إيران والقضية الفلسطينية.. تاريخ من المزايدات و«الجعجعة بلا طحن»
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومع ظهور بوادر عقد اتفاقيات سلام بين العرب وإسرائيل، انتهجت طهران نهجًا دعائيًّا متشددًا للمزايدة على الدول العربية في عملية السلام، ليس بغرض حل القضية الفلسطينية، بل بغرض تعقيد الأمر، وكسب مساحات باللعب على المشاعر العربية لخدمة مشروعها الفارسي الإمبريالي، بزعم تبني لواء المقاومة والممانعة، رغم مسؤوليتها عن مجازر طائفية ضد العرب في لبنان والعراق، وداخل إيران نفسها في إقليم الأحواز العربي الذي تحتله منذ عام 1925.
أعلنت طهران معاداتها للسلام مع تل أبيب، وأضاف الخيار الفلسطيني الجديد الذي تبلور تباعًا باتجاه مؤتمر مدريد 1991 ثم اتفاقية أوسلو 1993، أسبابًا إضافية للعداء بين طهران وبين منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، وهي التي اصطفت إلى جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضد نظام الخميني (1980 ــ 1988).
وشكل مشروع السلام برمته تهديدًا استراتيجيًّا للمصالح الإيرانية، ولمشروع تصدير الثورة، التي اتخذت إيران له من القضية الفلسطينية منصة دعائية وأداة تعبئة تخاطب بها الشعوب العربية، وتستنزف عبرها مشروعيات الأنظمة التي تخاصمها، وراهنت على تنظيمات كـ«حزب الله»، بغية إجهاض السلام.
وفقًا للدكتور «تريتا بارسي» أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «جون هوبكينز» الأمريكية، فقد أكد في كتابه «التحالف الغادر» : التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية، أن مجرد إحلال السلام بين إسرائيل والعرب يضرب مصالح إيران الاستراتيجية في العمق، ويبعد الأطراف العربية عنها خاصة سوريا، ما يؤدي إلى عزلها استراتيجيًّا.
ويشير إلى أنّ أحد أسباب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، هو رغبتها في تقويض التأثير والفعالية الإيرانية في عملية السلام من خلال تجريد ميليشيا «حزب الله» من شرعيته التي يتذرع بها، وتقديم نفسه كمنظمة مقاومة بعد أن يكون الانسحاب الإسرائيلي قد تمّ من لبنان.
ويكشف أستاذ العلاقات الدولية، أنّ الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تتمثل في مساعدتها في غزو العراق في 2003 كمقدمة لعقد صفقة بين البلدين تنهي مخاوف الطرفين.
ويكشف «بارزي» عن مفاجأة صادمة حين يؤكد أن الاقتراح الإيراني السرّي اشتمل على تنازلات متعلقة بالبرنامج النووي، وأسلحة الدمار الشامل بصفة عامة، وتم إرسال العرض المغري عبر السفارة السويسرية بعد غزو العراق في 2003.
وعرضت إيران استخدام نفوذها في العراق لإنشاء حكومة غير دينية، والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون قيود، ووقف دعم المجموعات الفلسطينية، والضغط عليها لإيقاف عملياتها ضدّ الإسرائيليين، وتحويل «حزب الله» اللبناني لحزب سياسي محلي، وقبول المبادرة العربية التي طرحت في قمّة بيروت عام 2002، و«حل الدولتين» والاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية.
وكان رد الفعل الأمريكي غير المتوقع برفض العرض تمامًا بضغط من «ديك تشيني» نائب الرئيس حينها، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والأدهى أن واشنطن وبَّخَت الوسيط السويسري الذي قام بنقل الرسالة.





