بعد الوصول للسلطة.. مستقبل أفغانستان المأزوم تحت حكم طالبان في 2022
الأحد 09/يناير/2022 - 07:04 م

محمود البتاكوشي
مستقبل غامض ينتظره الشعب الأفغاني عقب استيلاء حركة طالبان على مقاليد الأمور هناك، إذ أعقب ذلك العديد من الاضطرابات والقلاقل والأزمات الإنسانية والاقتصادية، ولاسيما بعد فشل الحركة في التعامل والتعاطي مع العديد من الملفات، ولعل أبرزها عدم قدرتها على كبح جماح تنظيم داعش الإرهابي الذي مازال يصول ويجول في طول البلاد وعرضها.
سيطرت حركة «طالبان» على البلاد في أيام قليلة خلال منتصف أغسطس 2021 لم يكن سوى اختبار سهل فالصعود إلى القمة تحد يسير مقارنة بالحفاظ عليها والنجاح في تسيير أمور البلاد بنجاح، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، ولعل ذلك يرجع إلى عدة أسباب أهمها أن الانتصار العسكري أتى سريعًا جدًّا للحركة التي لم تكن مستعدة بخطط إدارة البلاد من دون مساعدة خارجية، فعندما كانت حركة متمردة، فرضت ضرائب على سكان المناطق التي تسيطر عليها، وتركت الخدمات العامة في أيدي الحكومة ومنظمات غير حكومية، لكن الوضع الراهن مختلف تمامًا فهي الآن الحكومة والدولة وأصبحت مسؤولة عن حماية وإعالة نحو 40 مليون مواطن معظمهم تحت خط الفقر.
يمثل عجز حركة طالبان في تحويل المقاتلين المتمردين إلى رجال دولة أهم التحديات إذ يفتقر معظمهم إلى الثقافة والتعليم مما يجعل تعاون المؤسسات الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ودول القارة الأوروبية معهم أمرًا غاية في الصعوبة، مما يقف حجر عثرة أمام المساعدات التي كانت تنعش الدولة الأفغانية، إذ تؤكد البيانات الرسمية للأمم المتحدة أن الميزان التجاري الأفغاني يعاني عجزًا خلال العام الماضي فقط بلغ نحو 4.66 مليار دولار، وأنه يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتم تمويله بالكامل من تدفقات المنح الوافدة، التي باتت غير مضمونة وفق المعطيات الحالية فالكثير من الدول ترهن مساعدتها بسلوك حركة طالبان في الحكم، مع الأخذ في الاعتبار أن الدول المانحة كانت قد رصدت حزمة من المساعدات بلغت 20 مليار دولار في الفترة بين 2021 و2025 أصبح مصيرها غامضًا في الوقت الراهن، وأكبر دليل على ذلك قرار إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن تجميد 9.5 مليار دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني ووقف شحنات النقد إلى البلاد، كما أوقفت حكومات أوروبية مساعداتها التنموية، وأوقف صندوق النقد الدولي الوصول إلى حقوق السحب الخاصة لأفغانستان، فضلا عن فرض الحكومات الغربية والوكالات المتعددة الأطراف والجهات المانحة شروطًا صارمة على استئناف التمويل، إذ ستعتمد المساعدات على حفاظ «طالبان» على العديد من الحريات - خاصة للنساء - التي حصل الناس عليها في غيابهم، وعلى منع عودة ظهور الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، والتزام حركة طالبان بتعهداتها الخاصة بعدم انتهاك حقوق الإنسان وملف الحريات.

يشار أن نصف المجتمع الأفغاني يعيش تحت خط الفقر، وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 40%، ونحو نصف الشعب الأفغاني يعمل بالزراعة.
ومن المتوقع بحسب صندوق النقد الدولي أن تنهار قدرات أجهزة الدولة على تقديم خدمات تعليمية وصحية ولوجستية للسكان، خلال أقل من عام على سيطرة الحركة.
