ad a b
ad ad ad

فوز «تبون» برئاسة الجزائر.. تحديات الداخل والانعكاسات على الخارج

السبت 21/ديسمبر/2019 - 01:49 م
المرجع
أبو الفضل الإسناوي
طباعة

يعلق ما يقرب من 20% من الشعب الجزائري الذين أعطوا أصواتهم للرئيس عبد المجيد تبون، آمالهم عليه، في المرور بالدولة الجزائرية من أزمتها التي دامت أكثر من ثمانية شهور، كما أن حصوله على نسبة من أصوات الناخبين تصل لـ(58,15%) وتفوقه عل منافسيه الأربعة، يشكل قوة مساندة تدفعه للتحرك بسرعة، وضغط شعبي يظل يحاصره ويراقبه طول الوقت.


وعلى ما سبق، وفي ظل الأعباء الكبيرة التي يحملها الرئيس الجزائري الجديد على عاتقه، يمكن القول إن نجاح «تبون» بهذه النسبة، وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الجزائر، سيكون له انعكاسات كبيرة على الداخل والخارج خلال الفترة القريبة المقبلة.


المزيد  الإخوان يبحثون عن شرعية.. انتخابات الجزائر تُحيي آمال الجماعة


إعلان المرشح الرئاسي السابق «علي بن فليس» رئيس حزب طلائع الحريات، عن انسحابه من الحياة السياسية بمجرد إعلان نتيجة الانتخابات، ومطالبة عدد كبير من أعضاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي، عز الدين ميهوبي بالاستقالة من منصبه كأمين عام بالنيابة، على خلفية النتائج التي وصفوها بـ«الكارثية» بسبب حلوله في المرتبة الرابعة بين المتنافسين الخمسة في الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى سرعة تغيير حزب جبهة التحرير عن موقفه بدعمه عز الدين ميهوبي، وإعلان أمينه العام بالنيابة علي صديقي، عن أن حزبه لم يقم بحملة انتخابية لمرشح معين، ولم يرشح أحدًا، وأن أعضاء حزبه مسرورون لنجاح «تبون»، وأنهم سيعملون كل ما بوسعهم لتهيئة الأرضية لبرنامجه حتى تعم الفرحة أكثر، باستعادة مؤسسة رئاسة الجمهورية.


كل ذلك يشير إلى عملية إرباك شديدة، قد تشهدها الأحزاب الكبيرة (التجمع الوطني وجبهة التحرير) في الجزائر، قد تؤدي إلى انقسامات داخلية، وإعادة ترتيب القيادات، بل هروب شعبي منها يؤدي إلى تراجعها في ترتيبات المشهد السياسي المقبل؛ خاصة أن أكبرها عددًا وأطولها تاريخًا (جبهة التحرير الوطني) يتراجع كما سبق القول بعد إعلانه الصريح برفض دعم «تبون»، وإصداره بيانًا قبل يوم الاقتراع يؤكد فيه التزامه الكامل بالوقوف وراء المرشح عز الدين ميهوبي.


كما أن حالة الارتباك التي بدت على الحزبين الكبيرين، بالإضافة إلى حزب طلائع الحريات بعد فوز عبد المجيد تبون، قد تؤثر على باقي الأحزاب القديمة، التي شارك بعضها في الحراك ثم انسحب، والبعض الآخر ظل يراقب معلنًا مقاطعة الانتخابات، فمن المحتمل أن تنكمش هذه الأحزاب سياسيًّا خلال الفترة المقبلة، بل قد يحاول بعضها التقرب غير المحسوب من السلطة الجديدة؛ ما يفقدها قطاع كبير من الجزائريين، الذي يبحث عن واقع سياسي جديد، قد ينتهي بهجرة جماعية من تلك الأحزاب إلى تشكيل أحزاب جديدة تحمل نفس الأيديولوجيات، وبرامج مختلفة، تتناسب مع دولة ما بعد بوتفليقة، لتؤسس لبرلمان جزائري جديد ومختلف في تكوينه وتركيبته الداخلية التي تنعكس على أدائه التشريعي والرقابي فيما بعد.


