«مئات الإرهابيين».. الجيل الثاني من «داعش» يهدد أمن أوروبا
أواخر نوفمبر 2019، كانت الحركة على جسر لندن الواقع منتصف العاصمة البريطانية
تسير بشكل طبيعي، وما إن أوشكت الشمس على الغروب حتى تغير الموقف على الجسر الشهير،
ففي تمام الساعة الرابعة، هاجم عثمان خان، السجين السابق والمدان في قضايا إرهابية،
المارة قرب الجسر بسكين كان بحوزته، وقُتل شخصان خلال الهجوم قبل أن تتمكن الشرطة من
قتل المهاجم.
ساعات أخرى، مرت على الحادث قبل أن يكشف تنظيم «داعش» جزءًا من دوافع تنفيذ الهجوم الإرهابي، معلنًا عبر وكالة أعماق (الذراع الإعلامية له) أن «خان» هو واحد مما يعرف بـ«جنود الخلافة»، وأنه نفذ الهجوم تلبية لدعوة التنظيم لاستهداف رعايا التحالف الدولي.
«العدناني» واستراتيجية الضرب في القلب
أعاد هجوم جسر لندن، تنظيم «داعش» إلى بقعة الضوء في قلب القارة العجوز، بعد خفوت نجمه لفترة وجيزة، إذ تزامن الهجوم مع استعادة بريطانيا عدد من الأطفال الذين كانوا بمخيمات الاعتقال بسوريا بعد سنوات قضوها في التنقل بين «معاقل داعش»، و«مخيمات الاحتجاز».
لجأ «داعش» لاستراتيجية «الضرب
في قلب أوروبا»، قبل عدة سنوات، وذلك بفعل الضغط على ما عُرف بـ«معاقل الخلافة المكانية»
في سوريا والعراق، وكان أبو محمد العدناني المتحدث الأسبق باسم داعش وأمير اللجنة المفوضة
لإدارة التنظيم، هو صاحب الصوت الأعلى الذي نادى بضرورة ضرب القارة العجوز.
وعبر سلسلة متتابعة من التسجيلات الصوتية،
حرض «العدناني» مناصري «داعش» في أوروبا على شن هجمات ضد الأهداف المدنية
والعسكرية على حد سواء، كما أشرف بشكل مباشر على الخلايا الإرهابية التي نفذت هجمات
باريس الدامية في نوفمبر 2015.
وفي كلمته الصوتية الأخيرة، قبل مقتله،
دعا «العدناني» من وصفهم بجنود التنظيم وأنصاره في أوروبا وأمريكا؛ للتوقف عن محاولة
الوصول إلى «أرض الخلافة المكانية» التي كانت محاصرة في سوريا والعراق وليبيا، والبدء
في تنفيذ هجمات إرهابية داخل البلدان التي يقيمون بها.
وجاء التحول في استراتيجية «داعش» بالتزامن
مع بدء التحالف الدولي اتباع سياسة «الضغط الأقصى» على معاقل التنظيم المتبقية، فحاول
تخفيف الضغط بالإخلال بالأمن الداخلي للبلدان.
وكانت كلمة «أبو العدناني» الأخيرة،
بمثابة مناورة تكتيكية؛ تهدف لإبقاء «التنظيم» فترة أطول داخل المناطق التي سيطر عليها
منذ عام 2014، لكن المتحدث باسم «داعش» أصل لفكرة استهداف المدنيين بدلا
من استهداف العسكريين.
وقال «العدناني»: «لقد بلغنا أن بعضكم لا يستطيع العمل لعجزه عن الوصول لأهداف عسكرية، ويتحرج من استهداف المدنيين فيعرض عنهم لشكه بالجواز والمشروعية.. فاعلموا أنه لا عصمة للدماء، ولوجود لما يسمى بالأبرياء».
وخلال الفترة التي تلت كلمة المتحدث الأسبق
باسم «داعش»، عمل التنظيم عبر ما يعرف بإدارة العمليات الخارجية على تأسيس
شبكات تنظيمية داخل أوروبا استعدادًا لمرحلة «الحرب الطويلة» التي ستتلو انهيار «الخلافة
المكانية»، وذلك بحسب دراسة سابقة لمركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية، ويست بوينت العسكرية
الأمريكية.
موجة
ثانية من إرهابيي «داعش» تهدد أمن أوروبا
عامان كاملان قضاهما التنظيم في «الإعداد»،
قبل أن تنهار الخلافة المكانية بسقوط قرية الباغوز فوقاني السورية في قبضة قوات سوريا
الديمقراطية «قسد»، المدعومة من التحالف الدولي، لكن التهديد الذي يشكله «داعش»
بقي موجودًا بالرغم من ذلك.
