يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad
مصطفى حمزة
مصطفى حمزة

خوارج العصر*

الجمعة 15/نوفمبر/2019 - 06:36 م
طباعة

الخوارج فرقة إسلامية قديمة، ظهرت في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسُميت بهذا الاسم بسبب خروجهم عليه بعد قبوله التحكيم في معركة صفين، التي وقعت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، الأمر الذي رفضه الخوارج باعتباره کفرًًا وقع فيه «علي» ومن معه، حسب اعتقاد الخوارج الفاسد.


وعلى الرغم  من أن أول فرقة أُطلق عليها هذا الاسم هي تلك التي ظهرت في عهد علي رضي الله عنه، فإن الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه هم كذلك خوارج عصره، وأول خارجي في الإسلام ظهر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه ذو الخويصرة التميمي، الذي رفض قسمة النبي لغنائم إحدى الغزوات، وقال له: اعدل يا محمد، فرد عليه الرسول قائلًا: «ويلك من يعدل إن لم أعدل أنا»، ثم تنبأ عليه الصلاة والسلام بظهور الخوارج، وذكر بعض صفاتهم، وحث على قتالهم بقوله: «طوبى لمن قتلهم أو قتلوه».


قاتل «علي» الخوارج، وكانت هذه منقبة من مناقبه الكثيرة، إلا أنه لم يُكفرهم، وإنما قاتلهم لدفع ظلمهم باعتبارهم أهل بغي، وقال في حقهم: «قومٌ بغوا علينا»، بعد أن كفَّروا المسلمين وسفكوا دماءهم، علمًا بأنه لم يقاتلهم إلا بعد أن حاورهم، وأقام عليهم الحجة والبرهان، وأرسل إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه لمناظرتهم، فرجع منهم من رجع، وأصرَّ منهم من أصر.


ولو مددنا الخط على استقامته لوجدنا أن الخوارج موجودون في كل زمان ومكان، وفي كل عصر ومصر، مثلما هم موجودون في عصرنا هذا تحت أسماء مختلفة، ولكن بفروق تصب لصالح الخوارج الأولين أو القدامى، فخوارج العصر لا يملكون من التدين الظاهر والتزام العبادات والمناسك ما كان يمتلكه آباؤهم وأجدادهم، من عبادات كان يحقر الصحابة رضي الله عنهم عبادتهم إلى جوارها.


كما أن الخوارج الأولين كانوا يقاتلون من أجل الدين، ولديهم شبهات يسهل إزالتها بالدليل والبرهان؛ لأنهم في الأصل أهل دين، لذا رجع منهم الكثير حينما حاورهم «علي» و«ابن عباس» رضي الله عنهما، أما خوارج العصر فهم جهال يقاتلون لأجل الدنيا والحكم والسلطة، لكنهم يغلفون ذلك بغلاف ديني.


ولو ذكرنا أمثلة للخوارج في العصر الحديث سنجد أن جماعة الإخوان الإرهابية هي الجماعة الأم التي خرج من رحمها كل فرق الخوارج التي ظهرت في هذا العصر، مثل تنظيمي القاعدة وداعش، فحسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول اختار لجماعته اسم «الإخوان المسلمون» ليتميزوا به عن غيرهم من المسلمين، وبمفهوم المخالفة فإن غير المنتمين للجماعة هم «إخوان غير مسلمين» أو «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، ولذلك كتب «البنا» في رسالة المؤتمر الخامس ضمن مجموع رسائله تحت عنوان «إسلام الإخوان المسلمين»، يشرح الإسلام الذي يريده لجماعته، فجعل الحكومة ركنًا من أركانه.


وكغيره من الخوارج لا يرى «البنا» مصر في زمانه دولة مسلمة؛ حيث قال في رسالة له بعنوان: (طور جديد في دعوة الإخوان المسلمين): «نرجو أن تقوم في مصر دولة مسلمة تحتضن دعوة الإسلام»، ومعنى ذلك أن الدولة التي كانت قائمة في عهده لم تكن دولة مسلمة.


وهذا المعنى صرح به أحد قادة الدعوة السلفية في مصر، وكان قد تربى تربية إخوانية، وهو الدكتور ياسر برهامي، الذي قال عام 2009م: «إن مصر دولة غير إسلامية»، وأحدث نسخة من خوارج العصر تجسدت في تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي كان زعيمه السابق أبو بكر البغدادي عضوًا في جماعة الإخوان باعتراف القيادي الإخواني يوسف القرضاوي، كما يعد داعش امتدادًا للقاعدة الذي تزعمه أسامة بن لادن، بعد فصله من تنظيم الإخوان.


وسيستمر الخوارج في الظهور كلما قُضِيَ على فريق منهم خرج غيره حتى تقوم الساعة، تحقيقًا لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: «كلما خرج قرن قطع حتى يخرج في أعراضهم الدجال» أي في آخرهم، ولن يصلوا إلى التمكين في الأرض.

----------------------

* نقلًا عن الأهرام المسائي

"