فشلت طالبان في إقناع الداخل والخارج بأنها ستكون أكثر انفتاحا مما كانت عليه في ظل حكمها السابق بين عامي 1996 و2001، عندما اضطهدت النساء وعاقبت معارضيها بقسوة، وأن كانت منحت النساء بعض الحرية فلم يعدن مجبرات على ارتداء البرقع أو حصولهن على مرافق ذكر للخروج، ولكنها في الوقت نفسه لم تعد الموظفات الحكوميات إلى المكاتب، كذلك أعلنت «طالبان» إعادة فتح المدارس الإعدادية والثانوية للذكور، مستثنية الإناث، بحجة حمايتهم علما أن الخطر الرئيس الذي كان يتهدد المدارس في السنوات الأخيرة، وهو هجمات «طالبان»، زال مع استيلائها على السلطة.
الأيام القادمة من الممكن أن تشهد محاولات مكثفة من طالبان مع مؤسسات المجتمع الدولي لكسب الدعم والتأييد أملًا في عودة المساعدات والاستثمارات الأجنبية إذ ينتظر المستثمرون الغربيون الإذن من حكوماتهم، مع الأخذ في الاعتبار الرأي العام في بلادهم، إذ ستدرك معظم الشركات الأمريكية والأوروبية رد الفعل المحلي المحتمل ضد ممارسة الأعمال التجارية، بشكل مباشر أو غير ذلك، مع «طالبان».
المخرج الوحيد لحركة طالبان من مأزق الفشل هو أن تحكم بمعايير العالم وفق القوانين الدولية فلم يعد العالم يعيش في جزر منعزلة، وخاصة أن أفغانستان تحتاج إلى مساعدة العالم ودعمه لها، لذا فهي مطالبة بالانفتاح بصورة جدية على العالم لعدم الدخول في المنعطف المظلم.
كما يبدو أن الأيام القادمة ستكون حبلى بمزيد من الصدام والصراع بين حركة طالبان التي تسيطر على معظم الأراضي الأفغانية، وبين تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر على بعض المناطق الحدودية، ويشن عمليات من آن لآخر، إذ تسعى حركة طالبان في الوقت الراهن تقويض مخططات داعش التي تسعى إلى السيطرة على مناطق حدودية مع باكستان، وإجهاض مشاريعه التوسعية فى البلاد، ووصل الخلاف قمته إذ وصف قيادات داعش، الحركة بـ«البرمجاتية» والتخلي عن القيم الدينية مقابل مكاسب دنيوية، وقياداتها مناهضي المشروع الجهادي كفار ومرتدين.
حركة طالبان ترى أن مواجهة التنظيم ودحره أمر لا مفر منه حتى تستطيع الوفاء بتعهداتها للمجتمع الدولي بعدم بالسماح بتحول أفغانستان إلى مسرح وبيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، كما أن العمليات الإرهابية التي تضرب البلاد من آن لآخر تضرب مصداقية طالبان وتهز ثقة الشعب الأفغاني في قدرتها على حفظ أمن البلاد وسلامة المواطنين، إذ بات ظاهرًا عجزها عن ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن انسحاب قوات التحالف الدولي، ولا سيما أن طالبان أعلنت بعد سيطرتها على كابول في أغسطس 2021 أن الأرض الأفغانية لن تستخدم مطلقًا بعد الآن لشن هجمات إرهابية.
ولهذا السبب، فرضت الهجمات الإرهابية العلنية لـ«داعش – خراسان» ضغطًا متزايدًا على طالبان المطالبة بمعالجة عدد من الملفات الحارقة بسرعة، لكي ترد بقوة لاحتوائها، كما أن قدرة طالبان على قمع النشاط العنيف تعتبر أيضًا اختبارًا رئيسيًّا لحكمها المبكر.
لذا ليس مستبعدا أن تستخدم طالبان ورقة العداء مع داعش ودحره في الحصول على اعتراف صريح من المجتمع الدولى بشرعيتها، والدعم الاقتصادي والاستخباراتي لها مقابل أن تحارب التنظيم الإرهابي على الأرض.