الأزهر الشريف والقارة الأفريقية.. دور بارز لمواجهة الإرهاب
تستغل الجماعات الإرهابية الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة للدول كي تجد لنفسها موطئ قدم بداخلها، إذ تلعب هذه التنظيمات المتطرفة على ظروف المواطنين الصعبة وأزماتهم المعيشية لتقنعهم بضرورة الانضمام إليها، موهمة إياهم بالحياة السعيدة ورغد العيش.
لذا وجدت الجماعات الإرهابية في القارة الأفريقية فرصة سانحة للتوغل فيها، خصوصًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها شعوب هذه القارة، والفقر الكبير الذي يحيط بهم في أوجه حياتهم كافة، مثل الانتشار في منطقة بحيرة تشاد.
دور الأزهر في أفريقيا
لعب الأزهر الشريف دورًا إيجابيًا في القارة الأفريقية، مساهمًا في مساعدة الشعوب الأفريقية في الحصول على قدر مناسب من التعليم، بالإضافة إلى تعريف هذه الشعوب أمور دينهم وفقًا لمناهج الإسلام الوسطي دون تشدد، ما ساهم في تضييق مساحات عدة كانت تستخدمها الجماعات الإرهابية.
ودأب الأزهر على إيفاد بعثات من كبار شيوخه وعلمائه إلى مختلف الدول الأفريقية، كي تلعب دورًا واضحًا في الوعظ والإرشاد الديني لشعوب هذه الدول، بالإضافة إلى تقديم بعثات مجانية لأبناء هذه الدول للدراسة في جامعة الأزهر، كما أنشأ الأزهر عدة معاهد دينية في شتى الدول الأفريقية.
نماذج مضيئة لدور الأزهر
للأزهر الشريف محطات مضيئة في علاقاته بالدول الأفريقية، حتى أصبح بمثابة قوة ناعمة دبلوماسية وثقافية وتعليمية في هذه الدول، وتمتد هذه العلاقة التاريخية منذ عهود قديمة، ومنها علاقة الأزهر الشريف مع دولة إريتريا.
نموذج على ذلك، البعثات التعليمية التي قدمها الأزهر الشريف لأريتريا في عام 1951، والتي ضمت نحو 18 عضوًا برئاسة الشيخ مصطفى العرابي، وتوالت البعثات التعليمية إلى هناك، حتى أن مشيخة الازهر استجابت لأهالي كرن» و«مصوع» وقررت أن تعزز بعثتها هناك بستة من علمائها كي ينضموا إلى البعثة الموجودة هناك بالفعل.
والشاهد على نجاح البعثة في تحقيق أهدافها، أن السفارة المصرية هناك أرسلت صورة، في مطلع أغسطس عام 1954، من كتاب مرسل من مسلمي إريتريا إلى شيخ الجامع الأزهر آنذاك تطالبه بتمديد مدة انتداب أعضاء البعثة الأزهرية هناك، والتي كانت على وشك الانتهاء، وهو ما يترتب عليه إغلاق المعهد الديني الإسلامي ومدرسة الثقافة الإسلامية ومدرسة الجالية العربية في إريتريا.
كما أرسل رئيس لجنة المعهد الديني الإسلامي في أسمرة، رسالة إلى وزارة الخارجية المصرية لإبقاء البعثة المصرية في إريتريا ومد فترة انتداب أعضائها، واستجابت مشيخة الأزهر لطلبهم، وهذا ما يظهر مدى الدور الاجتماعي الفعال الذي قام به الازهر على مر عقود.
كما استقبل الأزهر الشريف، أول بعثة لإجراء امتحانات الشهادة الابتدائية من دولة إريتريا في عام 1953، وكانت مكونة من 14 تلميذًا نجحوا بالكامل، وألحقوا بالمدارس المصرية، وكانت البعثة تعمل بالمناهج المصرية حتى فتحت قسمًا للشهادة الإعدادية.
ما أشبه الليلة بالبارحة
لم يكن مثال العلاقات بين الأزهر الشريف وإريتريا في خمسينيات القرن الماضي مجرد حدث عارض، لكنها تدل على منهج اتخذه الأزهر منذ القدم وحتى الآن، وهو ما يظهر في تعامل المشيخة مع القارة الأفريقية خلال العصر الراهن.
ففي مارس عام 2013، نظم الأزهر الشريف اجتماعًا لعلماء الدول الإسلامية كافة، وفي القلب منها الدول الأفريقية مثل نيجيريا والصومال، بهدف مواجهة بعض الفتاوى الشاذة الصادرة في أفريقيا بعدم جواز تناول تطعيم شلل الأطفال، وأكد الأزهر ضلال هذه الفتوى، واستعداده للعمل من أجل توعية الأفراد والمجتمعات بضرورة الحصول على اللقاح.
ومع تنامي ظاهرة خطف الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، تمهيدًا لتدريبهم على حمل السلاح وتنفيذ العمليات الإرهابية، وهي الظاهرة التي دفعت عدة دول ثمنها باهظًا ومنها نيجيريا والكاميرون وغيرها، لعب الأزهر الشريف ممثلًا في مرصد مكافحة التطرف دورًا في مواجهة هذه الظاهرة، إذ أطلق عدة دراسات حول «خطف الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية».
ومن هذه الدراسات، «بوكو حرام تجدد دماءها بمقاتلين من النساء والأطفال»، «الأطفال بعد تخديرهم استراتيجية جديدة وتحول خطير في بوكو حرام اللاإنسانية»، موضحًا فيها موقف الدين الإسلامي من هذه الظاهرة بصورة خاصة، ومن الجماعات الإرهابية بصورة عامة.
وفي يونيو عام 2019، شارك الأزهر الشريف في القمة الأفريقية الأولى لمواجهة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وزواج الأطفال في العاصمة السنغالية داكار، وعرض موقف الدين الإسلامي من هذه الظاهرة، موضحًا الرد الشرعي والفقهي على جميع الآراء التي تدفع بزواج الفتيات في سن صغيرة.
ولم يقتصر دور الأزهر في أفريقيا، على العمل الديني فقط، إذ لم يصم آذانه عن حقيقة الأوضاع الاجتماعية والصحية بالمجتمعات الأفريقية، ومد يد المساعدة إلى دول القارة في مواجهة كل الصعاب وإيجاد حلول لها، وكان مبادرًا بتنظيم مؤتمرات مختلفة تقطع الطريق على التنظيمات الإرهابية في استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، في تجنيد أبناء الشعوب الأفريقية لصالحها.





