الدب غير قابل للترويض.. هكذا فشلت عقوبات الغرب في تركيع روسيا
السبت 19/مارس/2022 - 02:53 م
محمود البتاكوشي
توقع الكثيرون انهيار الاقتصاد الروسي، عقب حزمة العقوبات القاسية التي اتخذتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي ضد موسكو عقب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحرب في أوكرانيا ردًّا على الاستفزازات الغربية، ولكن أثبت الأيام أن هذه العقوبات لم تؤثر بالصورة المنتظرة، ولا سيما بعد تجميد 250 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي الروسي في الخارج، فضلًا عن قرار الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا بحظر استيراد النفط والغاز من روسيا، أملًا في أن يتسبب ذلك في ضرر للاقتصاد الروسي، رغم أن هذه القرارات تأثيرها لا يتعدى الجانب المعنوي إذ إن هناك دولًا أخرى تحتاج لذلك النفط والغاز في ظل التزام أوبك بسقف وحصص الإنتاج، كما أن وارداتهما معًا من النفط والغاز الروسي محدودة ويعوضها كليًّا ارتفاع سعر صادرات روسيا من النفط وحده بمقدار دولارين فقط لمدة عام، وهذا يعني أن ارتفاع الأسعار بأكثر من 40 دولارًا لمدة 3 أسابيع يعوض توقف الصادرات المحدودة لبريطانيا والولايات المتحدة حتى في حالة عدم وجود سوق آخر لتصدير ذلك النفط والغاز إليها.
كما أن السوق العالمية ليست الغرب وحده، وكان أكثر من 58% من صادرات روسيا تتوجه للغرب قبل 10 أعوام، لكنها عملت بدأب وبشكل تدريجي للتوجه للاقتصادات النامية والناهضة، وعلى رأسها الصين التي تحولت لأكبر شريك تجاري لها، وأدى ذلك لتراجع حصة الغرب من الصادرات الروسية إلى أقل من 50% من تلك الصادرات المكونة من النفط والغاز الرخيصين والمعادن الضرورية للصناعات العالية التقنية والماس والحبوب وهي صادرات حيوية للغرب بأكثر بكثير من أهمية عائدها لروسيا التي يمكن أن تجد أسواق بديلة.
قرارات روسية
روسيا اتخذت عدة قرارات للرد على هذه العقوبات أولها تسديد الديون بالروبل الروسي، حيث أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسومًا وجه فيه الحكومة بتأكيد أحقية الشركات الروسية مديونياتها لجهات مالية غربية بتسديد مستحقاتها المالية بالعملة المحلية، وليس بالدولار الأمريكي، مما يؤدي لخسائر كبيرة للدائنين بسبب انخفاض قيمة الروبل بنسبة 50%، كما أن هذا الإجراء من شأنه أن يقلل من سحب احتياطات روسيا من العملات الأجنبية.
كما أقرت موسكو قائمة من الدول التي اتخذت إجراءات غير ودية ضد المواطنين الروس، ومن المتوقع أن تشهد تلك الدول عقوبات اقتصادية واسعة النطاق متدرجة، وفقًا للخطوات التي اتخذتها كل دولة ضد موسكو، في خطوة تصعيدية روسية.
تحركات رقمية
كما قامت روسيا على مدار السنوات بتطوير الروبل الرقمي؛ حيث قد تلجأ الشركات لتمرير عملياتها المالية من خلال تقنيات البلوك تشين، نظرًا لصعوبة تحديد تلك العمليات لوجودها خارج نطاق النظام المصرفي الرسمي العالمي، وخارج سيطرة الدول الغربية.
وقد سجلت التحركات الروسية في البلوك تشين زيادة قدرها 3 مرات منذ بداية فبراير هذا العام. وقد يساعد إطلاق الصين عملتها الرقمية على الحفاظ على الاحتياطي النقدي الأجنبي الروسي واستخدامها في تعاملاتها مع الصين.
كما أصدرت روسيا قرارات بتقييد تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية، مثل القمح للدول التي تمنع رسو السفن الروسية في موانئها، حيث تساهم روسيا بنصيب كبير جدًّا من تجارة المواد الغذائية والحبوب التي تشكل حجر زاوية سلة غذاء العالم، خصوصًا للدول الأفقر، وبالتالي قد تستخدم روسيا هذا السلاح، كما أن الصراع المسلح الجاري في أوكرانيا، قد يفاقم من ارتفاع أسعار تلك السلع، خاصة أن الأخيرة تعد منتجًا محوريًّا للعديد من السلع الزراعية الرئيسية، وجود مخاوف من عجزها عن تصديرها.
دعم صيني
كما تعول روسيا في أزمتها على الدعم الصيني الاقتصادي والسياسي، التي عبرت عن رفضها التام العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا عدة مرات، وأفادت تقارير برغبة بكين في الاستثمار في قطاع الطاقة الروسي من خلال شراء حصص في الشركات العاملة في مجال الطاقة الروسية، كما تستخدم البنوك الروسية خدمات يونيون باي الصينية المتوفرة في 180 دولة حول العالم كبديل لماستر كارد وفيزا.
كما حرصت موسكو خلال السنوات الماضية على بناء درع واقية يمكن الاتكاء عليها حالة فرض عقوبات اقتصادية ضده، تتمثل في وجود احتياطي من العملات الأجنبية المتنوعة، رابع أكبر احتياطي نقدي في العالم، والحفاظ على معدلات منخفضة من الدين العام والخاص، وزيادة التجارة مع الشرق الآسيوي، خصوصًا مع الهند والصين.
مما لا شك فيه أن الاقتصاد الروسي سيعاني حتمًا بسبب قسوة العقوبات الاقتصادية الغربية ولكن في المقابل، فإن هناك آثارًا سلبية مؤكدة على الدول الفارضة للعقوبات الاقتصادية، نظرًا لحجم موسكو في التبادلات الاقتصادية العالمية، خصوصًا على المواد الأولية، والمنتجات الروسية عالية التقنية.





