«المرجع» يكشف كواليس الصفقة بين قطر والإخوان
الجمعة 25/مايو/2018 - 01:29 م
مصطفى حمزة
- دَعْم التنظيم الدولي بالمال مقابل حلّ الجماعة في قطر
- علاقة قطر بالإخوان بدأت أثناء الاحتلال البريطاني للدوحة
- «الجزيرة» لسان حال الجماعة والمتحدث الإعلامي باسم التنظيم
- «القرضاوي» أبرز مؤسسي «إخوان قطر» والمفتي غير الرسمي للدولة
- رعاية الجماعات الإرهابية في الدول العربية بالمال والسلاح والملاذ الآمن
تُثير علاقة جماعة الإخوان بقطر الكثير من التساؤلات، في ظل احتضان الدوحة عناصر الجماعة الهاربين؛ حيث اعتبر الأخيرون الدوحة الملاذ الآمن، الذي يهرعون إليه؛ للفرار من المحاكمات الجنائية، والملاحقات الأمنية لهم داخل بلادهم، لاسيما في ظل عدم وجود تنظيم إخواني داخل قطر، بعد إعلان الجماعة هناك حلّ نفسها بنفسها عام 2003.
تتمثل التساؤلات التي تدور في أذهان العديد من الناس عن أسباب حلّ جماعة الإخوان في قطر، رغم استمرار قطر في دعم فروع الإخوان في الأقطار الأخرى، مثل مصر، وليبيا، والأردن وغيرها، وكذلك صعود قيادات الجماعة ليتولوا حقائب وزاريّة داخل دولهم، وفي هذا التقرير نرصد أهم الإجابات عن هذه التساؤلات.
تعود بداية العلاقة بين قطر و«الإخوان» إلى النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين، برعاية بريطانية، وقت أن كانت قطر ترزح تحت نيران الاحتلال البريطاني، قبل إعلان استقلالها عام 1971؛ حيث نبتت البذرة الأولى للجماعة مع هجرة بعض المدرسين المصريين، بعد حلّ جماعتهم في مصر إبان صدامهم مع نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1954، فور تعرضه لمحاولة الاغتيال الشهيرة بميدان المنشية بالإسكندرية، على يد أحد عناصر الإخوان، ويُدعى محمود عبداللطيف.
وترعرعت هذه البذرة، بعد ريّها بهجرات أخرى من سوريا عام 1982، بعد الصدام مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي انتهى بمذبحة «حماة» الشهيرة، أما ثالث الهجرات التي أسهمت في نمو شجرة الإخوان في قطر، فكانت من المملكة العربية السعودية، إثر أحداث 11 سبتمبر 2001، تلتها هجرة عناصر حماس الموجودة في الأردن، بعد التضييق عليها نهاية التسعينيات.
وكانت آخر الموجات الإخوانية التي تسببت في قطع علاقات الدول العربية والخليجية بقطر هي هجرة عناصر «الإخوان» من مصر، بعد الإطاحة بهم من الحكم، إثر تظاهرات شعبية في 30 يونيو 2013، نتج عنها إقصاء الإخوان من المشهد السياسي المصري، فآثروا الهروب إلى قطر، على البقاء في مصر.
بريطانيا و«القرضاوي» وإخوان قطر
ومثلما كانت بريطانيا شريكًا أساسيًّا لـ«حسن البنا» في تأسيس جماعته عام 1928، لعبت الدور ذاته، وشاركت الجماعة الأم في مصر في تأسيس فرع الإخوان في قطر؛ حيث أسس إخوان مصر -المهاجرون إلى قطر- وزارة التربية والتعليم القطرية، ومعهد الدراسات الدينية، وأسهموا في إصدار مجلة «الأمة القطرية»، وتأثروا جميعًا بكتابات سيد قطب، وفتحي يكن، وغيرهما، في مرحلة لم تكن قطر تعرف التعليم النظامي بعد؛ إذ كانت الدولة بعد نيل استقلالها مازالت تبحث عن تدشين مؤسساتها.
يُعد يوسف القرضاوي من أول وأبرز الشخصيات التي هاجرت في ستينيات القرن العشرين لتأسيس فرع الجماعة في قطر، وتولى بعد ذلك منصب الإفتاء هناك بشكل غير رسمي، خاصة بعد توليه رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي تأسس عام 2004، وهناك شخصيات أسهمت في أخونة الدولة القطرية، منها: «عبدالمعز عبدالستار، وأحمد العسّال، وكمال ناجي، وعبدالبديع صقر» وغيرهم.