وقد لا تقتصر هزة نتائج الانتخابات الرئاسية على الأحزاب المدنية، بل قد تنقل إلى الأحزاب الدينية، فحلول عبد القادر بن قرينة مرشح حزب البناء الوطني في المرتبة الثانية، قد يؤدي على المستوى القريب إلى حدوث تغيير في ترتيبات الأحزاب الإسلامية داخل الجزائر، فربما يلعب حزب البناء الوطني الدور الذي لعبته حركة مجتمع السلم مع نظام بوتفليقة من 1999 حتى 2012؛ حيث ظلت شريكة ومتحالفة مع النظام، وجزءًا من حكوماته، وهذا الدور أيضًا لعبه حزب حركة تجمع أمل الجزائر بقيادة عمار غول، المنشق عن «حمس الإسلامية»؛ حيث ظلت الحركة شريكة في حكومات ما بعد 2012 حتى رحيل بوتفليقة، وبالتالي قد يتصدر حزب  بن قرينة الحركة الإسلامية في الجزائر خلال الفترة المقبلة بعد خروج عدد كبير من أعضاء حركتي النهضة ومجتمع السلم، بل وجبهة الإنقاذ عن موقف القيادة، ودعم لهذا المرشح خروجًا عن طاعة القيادة.


وأكد المؤتمر الأول الذي عقدة «تبون» بعد إعلان نتيجة الانتخابات بساعات -في مركز المؤتمرات بالعاصمة الجزائر- أنه لن يسعى إلى تأسيس حزب جديد للسلطة أو يخطئ مثلما فعل سابقه عبد العزيز بوتفليقة، الذي ترشح مستقلًا، ثم انضم بعد انتخابه إلى حزب جبهة التحرير الوطني، وبالتالي إعلان «تبون» عن استمراره مستقلًا يشير إلى أن الجزائر مقبلة على تغيرات كبيرة في وضعها الداخلي، وفي دوائر سياستها الخارجية، قد يكون أهمها وأولها تعديل الدستور، وتكليف عدد من المتخصصين والقوى المدنية في إعداد مسودة الدستوري الجديد، وقد تشهد الجزائر خلال التسعين يوم الأولى من عمر ولاية الرئيس الجديد تعطيل العمل بالدستور الحالي، والسعي في خطوات جديدة تنتهي بعمل استفتاء على الدستور الجديد.


للمزيد:خوفًا من مصير الإخوان في مصر.. «حمس» الجزائر توزع أوراقها السياسية بعد فوز «بن تبون»


كما قد يلحق بتعديل الدستور تغيير قانون الانتخابات؛ خاصة أن الرئيس الجديد يرى أن القانون القديم لا يتوافق مع التغيرات الجديدة، ولا ينتج مؤسسات سياسية فاعلة، بل قد يستخدم «تبون» عملية تعديل القانون في تهدئة الحراك، من خلال تثبيت كوتة للشباب والفئات المهمشة تضمن حق تمثيلهم في البرلمان المقبل، وهذا ما أكد مضمونه في أول مؤتمر له بعد انتخابه؛ حيث قال إنه يجعل الحكومة تتحمل تكلفة الدعاية الانتخابية للشباب في الانتخابات المقبلة.

فوز «تبون» برئاسة
وقد يكون من قرارات «تبون» خلال 100 يوم الأولى، هو السير في خطوات حل البرلمان والمجالس المحلية؛ حيث بالتبعية يحل البرلمان بعد تعديل الدستور، وتغيير قانون الانتخابات، ولكن خطورة ذلك أنه قد يؤدي إلى حدوث إرباك في المشهد الداخلي، فالأحزاب الممثلة في البرلمان قد تقاوم فكرة الحل؛ خاصة أنها قد تحاول استغلال الفترة المتبقية من عمر البرلمان في إعادة تموضعها السياسي، بعد فشل مرشحها عز الدين ميهوبي، الذي احتل الترتيب قبل الأخير.