وعقب سقوط المعقل الأخير لداعش، احتُجز
آلاف المقاتلين العرب والأوروبيين المنتمين له مع عائلاتهم، في مخيمات تشرف عليها قوات
«قسد» في شرق سوريا، بينما اعتقل آخرون أثناء محاولتهم الهرب عبر الأراضي التركية التي
دخلوا منها لمعاقل التنظيم الإرهابي.
وبحسب يورجن ستوك، الأمين العام لوكالة
الشرطة الأوروبية «يوروبول»، فإن القارة العجوز قد تواجه موجة ثانية من مقاتلي داعش
الذين يمكن تسميتهم بـ«الجيل الثاني» للدواعش.
تحذيرات أمين عام «يوروبول» جاءت في سياق
تحذيره من خطر العائدين من مناطق الصراع، بالإضافة للخطر الذي يشكله إرهابيو أوروبا
المحتجزون في سوريا والعراق، إذ تواجه الدول الأوروبية مشكلة قانونية قد تؤدي لعدم
إدانة هؤلاء العائدين أو احتجازهم لفترات قليلة ومن ثم إطلاق سراحهم من جديد.
وفي ذات السياق، اعتبر معهد «جيتسون»
الأمريكي للدراسات أن تنظيم «داعش» يحظى بـ«ملاذات آمنة» في أوروبا، موضحًا
أن السياسة الحالية التي تتبعها الدول الأوروبية لن تؤدي لاحتجاز مقاتلي «داعش»
العائدين لفترة طويلة، ومن ثم سيطلق سراحهم ليعودوا ويبدأوا موجة جديدة من الإرهاب
الداعشي.
إرهابيو
داعش الأوروبيون.. أرقام وإجراءات
وفقًا لتقديرات وإحصائيات أعدتها معاهد
ومؤسسات بحثية أوروبية وأمريكية، (من بينها معهد جيتسون، ومجموعة صوفان جروب)، فإن
عدد المقاتلين الأوروبيين الموجودين في سوريا والعراق يتجاوز بضعة مئات مقسمين على
عدد من الجنسيات.
واختلفت الدول الأوروبية في تعاملها مع
ملف مقاتلي داعش الموجودين في سجون القوات الكردية، أو السجون التركية، فأعلنت دول
مثل الدنمارك رفضها التام لاستعادة مقاتليها من مناطق الصراع، بينما أعربت دول أخرى
عن استعدادها لاستقبال العائدين حتى بعد انضمامهم لـ«داعش» ومن بين تلك الدول
ألمانيا.
وذكرت مجموعة «صوفان جروب» المعنية
بشؤون الاستخبارات والأمن الدولي في تقرير سابق لها، أن عدد المقاتلين المنتمين لـ«داعش»
من ألمانيا يصل إلى 570 مقاتلًا، وفي وقت سابق، أعلنت الحكومة التركية أنها ستطلق سراح
100 من الدواعش الألمان، وستعيدهم إلى بلدهم في إطار خطتها الجديدة للتخلص من أعضاء
التنظيم الإرهابي.
وبالرغم من العدد الكبير للمقاتلين الألمان
الموجود في صفوف التنظيم الإرهابي أو في السجون، فإن السلطات الألمانية لا ترفض عودة
المقاتلين إلى البلاد، معتبرةً أنهم مازالوا يحملون الجنسية الألمانية، وذلك بحسب بيان
سابق لوزارة الداخلية الألمانية.
النمسا
تبدأ المحاكمات
وقدرت مجموعة «صوفان جروب» عدد
مقاتلي «داعش» الحاملين للجنسية الألمانية بـ60 مقاتلًا، بينما قدر معهد
«جيتسون» عددهم بـ320 مقاتلًا، وخلال السنوات الماضية، عاد نحو 93 إرهابيًّا
إلى النمسا، في حين قتل نحو 58 منهم خلال مشاركتهم في العمليات العسكرية في سوريا والعراق.
وأدانت السلطات القضائية في النمسا 4 أشخاص، قبض عليهم، فيما عرف بخلية «مسجد لينز»، لدورهم في تقديم المساعدات لتنظيم
«داعش» الإرهابي.