وكان لحاكم قطر في ذلك الوقت الشيخ علي بن عبدالله آل ثان، دور كبير في نمو الجماعة الوليدة، بسبب ثقته في شباب الإخوان المصريين؛ ما فتح أمامهم أبوابًا لنشر أفكار الجماعة، من خلال إلقاء المحاضرات العامة والدروس في المساجد، إضافة إلى صياغة المناهج التربوية والتعليمية، واختيار أعضاء هيئات التدريس في كل المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
حل التنظيم نهائيًّا.. «الصفقة»
ويرى عبدالله النفيسي، المحلل السياسي الكويتي، أن جماعة الإخوان -التي لم يكن عدد أعضائها يزيد على 100 عضو عام 1975- قررت اختيار مسؤول للإشراف على أنشطتها، بما يعني أن 1975 هو عام التأسيس التنظيمي للجماعة داخل قطر، والتي استمرت تنظيميًّا لأكثر من 5 سنوات، ليبدأ التفكير في حل التنظيم، مع الاحتفاظ بالفكرة الإخوانية.
وللإجابة عن أسباب حل التنظيم الإخواني في قطر، لابد من الرجوع لعامي 1980 – 1981؛ والأخير هو العام الذي عاد فيه عدد من الخريجين الجُدد من الخارج، وانضموا إلى الإخوان ليقوموا بما يشبه دراسة الجدوى لوجود التنظيم، واستغرقت هذه الدراسة سنوات، وكانت مكونة من جزأين -لم ينشر سوى واحد منهما فقط حتى الآن- وانتهت في عام 1999، إلى ضرورة حل التنظيم رسميًّا، عام 2003، لتتحول الجماعة بعدها إلى تيار فكري إسلامي عام، يخدم القضايا التربوية والفكرية في عموم المجتمع، واندمج أعضاء الجماعة في منظمات المجتمع المدني القائمة، بحجة أن الدولة تقوم بواجباتها الدينية، وليس من أهداف التنظيم في قطر إسقاط هذه الدولة، فلم تعد هناك حاجة لاستمرار التنظيم.
هذه هي الأسباب المُعلنة لقرار الحل، ولكن يبدو أن الأسباب الحقيقية تتمثل في أن قطر خافت على مستقبل أسرتها الحاكمة من توغل الإخوان داخل مجتمعها، ما دعاها إلى الاتفاق غير المُعلن، وعقد صفقة مع قيادة الجماعة على حل التنظيم القطري، مقابل دعم التنظيم الدولي في كل الدول، لاسيما الدول العربية، خاصة الخليجية منها، إضافة إلى حصول عناصر الجماعة بعد حلها على مناصب قيادية في الدولة، باعتبارهم مواطنين قطريين.
كما حصل «إخوان قطر» على عدد من الامتيازات الأخرى في إطار تلك الصفقة، من بينها السيطرة على المنابر الإعلامية، مثل قناة الجزيرة، التي أصبحت أحد أهم الأبواق الإخوانية الشهيرة، وأحد أهم الأسلحة التي يمتلكها النظام القطري، للتدخل في شؤون الدول العربية، والانتشار السرطاني في مفاصل الدولة السياسيّة، والاقتصاديّة، والأكاديميّة، والدينيّة الدعويّة.
إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية، التي تتستر برداء العمل الخيري والإنساني لتُمول وتدعم كيانات إرهابية في دول عديدة، مثلما تضمنت قوائم الإرهاب لدول التحالف الرباعي بعض هذه الجمعيات، وكانت قطر لا تريد أن تعيش في جلباب الإخوان، ولكنها تُصدره للعالم كله.
وساعد المكون الديموغرافي السكاني، والظرف السياسي، على اتخاذ هذا القرار؛ حيث قلة عدد السكان، ووفرة الموارد نسبيًّا، بما يُشبع احتياجات المواطنين، إضافة إلى سياسة الاحتواء التي تنتهجها الأنظمة الملكية تجاه الجماعات المتطرفة، لخوف تلك الأنظمة من ردة فعل عنيفة قد يتبناها المتطرفون حال إقصائهم، وهي سياسة مُغايرة لسياسة المواجهة التي تنتهجها الأنظمة الرئاسية، وهو ما يفسر احتواء النظام الملكي القطري للإخوان بدلًا من مواجهتهم.





