الصين أسلحة ومعدات عسكرية روسية بقيمة 26 مليار دولار ما بين 1992 و2006، كما جرى مؤخرًا، توقيع صفقات عسكرية ستشمل تزويد الصين بأحدث منظومات التكنولوجيا العسكرية الروسية، وتنوي الصين استخدامها لتعزيز سيطرتها على بحر جنوب الصين.

جاء التأكيد الرئاسي الروسي على أهمية التعاون العسكري بين البلدين في أعقاب مناورات التفاعل المشترك 2022، في بحر الصين الشرقي، والتي جاءت في الفترة من 21 إلى 27 ديسمبر 2022، وأكدت أن هذه المناورات رد فعل على التزايد العنيف في أعداد القوات الأمريكية الموجودة في منطقة آسيا والهادئ، وهو ما يعني أن روسيا تبدي استعدادها للتعاون الوثيق مع بكين ردًا على المساعي الأمريكية لتطويق الصين، سواء من خلال تأسيس أحلاف عسكرية وتكنولوجية مناوئة للصين، أو من خلال دعم تايوان عسكريًّا.

الجانب الصيني يعلم جيدًا أن واشنطن تسعى لاستنزاف روسيا في أوكرانيا، للتخلص من منافسها الإستراتيجي والتفرغ لها، إذ تعد التهديد الأكبر وفقًا للوثائق الأمريكية، لذا سعت لإدراج التهديد الصيني ضمن تهديدات حلف الناتو، كما تدرك بكين أن واشنطن توظف ملف تايوان لإثارة مخاوف حلفائها من الدول الغربية والآسيوية من التهديد الصيني، وتعزيز مخططاتها الرامية لتأسيس تحالفات عسكرية مناوئة لبكين.

فضلاً عن إقرار الولايات المتحدة قانون الدفاع الوطني للسنة المالية 2023، والذي ينص على تقديم مساعدات عسكرية لتايوان، ما اعتبرته بكين استفزازًا سياسيًّا خطيرًا وتدخلًا صارخًا في الشؤون الداخلية للصين.

كما حذر ينس ستولتنبرج، أمين عام حلف الناتو، من تنامي التعاون العسكري والاقتصادي بين روسيا والصين، مؤكدًا أنه يهدد النظام العالمي الذي أنشأه الغرب، وأصبح خطرًا، ويجب على حلف الناتو التماسك.

الصين ترى إن التعاون مع روسيا من شأنه أن يساهم في تحويل جيش التحرير الشعبي الصيني إلى واحد من أكبر القوات المقاتلة في العالم لكي يضاهي في قوته الجيش الأمريكي، عبر تعزيز قدرته العملياتية المشتركة من أجل بناء قوة عسكرية يمكنها أن تنتصر بالفعل في القتال مع خصم قوي مثل الولايات المتحدة، وهنا يأتي دور القوات المسلحة الروسية التي تتمتع بخبرة قتالية أكثر من الصين.

وبالرغم من المعطيات السابق ذكرها، لكن من الصعب على روسيا والصين دعم الاحتياجات الإستراتيجية العسكرية للطرف الآخر، فالتهديد الأساسي الذي يواجه الصين قادم من البحر، والقدرة البحرية الروسية محدودة وغير قادرة على تلبية الاحتياج الذاتي وسد ثغراته، بدليل أن الوصول من ميناء روسيا الآسيوي الرئيسي، فلاديفوستوك، إلى الصين يتطلب المرور بالطرق البحرية التي تسيطر عليها اليابان والولايات المتحدة.

والتهديدات الرئيسية التي تواجه روسيا برية، وقدرة الصين على إرسال قوات إلى المناطق ذات الاهتمام الروسي محدودة، وليس لدى موسكو حاجة ملحة لقوات برية إضافية.


"