هل تنجح مبادرة «الرئاسي» الليبي في رأب الصدع السياسي؟
طرح محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، مبادرة جديدة، لتسوية الأزمة المتفاقمة في البلاد، بعد تجدد الخلافات بين كلٍ من رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، على خلفية إقرار البرلمان قانون المحكمة الدستورية، التي سيكون مقرها بمدينة بنغازي، ويوكل إليها اختصاصات الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وهو ما دفع الأخير إلى عدم التواصل مع النواب لحين إلغاء القانون.
مبادرة المجلس الرئاسي الليبي تهدف إلى تهيئة المجال لحوار دستوري ينهي المرحلة الانتقالية، عبر عقد لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة، النواب والدولة والرئاسي، تحت رعاية المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، وهو ما يتسق مع الدعوة التي كان الأخير قد أطلقها، في الثالث من ديسمبر 2022، والتي طالب خلالها بضرورة إطلاق حوار مشترك للمجالس الثلاثة، لضمان مشاركة الأطراف الفاعلة كافة في المشهد السياسي في التوافق على بنود هذه المبادرة، بما يوسع من نطاق الدعم الداخلي لها.
جملة من الدلالات
تعكس المبادرة المطروحة من قبل المجلس الرئاسي الليبي جملة من الدلالات المهمة المتعلقة بالمتغيرات المتلاحقة التي تطرأ على هذه الأزمة، إذ يستهدف استثمار الخلافات الأخيرة بين مجلسي النواب والدولة لتعزيز دوره في الداخل الليبي والحيلولة دون تنحيته من المشهد، خاصةً أن اللقاء الذي كان يفترض تنظيمه بين عقيلة صالح وخالد المشري في مدينة الزنتان كان يتوقع أن يفرز اتفاقًا جديدًا بإعادة هيكلة السلطة التنفيذية، وهو ما يهدد استمرارية المجلس الرئاسي الحالي، لذا ربما يسعى محمد المنفي من هذه المبادرة المطروحة التمسك بحظوظه في البقاء في المشهد.
وتؤكد المبادرة تصاعد الضغوط والتوترات، بين المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة، والتي ظهرت بعض ملامحها في الأزمة الدبلوماسية الأخيرة الخاصة بزيارة وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى طرابلس، والتي تم إلغاؤها، مع اتساع نطاق الأطراف الداعمة لفكرة تغيير حكومته وتشكيل حكومة موحدة جديدة، تتولى مسؤولية المرحلة الانتقالية والتحضير للانتخابات المقبلة، واحتمالية انخراط المجلس الرئاسي في تحركات مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة.
دعم أممي
تلقى مبادرة المجلس الرئاسي الليبي دعمًا أمميًّا، للضغط على مجلسي النواب والدولة لتسوية الخلافات الأخيرة التي انبثقت عن ملف قانون المحكمة الدستورية الجديدة، وأشارت تقديرات إلى أن المبادرة الجديدة التي طرحها الرئاسي مؤخرًا، والتي يرجح أن تكون مدعومة من قبل البعثة الأممية، ربما تستهدف محاولة سحب ملف القاعدة الدستورية من مجلسي النواب والدولة، وذلك بعدما تعثرت مساعي الطرفين كافة في التوصل إلى توافقات بشأن المواد الخلافية وإنجاز هذا الملف، وبالتالي ربما يسعى المجلس الرئاسي إلى إعادة إحياء مبادرته السابقة المتعلقة بتقديم قاعدة دستورية، وإقناع مجلسي النواب والدولة بها.
وعلى الرغم من الدعم الأممي فإن طبيعة السياقات الداخلية والخارجية، تؤكد أن هذه المبادرة لن تؤتي ثمارها المرجوة، وسيكون مصيرها الفشل إذ تعددت المبادرات التي أعلن عنها الرئاسي الليبي، سواء فيما يتعلق بملف المصالحة الوطنية، أو المبادرة السابقة التي كان قد طرحها «الرئاسي» لتقديم قاعدة دستورية جديدة، والتي باءت جميعها بالفشل، وهو ما يثير شكوكًا حول نجاح المبادرة الجديدة.
وعكست التوترات الأخيرة بين مجلسي النواب والدولة على أثر إقرار قانون إنشاء أول محكمة دستورية في ليبيا واحتمالات انزلاق السلطة القضائية نحو الصراعات السياسية الراهنة، خاصةً مع دعوة رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، للقضاة بمقاطعة المحكمة، وهو ما يثير تخوفات عديدة من إمكانية تحول السلطة القضائية إلى طرف في الصراع.
ويعزز هذا التخوف الطعن الذي تقدم به عدد من المحامين، في الخامس من ديسمبر 2022، أمام القضاء الإداري بمحكمة استئناف طرابلس، ضد مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة الدبيبة مع تركيا، في أكتوبر 2022.