التجريد
من الجنسية.. سلاح مواجهة داعش
انضم حوالي 158 مقاتلًا دنماركيًّا إلى
صفوف تنظيم «داعش» منذ إعلانه الخلافة المكانية في سوريا والعراق عام
2014، وحتى الآن لا يزال ما بين 27: 60 دنماركيا في صفوف التنظيم الإرهابي.
وبدأت الدنمارك خلال الشهور الماضية، اتخاذ
إجراءات ضد المقاتلين في صفوف التنظيمات الإرهابية، إذ أعلن رئيس الوزراء أن الحكومة
ستسعى لسن تشريعات لإسقاط الجنسية عن المقاتلين الذين يحملون جنسية أخرى بخلاف الجنسية
الدنماركية، في حين أعلن وزير الخارجية حجب المساعدات القنصلية للأشخاص الذين سافروا
للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.
فرنسا..
رفض حكومي ومطالبات قضائية
وفقًا لتقديرات معهد «جيتسون»
فإن عدد الفرنسيين الموجودين في مخيمات الاعتقال في سوريا والعراق يبلغ 200 رجل وامرأة، بالإضافة لـ300 طفل من المعروفين بـ«أيتام داعش»، بينما قدرت مجموعة «صوفان جروب»
عدد الدواعش الفرنسيين بـ900.
وأعربت الحكومة الفرنسية، في وقت سابق،
عن رفضها استعادة مقاتليها، معتبرةً أنهم يجب أن يحاكموا في البلد الذي ارتكبوا فيه
جرائمهم، في حين حث قاضي مكافحة الإرهاب ديفيد دي باس حكومة بلاده على استعادة الدواعش
من السجون العراقية والسورية، معتبرًا أن أفضل وسيلة لمواجهة الموجة الجديدة من الدواعش
هو باحتجازهم ومحاكمتهم.
إيطاليا..
قنطرة الدواعش لقلب أوروبا
قدر معهد «جيتسون» عدد الإيطاليين
الذين التحقوا بـ«داعش» بنحو 140 في حين ذكرت مجموعة «صوفان جروب»
أن عددهم 90 فقط، وحتى الآن عاد 26 مقاتلًا إيطاليًّا إلى البلاد وفقًا للتقديرات الرسمية.
وتعتبر إيطاليا قنطرة الإرهابيين للدخول إلى أوروبا تحت ستار اللجوء الإنساني، إذ كشف وزير الداخلية الليبي أن نحو 400 من الدواعش المحتجزين في ليبيا خططوا للهروب إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط كـ«لاجئين».
هولندا..
القضاء عائق أمام سحب جنسية الدواعش
يتراوح عدد الهولنديين الموجودين في صفوف
تنظيم «داعش» وداخل مخيمات الاحتجاز ما بين 120: 135، من بينهم 90 طفلاً، وذلك
بحسب الاستخبارات الخارجية، وفي حين سنت هولندا، في 2017، قانونًا يسمح بسحب الجنسية
من مقاتلي «داعش»، إلا أن مجلس الدولة (محكمة قضائية) أعاد الجنسية لـ5 من
الدواعش الهولنديين ذوي الأصول المغربية.
النرويج..
بين إلغاء الإقامة واستعادة الأطفال
قدرت وزارة الداخلية النرويجية عدد الذين
التحقوا بتنظيم «داعش» بحوالي 100 مواطن ومقيم داخل البلاد، وأصدرت الحكومة
قرارت بإلغاء إقامة المقيمين الذين التحقوا بالتنظيم، بالإضافة لمنع عودة أي من النرويجيين
الذين التحقوا بالتنظيم الإرهابي لداخل البلاد، وبالرغم من الإجراءات السابقة، إلا
أن وزارة العدل النرويجية سمحت باستعادة أطفال الدواعش من مخيمات الاحتجاز في سوريا.
بريطانيا..
التجريد من الجنسية الأمل الأخير
سافر نحو 850 بريطانيًّا للالتحاق بتنظيم
«داعش» منذ عام 2014، وفي أوقات لاحقة عاد منهم نحو 400 وفقًا لتقدير المركز
الدولي لمكافحة التطرف العنيف، بينما بقي ما بين 250: 300 في سوريا والعراق.
ولجأت بريطانيا لسياسة إلغاء الجنسية في مواجهة أعضاء التنظيم الإرهابي، وأعلنت الحكومة رفضها لعودة المقاتلين المعتقلين في سوريا والعراق، بينما سمحت خلال الأيام التي سبقت هجوم جسر لندن، باستعادة عدة أطفال من «أيتام داعش».





