تحتل القضية الفلسطينية مكانًا، ومكانةً رئيسية في وجدان المجتمع العربي والإسلامي؛ بسبب وجود المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، والعديد من المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وهو ما استغلته التيارات المتطرفة؛ لتحريك مشاعر الجماهير، بما يحقق أهداف هذه التيارات والحركات.
وعلى رأس المتاجرين بهذه القضية جماعة الإخوان
الإرهابية، باعتبارها جماعة وظيفية –أي تؤدي دورًا ووظيفة محددة- لخدمة أعداء
الأوطان العربية، فهي تكفر بالوطن، وتعتبره حفنة من "تراب عفن" مثلما
قال سيد قطب، وسار على خطاه المرشد السابق محمد مهدي عاكف الذي قالها صريحة:
"طظ في مصر"، كما لا تؤمن بالحدود الوطنية ولا تحترمها، وإن كانت هذه
الحدود التي صنعها المحتل لأغراض سياسية كإضعاف الدول والسيطرة عليها، إلا أن ذلك
لا يدفع لكره الأوطان.
نجحت جماعة الإخوان في خداع العالم بالقضية الفلسطينية
والمتاجرة بها، لكسب مزيد من التعاطف معها، وهي في الأساس جزء من المشكلة وليس
الحل، وسبب من أسباب استمرار الصراع العربي الإسرائيلي من ناحية، والانقسام
الداخلي (الفلسطيني – الفلسطيني) من ناحية أخرى، فلا تنظر جماعة الإخوان وأخواتها
إلى فلسطين باعتبارها وطنًا عربيًا وإسلاميًا محتلًا، إلا حينما تقتضي مصلحتها
ذلك، ويتضح هذا من الشعارات التي يرفعها أعضاؤها في كل أزمة تخص فلسطين، وأبرز تلك
الشعارات: «غزة رمز العزة»، على الرغم مما في هذا الشعار من تقزيم مقصود ومتعمد
للقضية الفلسطينية، ففلسطين ليست غزة وحدها.
وبالعودة إلى تاريخ الجماعة في فلسطين، سنجد أنها تأسست
باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، برعاية الاحتلال الإسرائيلي،
وبإذن من الإدارة المدنية الإسرائيلية في قطاع غزة، ولكن لماذا وافقت إسرائيل على
وجودها؟ وسمحت للشيخ أحمد ياسين بالتنقل والتجول في مساجد القطاع لنشر دعوته؟ في
الوقت الذي تمنع فيه المسلمين من صلاة الجمعة في القدس وتضيق عليهم؟.. هنا يتضح
الدور الوظيفي الذي تقوم به الجماعة، وهو تفتيت اللحمة الوطنية المطالبة بتحرير
الوطن، والمتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية.
وما حدث في فلسطين يشبه إلى حد كبير ما حدث في مصر عام
1928م، حينما تأسست جماعة الإخوان، بدعم ورعاية الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت،
الذي تبرع للإخوان بمبلغ 500 جنيه؛ لممارسة أنشطتها في المجتمع المصري؛ ليتخلص عن
طريقها من بقايا ثورة 1919م التي وحدت المصريين، وبدأت تؤتي ثمارها، وأشاعت جوًا
من الوطنية.
يعلم المحتل الإنجليزي مثلما يعلم نظيره الإسرائيلي أن
أقرب وأسرع طريق للقضاء على المقاومة الوطنية، هو مواجهتها بأيديولوجية دينية
متطرفة، تقصي الأطراف الوطنية، وتحتكر الحق في الدفاع عن أرضها، ولذا اقتصرت عضوية
حركة حماس –وفق ميثاقها- على المسلمين فقط، وكأن المواطنين الفلسطينيين من أبناء
الديانة المسيحية ليس لهم الحق في الدفاع عن بلدهم، وبهذا يحقق المحتل هدفه بإضعاف
الصف الوطني وتفتيت وحدته.
وبعد أن افتضحت جماعة الإخوان وعرف الناس إرهابها
وتطرفها في مصر وغيرها من البلاد، وجدت في صفقة القرن فرصة ذهبية للمتاجرة من جديد
بالقضية الفلسطينية من خلال بيانات الإدانة والتحريض ضد الحكومات العربية، وغير
ذلك، دون أن يذكروا لنا ما قدموه كتنظيم موجود في أغلب دول العالم من أجل هذه
القضية، بل ما الذي قدمه الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، أكثر من أنه وصف
الرئيس الإسرائيلي بالصديق العزيز!.
كانت القدس وما زالت وسوف تظل رمز العزة، ولذا يجب تذكير
المجتمع الدولي بأن العنف لا يولد إلا العنف، وأن الاحتلال أحد ذرائع الإرهابيين
للتمدد والصراع في العالم كله، وبوادر ذلك ظهرت في الكلمة الصوتية الأخيرة للمتحدث
باسم «داعش» أبو حمزة القرشي، التي دعا فيها ذئابه المنفردة بقتال اليهود، على
الرغم من أن تنظيمه منذ نشأته في 2014م وحتى الآن لم يذكر له عمليه واحدة ضد
الاحتلال.
-----------------------------
*نقلًا عن الأهرام المسائي