يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

الأزمة الغذائية وحركة الشباب.. الصومال بين ناري الجوع والإرهاب

الخميس 08/ديسمبر/2022 - 06:28 م
المرجع
أحمد عادل
طباعة
يخوض الصومال حربا لا هوادة فيها على الإرهاب، حيث تمكنت قواته في الفترة الأخيرة من تحقيق انتصارات عسكرية على عناصر حركة «الشباب» الاهابية ردًّا على هجماتها الإجرامية والمجازر التي ارتكبتها بحق الأبرياء، مستعينا في ذلك بإجراءات حكومية لتجفيف منابع تمويل الحركة واستنفار الشعب للانخراط في هذه المعركة القاسية، ولكنها ضرورية لإحلال الأمن وإعادة السلام إلى هذا البلد الذي عانى طويلاً انعدام الاستقرار ونقص الغذاء.

حياة أو موت

تؤمن الحكومة الصومالية بأن معركتها الدائرة ضد فلول حركة «الشباب» حرب حياة أو موت، ويصمم القادة السياسيون والعسكريون على حشد كل الإمكانيات للقضاء على التنظيمات الإرهابية واجتثاث تهديدها، من أجل التفرغ إلى معركة أكثر أهمية وخطرا تتعلق بمعالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في ظل تفاقم العجز الغذائي وانتشار المجاعة، وسط مؤشرات مفزعة تؤكد أن الصومال سيكون من أكبر ضحايا التغيرات المناخية في الفترة المقبلة، فهناك ما يقرب من ثمانية ملايين شخص، حوالي نصف عدد السكان، يعانون مجاعة مؤكدة بسبب ضعف إنتاج المحاصيل وفقدان الثروة الحيوانية.

وفي غياب إحصائيات دقيقة، هناك ضحايا يموتون يوميا، أكثر من ضحايا الحوادث الإرهابية، جراء تداعيات انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض.

ويكفي التذكير بأن 250 ألف شخص قضوا قبل عشر سنوات جراء المجاعة، والوضع اليوم أسوأ لأنه يتجاوز الصومال إلى دول القرن الإفريقي كله.

الأزمة الغذائية المستفحلة وظاهرة الإرهاب تستنزفان الشعب الصومالي، وتثقلان كاهل حكومته، وإذا كان هناك تقدم في العمليات الأمنية ضد الفلول الإرهابية خصوصًا في جنوبي البلاد بفعل جاهزية القوات الحكومية ودعم الحلفاء الدوليين، فإن مواجهة آثار التغير المناخي تبدو أكثر تعقيدا وتحتاج إلى تضافر الجهود العربية والدولية، ضمن استراتيجية متعددة المحاور للحد من مخاطر المجاعة وتداعيات الجفاف.

 ورغم الوعود الكثيرة والتعهدات بتقديم العون والخبرات، يبدو التحدي أكبر مما هو معلن، وسيتطلب مزيداً من العمل والدعم، حتى يتمكن الصومال من النصر في المعركتين، ويفوز باستحقاق توفير الأمن والرخاء وطي السنوات الصعبة التي واجهها، وظل طويلاً حالة إنسانية وأمنية وسياسية منسية على هامش المسرح الدولي.

وكان للتغيرات العالمية تأثير في مجريات الوضع في الصومال، فتحديات المناخ والإرهاب والتنمية بدأت تؤثر في الوضع الإقليمي، وتدفع باتجاه حل هذه المشكلات حتى لا تتفاقم أكثر.

 فالتهديدات المتطرفة باتت أكبر في القارة الأفريقية ككل من أي مكان آخر في العالم، ولا يتعلق الأمر بحركة «الشباب»، بل يتعداها إلى تنظيمات إرهابية أخرى مثل «بوكو حرام» و«القاعدة» و«داعش»، وكلها إجرامية ومتطرفة وإن تعددت أسماؤها، وكلها تستغل الظروف المأساوية بسبب هشاشة الأوضاع الاقتصادية وضعف الحكومات، كما تحاول إثارة الصراعات القبلية والإثنية لتجيرها لصالح تمددها وزيادة نفوذها، وستتوقف هذه المخططات على مدى استجابة المجتمعات.

لن يكون من السهل توسيع نطاق الهجوم ليشمل مناطق أخرى. وتلعب العشائر دوراً رئيسياً في الهجوم الحالي للجيش الصومالي، لكن ليس من المؤكد أنّ الجميع سيفعلون الشيء نفسه، خصوصاً في جنوب الصومال الذي يعدّ معقلاً تاريخياً للشباب.

ومنذ 15 عاماً، فشلت كلّ محاولات القضاء على هذه الحركة عسكرياً. وأعلن حسن شيخ محمود في يوليو 2022 أنّ "هناك حججاً قوية" للمفاوضات، لكنه أضاف "لسنا في وضع يسمح لنا حالياً بالتفاوض مع الشباب. سنفعل ذلك في الوقت المناسب".

في منتصف يوليو 2022، وضع الرئيس حسن شيخ محمود استراتيجية مفصّلة على "ثلاث جبهات": عسكرية، أيديولوجية واقتصادية، وقال: "إنّ السياسات السابقة كانت عسكرية تمثّلت في الهجوم والتدمير. لكنّ مشكلة الشباب أكثر من كونها عسكرية".

وتمثَّل أول إجراء اتخذه في تعيين مختار روبو وزيرًا للشؤون الدينية، وكان هذا الأخير مؤسسًا لحركة الشباب التي غادرها في العام 2017. ومنذ ذلك، يتعاون روبو والحكومة للجم نفوذ حركة الشباب.

ومن أجل وقف مصادر تمويل الحركة، أعلنت الحكومة أيضاً أنّ أيّ شركة تدفع "الضرائب" التي تطلبها حركة الشباب، سيُلغى ترخيصها. وأعلن حليفها الأمريكي تقديم حوالى عشرة ملايين دولار، في مقابل أيّ معلومات تسمح "بتعطيل الآليات المالية".

وربما سيكون النموذج الصومالي في الحرب على الإرهاب، من خلال تشجيع الانتفاضات الشعبية على الحركات الإرهابية أمراً حاسماً في كسب المعركة، وقد يصبح يوماً قابلاً للتعميم في البلدان الإفريقية التي تواجه ذات التحديات، والمبدأ في ذلك أن إرادة الشعب لا تقهر إذا وجدت القيادة الواثقة بالنصر.
"