كما قد يسعى «تبون» بصفة عاجلة إلى تحقيق أحد مطالب الحراك الرئيسي، الذي ظل الأكثر إلحاحًا خلال الثمانية شهور الماضية، وهو تغيير الحكومة باعتبارها مطلبًا جماهيريًّا، وعليه يكون الرئيس ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول، يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن الأحزاب القديمة، والثاني إرضاء الحراك بتمثيل عدد كبير من عناصره في الحكومة المقبلة، وما قد يثبت احتمال حدوث هذه الفرضية، هو إعلان «تبون» في مؤتمره الأول بعد فوزه، بأن «الحكومة القادمة ستشهد أعمار وزراء تتراوح بين 28-30 سنة».


وقد يقوم «تبون» بالتوازي مع سعيه في تحقيق الأولويات السابقة، بفتح مبادرة للحوار مع كل الأطراف التي كانت رافضة لإجراء الانتخابات، وعلى رأسها قوى الحراك؛ خاصة أن دعوته للحوار لقيت ترحيبًا من بعضهم، بل أيضًا من قوى حزبية وإسلامية على رأسهم حركة مجتمع السلم «حمس» أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، التي دعت في بيان وقعه رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، في اليوم التالي لإعلان نتيجة الانتخابات، السلطات إلى جعل الحوار شفافًا وجادًّا، واعتبرت الحركة أن خطاب المرشح الفائز عبد المجيد تبون بعد إعلان النتائج كان خطابًا جامعًا يساعد على التخفيف من التوتر، ويفتح آفاق الحوار والتوافق.


توضيحًا لما سبق، سيكون الداخل الجزائري بكل تفاعلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية أهم أولويات الرئيس الجديد، وسيحاول بقدر المستطاع وضع أولويات الداخل على الخارج؛ خاصة أنه أكد في أول مؤتمر بعد انتخابه إنقاذ  الاقتصاد الداخلي، ومنع تقهقر القدرات المالية للدولة الجزائرية أهم أولوياته، بالإضافة إلى أنه يسعى في وضع استراتيجية تمكنه من عودة الأموال المنهوبة في الداخل الجزائري والمهرب منها في الخارج.


وعلى المستوى الخارجي، يمكن أن نستنبط دوائر السياسية الخارجية الجزائرية القريبة لـ«تبون» من خلال قراءة ما تضمنته مؤتمراته وندواته الانتخابية، فمن خلال مبدأ المعاملة بالمثل، الذي كرره «تبون» في مؤتمراته الانتخابية، يمكن القول إنه قد يتمسك الرئيس الجديد في علاقته مع فرنسا، وقد تظل العلاقة بينهما متحفظة لفترة طويلة، خاصة بعد تصريح الرئيس الفرنسي، الذي جاء بعد إعلان النتائج خاليًّا من تهنئة «تبون»، بل تضمن مطالبة فرنسا للرئيس الجديد، بضرورة فتح حوار مع الحراك.


المزيد: الاستحقاق الرئاسي.. هل يُفرّق «إخوان الجزائر»؟


كما قد يحدث تقارب سريع، وتغير ملحوظ في مستوى العلاقات بين دول الشمال المغربي الثلاث؛ خاصة بعد مبادرة  الملك محمد السادس، بتهنئة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ودعوته لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين (المغرب والجزائر)، على أساس الثقة المتبادلة والحوار البناء، وذلك بعد أزمة كانت بين البلدين، سببها كما قال الرئيس الجديد، فرض المغرب تأشيرات على الجزائريين.


وقد يكون تصعيد «تبون» بعد فوزه، وأثناء حملته الانتخابية، ضد المغرب سببًا في تسوية الخلافات بين الجارتين؛ حيث صرح «تبون» لوسائل الإعلام بعد فوزه بساعات قليلة، أنه لا يغفر لمن يمس السيادة الوطنية الجزائرية، في إشارة إلى دولة المغرب، وقد طالب أيضًا دولة المغرب بالاعتذار الرسمي للجزائر أثناء حملته الانتخابية، كما قد يؤدي إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، عن زيارة إلى الجزائر، لحضور أداء اليمين الدستورية التي سيؤديها الفائز «تبون» إلى فتح مسار جديد للعلاقة بين الدول الثلاث؛ خاصة أن الأول «قيس» كان قد أعلن أثناء حملته الانتخابية أن الدولة الأولى سيزورها هي الجزائر.


* نقلًا عن الأهرام العربي

"