لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن عملية إرهابية هنا أو تفجير إرهابي هناك أو حادث يشتبه في كونه إرهابيًا في مكان آخر، وربما لا تخلو واحدة من هذه العمليات من استخدام التكنولوجيا وتطويعها في بعض مراحل التجهيز والتنفيذ على الأقل –من التجنيد إلى التفجير، بسبب ما توفره هذه التكنولوجيا من أدوات تساعد في إخفاء معالم الجريمة وصعوبة تتبع مرتكبيها، خاصة مع تستر المجرم الإلكتروني خلف الكيبورد وشاشة الكمبيوتر، مستخدمًا مواقع وتقنيات عابرة للقارات، فيصبح المجرم في قارة، وضحيته أو ضحاياه في قارة أخرى، ومن ثم لا يخضع لقانون وطني ولا دولي.
ويعد الإرهاب السيبراني أخطر صور هذه الظاهرة، بسبب
سهولة ارتكابه من ناحية، ورخص أدواته المستخدمة وسرعتها ودقتها في الوقت ذاته،
وسهولة الهرب من الملاحقة من ناحية أخرى، ولما يحدثه من آثار عابرة للحدود من
ناحية ثالثة، كما يمثل الفضاء الإلكتروني حلقة الوصل بين مركز التنظيم الإرهابي
وأطرافه وفروعه في العالم، وهو ما بات يعرف بظاهرة التجنيد عن بعد.
وهذا النوع من الإرهاب يشترك مع الإرهاب المادي التقليدي
في الهدف، إلا أنه يختلف عنه من حيث الوسائل والأدوات المستخدمة في كل منهما لتحقيق
هذا الهدف، فيتم استبدال الأسلحة والمتفجرات في النوع الأول، بوسائل الاتصال لبث
الرعب وتخويف الآخرين وإلحاق الضرر بهم أو تهديدهم، ما يعني أن الإرهاب
الإلكتروني بمثابة النسخة التكنولوجية للإرهاب التقليدي.
ففي مرحلة الترويج للفكرة وحشد العناصر وتجنيدها يلعب
الإنترنت دورًا فعالًا ورئيسيًا، إذ يتم استهداف شرائح وفئات بعينها تتوافر فيها
الشروط التي يحتاجها التنظيم الإرهابي في عناصره، مثل السن، فهو بحاجة إلى الشباب
الذين يدفعهم حماسهم لارتكاب أي شيء يظنون أنه نصرة للدين أو الوطن، كما أن الشباب
غالبًا يفتقد للخبرة والحكمة والتعمق في العلوم الشرعية وفهم النصوص الدينية
المقدسة، مما يسهل إقناعه بالفهم الخاطئ لهذه النصوص والذي يترتب عليه استسلامهم
للسمع والطاعة، وتنفيذ ما يطلب منهم.
وتأتي مرحلة التدريب عن بعد، لتستكمل بناء العناصر
الإرهابية التي تم تجنيدها، فيعلمونهم طرق تصنيع القنابل والمتفجرات بأبسط الأدوات
داخل المنزل، وكيفية استخدامها، والتوقيت المناسب لتنفيذ العمليات، والشخصيات
المستهدفة، وطرق التهرب من الملاحقة، أو الانسحاب بعد التفجير عن بعد –في حال
استخدام التكنولوجيا في عملية التفجير ووجود الانتحاري في محيط العملية-، وإقناعه
بضرورة تفجير نفسه في حال وقوعه في قبضة القوات الأمنية.
لم يعد الإرهاب المعاصر أو الحديث يحتاج إلى العنف
والقوة المادية لبث الرعب، وإنما يكفي توافر حاسب آلي متصل بشبكة الإنترنت، ويمكن
ارتكابه بواسطة أكثر من شخص في أكثر من مكان ضد هدف واحد مشترك أو مجموعة أهداف
مجتمعة أو متفرقة من حيث النطاق الجغرافي، بل وضد دولة من الدول أحيانًا، ما يتطلب
ضرورة تطوير أساليب الأجهزة الأمنية والقضائية للتعامل مع هذه الجرائم الجديدة.
وبالتوازي مع ذلك لابد من المواجهة الفنية التي تقلل –ولا
نقول تمنع- فرص الاختراق المحتملة، ووضع آلية ملزمة لتبادل المعلومات بين الدول،
والمواجهة الشعبية التي تتمثل في الإبلاغ عن كل من يشتبه في استخدامه للتكنولوجيا
استخدامًا إجراميًا، وتشكيل لجان إلكترونية وطنية مدربة على استخدام التكنولوجيا
استخدامًا صحيحًا؛ لتحصين الشباب من الوقوع فريسة لمواقع الإرهابيين على شبكة
الإنترنت.
يدفع العالم اليوم ضريبة التقدم التكنولوجي المتسارع دون
انضباط، فهو سلاح ذو حدين، وليعلم الجميع أنه باقتنائه جهاز كمبيوتر أو محمولًا متصلًا بالإنترنت فهو قد استقدم تنظيمات إرهابية متعددة داخل بيته دون قصد، فينبغي أن
يكون حذرًا من التأثيرات السلبية بل المدمرة لهذه التكنولوجيا التي اقتحمت حياتنا
دون استئذان، وأصبحت من ضرورات الحياة.
------------------------------
*نقلًا عن «الأهرام المسائي»